إننا نشاهد تدمير حلب.. فأين الغضب؟

إننا نشاهد تدمير حلب.. فأين الغضب؟

8424a8b36a

أين هي المظاهرات في العواصم الغربية لشجب الهجوم الوحشي على حلب؟ هناك نحو 300.000 شخص يتعرضون للقصف الشامل، بما في ذلك بالذخائر الخارقة للملاجئ والقذائف المتفتتة. هل أن الطقس سيئ جداً إلى حد أن أحداً لا يريد الوقوف في ساحة، أو أمام سفارة روسية؟ أم أن أحداً لا يهتم؟ ألا يفكر أحد بأن الاحتجاج ربما يُحدث فرقاً؟
ولنأخذ لندن. كانت هناك العديد من التظاهرات المرتبطة بالشؤون الخارجية في الأشهر الأخيرة -وإنما لم تكن هناك تظاهرة واحدة تستحق الملاحظة حول حصار وتدمير حلب. وقد تجمع حشد مبتهج أمام السفارة الفرنسية للسخرية من حظر فرنسا الصيفي للبوركيني على شاطئ الريفيرا. وفي تموز (يوليو)، شارك الآلاف في “مسيرة من أجل أوروبا” (قالت إحدى اليافطات: فروماج، وليس “فاراج”). وفي الشهر الماضي، تجمعت الحشود لدعم اللاجئين. وكل هذه قضايا مهمة وجديرة بالاهتمام. ولكن، ماذا عن الصراع السوري؟ لا شيء تقريباً. لا شيء يمكن أن يقارن بهذه الحشود مطلقاً.
وينطبق الأمر نفسه على باريس، وبرلين، ومدريد، وروما. وحتى نكون منصفين، تظاهر بعض الناس فعلاً في بروكسل يوم الثلاثاء، وحملوا لافتات تحمل عبارة “أنقذوا حلب”: تجمع نحو مائة متظاهر أو نحو ذلك في ساحة شومَن. لكن احتجاجات الشوارع التي تشجب محنة حلب تظل مقتصرة على مجموعات صغيرة -غالباً من السوريين المنفيين ونشطاء حقوق الإنسان. ليس هناك شيء من التحشيد الشعبي الذي أثارته الحروب الأخرى، مثل حرب العراق في العام 2003، وأزمة غزة. كما أن الفنانين، والقادة النقابيين، والمثقفين والساسة الذين كانوا يقومون في السابق بتنظيم الحركات المناهضة للحرب، لم يعرضوا أي تصميم على إخراج الحشود للمطالبة بوضع نهاية للمذبحة المستمرة في سورية.
ربما يكون الأمر أننا أصبحنا مخدرين أمام هذا الفيض المستمر من الأخبار المروعة، بما فيها الأخبار عن أكثر من مائة طفل قتلتهم الغارات الجوية على حلب في الأسبوع الماضي. وربما يكون الأمر أن سورية تبدو مسألة بالغة التعقيد. ولكن، ما هو المعقد في القول إن المدنيين يجب أن يتمتعوا بالحماية؟ ما هو المعقد في شجب أولئك الذين يقومون الآن بإسقاط كميات لا حصر لها من الذخائر على الأحياء والمستشفيات؟
نعم، صحيح أن الحكومات الغربية تنتقد روسيا وبشار الأسد. وصحيح أيضاً أن الأمم المتحدة، والدبلوماسيين قارنوا حلب بغرنيكا وسربرنيتشا. ولكن، هل تعني التصريحات الرسمية أن أي عرض للغضب الشعبي هو أمر فائض على الحاجة؟ ألا تستحق القيم الإنسانية الأساسية الوقوف من أجلها في وجه الفظاعات –حتى لو كان ذلك لإظهار التضامن فحسب؟
أم أننا نتخبط في محيط من سياسات “ما بعد الحقيقة”؛ حيث جعلتنا دعاية روسيا والحكومة السورية نشك بأنهما ينتهكان القانون الدولي؟ هل شرعنا في تصديق أن القصف الشامل يمكن أن يُفهم على أنه نشاط مناهض للإرهاب؟ هل بدأنا نفكر بأنه سيكون من الأفضل لحلب أن يتم الاستيلاء عليها بسرعة؟ هناك اقتباس مفيد من تاسيتوس عندما يسود هذا النوع من المنطق: “عندما لا يبقى في أعقابهم شيء سوى صحراء، فإنهم يسمون ذلك سلاماً”.
لفهم ما يحدث في حلب، من الجدير القراءة عن غروزني في شتاء 1999-2000. هذه هي العملية التي تغزل القوات الروسية على منوالها بينما تقوم بشن هجومها الجوي على شرق حلب. ومثل الصحفيين الآخرين الذين غطوا تلك الحرب في القوقاز، فإنني أرى تشابهات واضحة.
كانت استراتيجية موسكو لطرد نحو 7.000 من الثوار الشيشان من غروزني، التي كانت ذات مرة مدينة يسكنها 250.000 شخص، هي قصف المكان كله وإرساله إلى غياهب النسيان. وما تزال فيديوهات وصور غروزني في العام 2000 متوفرة على الإنترنت -فألقوا نظرة. إنها حرب تدمير شامل لا تشبه أي تدخل غربي.
كان القصف الشامل لغروزني يهدف إلى إفراغ المدينة من سكانها، إما بقتلهم أو جعلهم لاجئين. وقد وعد الجيش الروسي بتوفير “ممرات آمنة” عند إحدى المراحل، لكن تلك الوعود كانت مجرد كلام، إذا لم تكن فخاخاً: فقد تم استهداف العائلات التي حاولت الهرب أيضاً. وقد اقترح نظام الأسد إنشاء ممرات مشابهة في حلب، مضيفاً بطريقة منذرة أن أي شخص يبقى في المدينة ولا يستسلم “سيواجه مصيره المحتوم”.
تريد روسيا والأسد الاستيلاء على حلب باستخدام أساليب تشبه تلك التي استخدمت في غروزني. وقد قيل في الغرب في كثير من الأحيان إنه ليس هنك حل عسكري في سورية. لكن “الحل” العسكري يشبه كثيراً ما تهدف إليه موسكو والنظام في دمشق الآن -بذبح المدنيين، وخلق فراغ سيعمدان إلى تسميته عندئذٍ بأنه “تهدئة”.
لا أقول إن المظاهرات في لندن وباريس ستوقف الطغاة. لكن تنظيم التظاهرات ربما يجعلنا نشعر بعار أقل عندما ننظر خلفنا إلى هذه الأحداث في المستقبل؟ وراء في العام 2000، تظاهرت المجموعات فعلاً في لندن لشجب “المذبحة التي يرتكبها الروس في الشيشان”. وكان جيريمي كورباين من بينهم. هل يمكن أن يكون هو وآخرون بصدد عمل الشيء نفسه من أجل المدنيين السوريين؟ لماذا لا يفعلون؟

نتالي نوغايريد

صحيفة الغد