هل سيسعى الفلسطينيون لاستصدار قرار جديد من الأمم المتحدة بشأن المستوطنات؟

هل سيسعى الفلسطينيون لاستصدار قرار جديد من الأمم المتحدة بشأن المستوطنات؟

abbas-unap110921093974-639x405

لم تحمل “الجمعية العامة للأمم المتحدة” هذا العام أي جديد يُذكر فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولم يتّسم خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان عموماً أكثر تفاؤلاً من إطلالاته السابقة، بطابع مغاير عن مواقفه ونبرته الاعتيادية في هذا الشأن، كما أن التعليقات التي أدلى بها رئيس “السلطة الفلسطينية” محمود عباس لم تحمل بدورها مفاجآت كثيرة. ومرة أخرى، حاول الطرفان الحفاظ على صورة حازمة تستميل جمهور كلٍّ منهما بينما اعترفا في الوقت نفسه بالرغبة في السلام ولام أحدهما الآخر على العجز عن إحلاله. إلا أن المسؤولين الفلسطينيين يثنون على أحد جوانب خطاب الرئيس عباس رغم أنه ليس بجديد، باعتباره انطلاقة لمبادرة دبلوماسية – وخاصةٍ تأكيده بأنه “سيواصل بذل كافة الجهود لاستصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي حول المستوطنات وإرهاب المستوطنين”.

تطور الخيارات الدبلوماسية الفلسطينية

سبق أن طُرحت فكرة ممارسة الفلسطينيين الضغوط لكي يُصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بشأن المستوطنات. وتمثّل المسعى الأحدث بمطالبتهم بصدور مسودّة قرار حول الموضوع في عام 2011، مما أدى إلى استخدام الولايات المتحدة “حق النقض” (“الفيتو”). ومنذ ذلك الحين، اكتست الفكرة أهمية ثانوية نسبةً إلى الجهود الدبلوماسية الأخرى، بدءاً من السعي إلى اعتراف ثنائي ومتعدد الأطراف بالدولة الفلسطينية وصولاً إلى التماس قرار صادر عن مجلس الأمن يتعامل بشكل واضح مع جوهر اتفاق سلام خاص بالوضع النهائي لدولة فلسطين، ومع عملية هذا الاتفاق وآلياته.

إلا أن هذه المقاربات قد تعثّرت. فقد تبدّد الزخم الأولي الكامن وراء المسعى للاعتراف بفلسطين، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أنه لم يعد أمام القادة الفلسطينيين أي أهداف سهلة المنال، وكذلك بسبب تضاؤل الاهتمام الشعبي بعدما بطُلت حداثة هذه المقاربة وأدرك الشعب أن الإنجازات الرمزية لن تؤثّر على حياته أو احتمالات إنهاء الاحتلال. ولذلك لا تولي القيادة في الوقت الراهن  اهتماماً كبيراً في بذل جهود جبارة للحصول على اعتراف دولي أكبر.

وقد تبيّن أن السعي إلى قرار يحدّد معالم الوضع النهائي صعبٌ أيضاً. فالجهود التي بُذلت على هذا الصعيد في أواخر عام 2014 سرعان ما أثبتت للقادة الفلسطينيين أن أي قرار قابل للتطبيق سيتضمن حتماً حلول وسط بشأن قضايا مثل اللاجئين والترتيبات الأمنية والطابع اليهودي لإسرائيل. ويبدو أن قبول مثل هذه التسويات في أي قرار صادر عن مجلس الأمن سيجعلهم عرضةً لسخط محلي لن يتمكنوا من مواجهته حالياً بسبب موقفهم السياسي الضعيف. كما أن ما يسمى بـ “المبادرة الفرنسية” التي رأى فيها بعض المسؤولين الفلسطينيين بديلاً جيداً عن قرار صادر عن مجلس الأمن، قد انحرفت أيضاً عن مسار تحديد معالم الوضع النهائي – إن كان هذا هدفها أساساً – وأصبحت تركّز الآن على وضع حوافز لتسهيل استئناف المفاوضات.

