الصراع على الموصل يستبطن صراعاً على العراق وسوري

الصراع على الموصل يستبطن صراعاً على العراق وسوري

radwan_525902_large

دع خيالك يسرح في لحظة استرخاء. تخيّل أن التصريحات والتهديدات التي يتفّوه بها مسؤولون كبار وصغار في العراق والسعودية وتركيا وغيرها من بلاد العرب والعجم لا تتعلّق بتحرير الموصل بل بتحرير فلسطين.
تخيّل أن الجيوش والطائرات والصواريخ والأساطيل التي تأتمر بأوامر هؤلاء المسؤولين الأفذاذ اخذت تصبّ حممها وصواعقها على»إسرائيل» في ليلة ليلاء حتى إذا انبلج صباح اليوم التالي أصبحت دولة نتنياهو ومستوطنيه أثراً بعد عين.
تزأر في سمائك مقاتلةٌ اسرائيلية فتنتشلك من أحلام اليقظة لتتذكر للتوّ أن ما تتفجر به ألسنة المسؤولين الكبار والصغار، عرباً وأعاجم، لا يتعلّق بتحرير فلسطين بل بما سيكون عليه الوضع بعد تحرير الموصل، نعم بعد تحريرها وكأن ذلك أصبح أمراً مقضياً.
أبرز المتخوّفين على مصير الموصل «العثمانية» بعد تحريرها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. أعلن للملأ أن أنقرة لن تقبل «تشييع مدينة الموصل السنيّة». وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أكد من الرياض مؤخراً «ضرورة عدم تخيير أهالي الموصل بين داعش والميليشيات الشيعية»، لذا لن ينسحب الجيش التركي من بعشيقة العراقية (التي احتلها وأقام فيها معسكراً منذ سنوات) ومن سائر أنحاء الشمال العراقي عموماً حيث له وجود في نحو 10 مناطق.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لم يكن أقل صراحة وحدّة من زميله التركي. حذّر عقب انتهاء اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض مع وزير الخارجية التركي من حصول «كوارث» طائفية في حال مشاركة قوات «الحشد الشيعي» المقرّب من ايران في معارك استعادة مدينة الموصل العراقية ذات الغالبية السنّية من تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش». لكن، أليس «داعش» سنيّاً؟
نعم، إنه كذلك، لكنه طراز من السنّية الدينية أو السياسية لا يطابق المعايير السعودية. ماذا عن المعايير التركية؟
إنها، على ما يبدو، أكثر مرونة من نظيرتها السعودية بدليل أن أنقرة غضّت النظر عن انتقال الآف المقاتلين السلفيين المتطرفين من آسيا الوسطى عبر حدودها الطويلة إلى داخل كلٍ من العراق وسوريا. سؤال آخر يُطرح: ماذا عن شيعية الحشد الشعبي؟
صحيح أن الحشد الشعبي ائتلافٌ يضّم في غالبيته تنظيمات شيعية وقليلاً من التنظيمات العراقية السنيّة، إلاّ أن ما يثير أنقرة والرياض ليس شيعيته بل قربه سياسياً من ايران.
يتحصّل من فهم هذه الواقعة أن الدافع الرئيس للصراع على الموصل ليس مذهبياً بقدر ما هو سياسي بالدرجة الاولى، ذلك أن انقرة، كما الرياض، تخشى أن يؤدي تحرير الموصل بمشاركة قوات «الحشد الشعبي» إلى إحداث اختلال في موازين القوى داخل العراق يخدم حلفاء ايران. اكثر من ذلك، تخشى واشنطن، قبل أنقرة والرياض، أن يؤدي تحرير الموصل بمشاركة واسعة من «الحشد الشعبي» إلى احداث تطورين بالغي الدلالة :
اختلال في موازين القوى داخل العراق يكون على حساب مصالح أمريكا وحلفائها.
– تعطيل مخطط أمريكا الرامي إلى دفع مقاتلي «داعش»، بعد تحرير الموصل، باتجاه محافظتيّ الرقة ودير الزور السوريتين بغية تكثيف وجودهم فيهما، ما يجعلهما عصيتين على الجيش السوري الساعي إلى تحريرهما. اهلُ القرار وحلفاؤهم في دمشق يجزمون بأن هناك مخططاً أمريكياً يرمي إلى تحويل محافظتيّ الرقة ودير الزور الممتدتين من حدود تركيا في الشمال إلى حدود الاردن في الجنوب دويلة – اسفين تفصل سوريا عن العراق وبالتالي عن ايران.
هكذا يتضح أن الصراع على الموصل يستبطن في الواقع صراعاً محموماً بين ثلاثة محـاور: المحور التركي – السعودي، والمحور الأمريكي- الإسرائيلي والمحور السوري – الإيراني.
المحور الأمريكي يضم بطبيعة الحال «اسرائيل». قد ينشأ احياناً تباين تكتيكي بين واشنطن وتل أبيب، لكن التفاهم الإستراتيجي بينهما قائم وصلب، وغايته في نهاية المطاف إضعاف سوريا والعراق تمهيداً لتفكيكهما إلى جمهوريات موز هزيلة تقوم على أساس مذهبي أو إثني أو قَبَلي.
المحور السوري– الإيراني يضم بطبيعة الحال تنظيمات المقاومة العربية الشعبية المناهضة لـِ»اسرائيل» وللتنظيمات الإسلاموية الإرهابية. وهو يحظى بدعم روسيا السياسي والعسكري في بعض القضايا والمواضيع التي تلتقي عليها أطراف المحور وموسكو.
المحور التركي – السعودي يحظى بدعمٍ من أمريكا سافر، ولاسيما في صراع السعودية مع ايران على مستوى عالم الإسلام، كما يحظى بدعم من امريكا وازن عند حدوث تعارضِ مصالح وبالتالي صراع بين تركيا الاطلسية وروسيا.
في مجمل الصراع الراهن، بمختلف أطرافه وساحاته، تبدو الولايات المتحدة محرجة وحائرة. السبب؟ اقتراب ولاية باراك اوباما من نهايتها وبالتالي نشوء فترة انتقالية يُفضّل خلالها الرئيس الامريكي عدم الإقدام على اتخاذ قرارات من شأنها إحراج مرشحة حزبه الديمقراطي هيلاري كلينتون أو إضعاف حظوظها الانتخابية. ذلك يؤدي إلى اعتماد واشنطن سياسة احتواء الصراعات الناشطة في المنطقة ومحاولة تجميد وتائرها بضعة أشهر بانتظار تسلّم الرئيسة أو الرئيس الأمريكي المنتخب سلطاته وتعيين مساعديه وإقرار سياساته في مختلف الميادين.
في المقابل، يسعى المحوران التركي– السعودي والسوري– الإيراني إلى انتهاز فترة تقلّص حيوية أهل القرار في واشنطن من أجل تحقيق مكاسب وازنة أو محدودة قد يصعب إنجازها بعد اضطلاع الرئيس الجديد أو الرئيسة الامريكية الجديدة، بسلطاته كاملة.
الصراع، اذن، متفاوت الوتيرة والحرارة، لكنه مستمر ومرشح للتصعيد.

د.عصام نعمان

صحيفة القدس العربي