دابق.. البعد الديني وإستراتيجية المكان

دابق.. البعد الديني وإستراتيجية المكان

501

دابق قرية سورية تقع شمال حلب، اشتهرت بموقعها الإستراتيجي الذي جعلها ممرا رئيسيا لحضارات بارزة، حرص تنظيم الدولة الإسلامية على السيطرة عليها لاستغلالها في الدعاية بحجة أنها وردت في حديث نبوي شريف كأرض ستشهد معركة حاسمة قبل قيام الساعة، غير أن الجيش الحر سرعان ما سيطر عليها في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بدعم من “درع الفرات”.

الموقع
تقع قرية دابق شمال محافظة حلب بمنطقة أعزاز، وتبعد عن حلب المدينة بنحو 35 كيلومترا، وهي قريبة من الحدود التركية، وتبعد عنها بحوالي 45 كيلومترا.

وتضم منطقة أعزاز نواحي بينها صوران ومارع وأخترين ونبل، وتتبع دابق -إلى جانب قرى أخرى- دائرة أخترين.

المناخ
يتميز مناخ دابق بكونه دافئا ومعتدلا، كما تتميز أيضا بفصل شتاء مطير، بينما تعد حرارة الصيف معتدلة لوجود القرية وسط منطقة زراعية خصبة تساعد على تلطيف الأجواء.

الأهمية الإستراتيجية
مكن الموقع الإستراتيجي التي تحتله دابق كونها توجد قرب الحدود التركية ووسط منطقة خصبة من أن تكون ممرا مفضلا للحضارات الكبرى التي توالت على حكم المنطقة، وموضعا شهد أحداثا تاريخية فاصلة.

وتحتل قرية دابق مكانة متميزة في قلوب المسلمين لأنها وردت في حديث صحيح لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام مسلم ونصه “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لا وَاللَّهِ لا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاؤوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ”.

وبفضل هذا الحديث تحمل دابق رمزية كبيرة لدى المسلمين، وقد حاول تنظيم الدولة الإسلامية استغلال رمزية القرية لتسويق برنامجه الفكري والسياسي، واتخاذها وسيلة للاستقطاب بناء على أنه يجب مساعدة قائد المسلمين في “معركة دابق الكبرى”، فسارع إلى السيطرة عليها في وقت مبكر، وصدر بها أهم وسائل إعلامه “مجلة دابق“.

غير أن فصائل الجيش السوري الحر أعلنت يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016 تحرير ناحية قرية “دابق” و”صوران” في إطار عملية “درع الفرات” التي تشارك فيها قوات تركية.

وعند تحرير المدينة، قال قادة ميدانيون في الجيش الحر إنهم فككوا القنابل التي خلفها التنظيم.

ودعما لقوات “الجيش السوري الحر”، أطلقت وحدات من القوات الخاصة في الجيش التركي، بالتنسيق مع القوات الجوية للتحالف الدولي فجر 24 أغسطس/آب 2016، حملة عسكرية في مدينة جرابلس (شمال سوريا)، تحت اسم “درع الفرات”، تهدف إلى تطهير المدينة والمنطقة الحدودية من مجموعات مسلحة، خاصة تنظيم الدولة.

وقد أرسل تنظيم الدولة إلى جبهة دابق أكثر من 1200 من أفراده، بعضهم سحبهم التنظيم من جبهات حمص وجبهات ضد قوات سوريا الديمقراطية، وذلك في سعي حثيث من التنظيم للحفاظ على القرية ذات الرمزية الأساسية له.

غير أن تنظيم الدولة قبيل تحرير القرية بيومين قلل من أهميتها، وقال إن خصومه لا يعرفون أن جنود “الدولة” يميزون جيدا بين معركة دابق الصغرى (ويقصد بها التنظيم المعارك التي جعلته يخسر دابق)، وملحمة دابق الكبرى التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونقلت مجلة تابعة للتنظيم على موقعها بالإنترنت تصريحات لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي جاء فيها “ليست هذه معركة دابق الكبرى التي ننتظرها”، في إشارة إلى الحديث الذي ذكر معركة ستقع في آخر الزمان على أرضها.

وهو ما اعتبره متابعون “تحضيرا معنويا” من التنظيم للموالين له لتقبل الخروج من دابق التي شكلت ركنا مهما في استقطاب المقاتلين للقتال إلى جانب التنظيم، وهو الخروج الذي تم في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

وتحظى قرية دابق أيضا بأهمية لأنها تحتضن جثمان الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك الذي كان قد نزل بالقرية وكلف أخاه بفتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول)، غير أنه ما لبث أن توفي ودفن هناك. كما تضم قبر التابعي الجليل عبد الله بن مسافع.

وبدابق جرت معركة فاصلة بين المماليك بقيادة قانصوه الغوري والعثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول عام 1516، آل النصر فيها للعثمانيين الذين دخلوا بعدها منطقة الشام ثم مصر بينما انقضى سلطان المماليك.

الجزيرة