وبالتالي، ففي المرحلة المقبلة، من المرجح أن يُبقي الفلسطينيون وتيرة أي حملات جديدة للاعتراف بدولتهم بطيئة ومحدودة، ومن المستبعد أن يسعوا إلى بلوغ قرار يتعلق بالوضع النهائي – وفي الواقع، أعرب بعض المسؤولين الفلسطينيين في المجالس الخاصة عن مخاوفهم من أن تَعرِض إدارة أوباما مجموعتها الخاصة من المعايير في مجلس الأمن أو في خطاب رئاسي. لكنهم في الوقت نفسه يستعدون على ما يبدو لالتماس قرار بشأن المستوطنات.

تجدد التركيز على المستوطنات

إن العودة إلى مسألة المستوطنات ليست مفاجئة. فقد رفض المجتمع الدولي بشدة شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ونظراً إلى غياب المفاوضات، تسبّبت القضية بتنامي السخط وكسبت اهتماماً أكبر في الأشهر القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، أقدم الاتحاد الأوروبي العام الماضي على فرض إجراءات جديدة لوضع العلامات التجارية من أجل تمييز المنتجات المصنوعة في المستوطنات عن تلك المصنوعة في إسرائيل، لأن سياسة الاتحاد الأوروبي لا تعترف بالمستوطنات كجزء من إسرائيل. وعلى نحو مماثل، زاد البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية وتيرة الإدانة العلنية لأنشطة المستوطنات بلهجة أكثر قسوةً.

ونظراً لهذا الاهتمام الدولي المتزايد وغياب أي عملية سلام قد تعيقها مبادرات دبلوماسية مثيرة للجدل، يستعد القادة الفلسطينيون للتحرك. وقد استنتجوا على ما يبدو أن المستوطنات هي المسألة الوحيدة التي قد يتمكنون من حث مجلس الأمن على إصدار قرار بشأنها، قد يمنحهم نصراً دبلوماسياً مهماً من دون أن يتطلب ذلك تنازلات من جانبهم. وفي حين أن مثل هذا التدبير قد لا يضيف الكثير إلى القائمة الطويلة من قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشأن الصراع، إلا أنه قد يدعم المواقف السياسية لقيادة “السلطة الفلسطينية” من دون تعريضها لردود فعل ساخطة على الصعيد المحلي أو لانتقاد لاذع في الخارج. ومن وجهة نظرهم، أن صياغة مسودّة قرار تعكس اللغة الدولية، لا سيما الأمريكية، من شأنه أن يمنح هذا التدبير فرصةً واقعية لتجنب “الفيتو” الأمريكي.

لكن الأمر قد لا يكون بهذه السهولة. فبالتزامن مع تصاعد وتيرة الامتعاض الدولي إزاء المستوطنات، تنامى الاستياء أيضاً من بعض الممارسات الفلسطينية. ففي الأول من تموز/يوليو، أصدرت الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة – المعروفة مجتمعةً باسم “اللجنة الرباعية” – تقريراً يصف المستوطنات الإسرائيلية و”أعمال العنف والتحريض” الفلسطينية على أنها عوائق تحول دون إحلال السلام. وأصبحت هذه المقاربة المعيار الجديد المتّبع – فخلال الخطاب الذي ألقاء الرئيس أوباما في الأمم المتحدة في 20 أيلول/سبتمبر، أشار إلى أن الطرفين “يكونان أفضل حالاً إذا رفض الفلسطينيون التحريض واعترفوا بشرعية إسرائيل، لكن إسرائيل تدرك أنه لا يمكنها احتلال الأراضي الفلسطينية واستيطانها بشكل دائم”.

الخيارات الفلسطينية

إن هذا الأمر يضع الدبلوماسيين الفلسطينيين أمام معضلة، فإما السعي للحصول على قرار يعالج مسألة المستوطنات وينتقد بعض التصرفات الفلسطينية، أو الإصرار على تقديم قرار يركّز فقط على المستوطنات، حتى لو كان من المرجّح أن يبوء بالفشل. ويُذكر أن الخيار الأول سيمثّل ابتعاداً عن سلوكهم الأخير. فردّ فعل الفلسطينيين على جهود مجلس الأمن في عام 2014 وتقرير “اللجنة الرباعية” هذا العام يحمل في طياته عدة دلالات. ففي كلتا الحالتيْن، وبالرغم من احتمال تحقيق بعض أهدافهم الدبلوماسية، شعر المسؤولون الفلسطينيون أنهم يفتقرون إلى المكانة السياسية الكافية للصمود في وجه معارضيهم المحليين، علماً بأن هؤلاء كانوا سيركّزون حتماً على أي تسويات يقومون بها. وبدلاً من ذلك، اختاروا مسودّة قرار متطرف في الحالة الأولى ورفضوا بشكل صارخ التوصيات الدولية في الحالة الثانية.

ويترافق الخيار القائم على “المستوطنات فقط” مع مجموعة من التعقيدات، حيث يتعيّن على الفلسطينيين تقديم أي مسودّة قرار من خلال عضو في مجلس الأمن، وعادةً ما يحصل ذلك عبر العضو العربي الوحيد، المتمثّل حالياً بمصر. ورغم أن الدول العربية تميل إلى مراعاة الفلسطينيين في قضايا السلام، إلا أنها تتردد – كأي دولة عضو أخرى – في رعاية قرارات فاشلة خلال فترة عضويتها في المجلس. وبالفعل، أدّى إصرار “السلطة الفلسطينية” على قرار الفاشل في عام 2014 إلى خلق جوّ من التوتر مع الأردن الذي كان عضواً في مجلس الأمن في تلك الفترة.

وهكذا، ففي حين تدعم الدول العربية القرار الفلسطيني بالسعي إلى استصدار مشروع قرار بشأن المستوطنات من حيث المبدأ، إلا أنها لن تسارع لرعايته إذا لم ترَ أي فرصة معقولة لنجاحه. وقد خلُص اجتماعٌ عُقد في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر في مقرّ الجامعة العربية في القاهرة وترأسّه وزير الخارجية المصري إلى إصدار إعلان دعا الدول العربية إلى “بدء المشاورات” وإبلاغ الجامعة العربية “بمواقف الدول الأعضاء في [مجلس الأمن الدولي] حول مشروع القرار ومضمونه”. وعلى نحو لافت للنظر، لم يبدِ المشاركون في الاجتماع أي رغبة في الالتزام بأي شيء أكثر من ذلك. بإمكان الفلسطينيين إرغام مصر على التصرف عبر الإصرار علناً على المضي قدماً حول مشروع قرار، لكن من شأن ذلك أن يفاقم العلاقات المتوترة أساساً بين عباس والدول العربية الرئيسية.

الخاتمة

قد يرى الرئيس عباس في قرار مجلس الأمن بشأن المستوطنات فرصة لتحقيق نصر دبلوماسي هو بأمسّ الحاجة إليه ودعماً لموقفه المحلي الضعيف. لكن ما إن تبدأ عملية إعداد مشروع القرار وحشد الدعم الدولي بشكل جدي، من المرجّح أن يكتشف الرئيس الفلسطيني أنه غير قادر على دفع الثمن السياسي الضروري لاعتماد أي قرار يمكن تمريره. ومن المرجح جداً أن تخفق هذه المبادرة.

وعلاوة على ذلك، لا تزال المفاجآت محتملة. وقد يستنتج عباس أنه ربما يستفيد من لعب ورقة المواجهة وتقديم مسودّة قرار حتى لو كان مصيرها الفشل. وفي المقابل، يشير قراره الأخير بحضور جنازة الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز إلى أنه لا يزال قادراً على اتخاذ مبادرات مصالحة لا تحظى بتأييد سياسي.

وسواء رغب الرئيس أوباما في تجنّب الانخراط مجدداً في عملية السلام خلال الأشهر الأخيرة من ولايته أو طرح مبادرته الخاصة، سيكون من الحكمة أن تراقب إدارته هذه الديناميكية عن كثب. وعلى وجه الخصوص، إذا أرادت واشنطن تجنب ديناميكيات متعددة الأطراف التي قد تخرج سريعاً عن نطاق السيطرة الأمريكية، ستحتاج إلى إشراك الفلسطينيين، وربما الأهم من ذلك حلفائها العرب لكي يتولوا دفة العملية الدبلوماسية قبل وصولها إلى مجلس الأمن. وعلى خلاف ذلك، قد تجد الإدارة نفسها إما متورطة في شجار دبلوماسي غير مرغوب فيه أو متروكة وبحوزتها مبادرة سلام أمريكية استبقتها التحركات الفلسطينية.

 غيث العمري

معهد واشنطن