لماذا مؤتمر لوزان بعد جنيف؟

لماذا مؤتمر لوزان بعد جنيف؟

441

أعلنت وزارة الخارجية الروسية قبل أيام أنّ “اجتماعاً سيعقد في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي بمدينة لوزان السويسرية، بمشاركة كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وقطر والسعودية وإيران وروسيا، للتباحث في آخر التطورات المتعلقة بالأزمة السورية”، والحديث عن إيجاد حل سياسي في سوريا ليس جديداً، ومؤتمر لوزان ليس المؤتمر الأول عن الأزمة في سوريا أيضاً، فما الذي سيقدمه مؤتمر لوزان، علماً بأن الفكرة الأساسية للمؤتمر كانت لاجتماع خمس دول فقط، هي أمريكا وروسيا وتركيا والسعودية وقطر بحسب تلميحات كيري بهذا الخصوص، ولكن الخارجية الروسية قامت بدعوة إيران والعراق، وقام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بدعوة وزير الخارجية المصري سامح شكري، كما قال شكري بنفسه: إنه تلقى دعوة لوزان من كيري، ولا شك أن في ذلك مغزى ما عند شكري.

ما يفسر الحاجة إلى عقد هذا الاجتماع أنه على مستوى وزراء الخارجية أولاً، وأن الروس هم أكثر الداعين لهذا المؤتمر في لوزان ثانياً، وقد شدد وزير الخارجية الروسي في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية على ضرورة مشاركة وزراء خارجية تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر في هذا الاجتماع ثالثاً، على أساس أنّ هذه الدول تلعب دوراً هاماً في القضية السورية وتعد من الدول الفاعلة في المنطقة، كما أن الخارجية الروسية هي التي أعلنت عن موعد الاجتماع في لوزان يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول رابعاً، أي أن الحكومة الروسية هي التي تسعى لعقد هذا المؤتمر في لوزان، فما الذي تريده روسيا من مؤتمر لوزان؟

لا بد من النظر لما آلت إليه الأمور بعد أن تعثرت اجتماعات وزير الخارجية الروسي لافروف مع وزير الخارجية الأمريكي لحل سياسي في سوريا، فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً وزراة الدفاع الأمريكية البنتاغون تنفيذ اتفاق كيري مع لابروف حول وقف إطلاق النار المبرم بينهما بتاريخ 10/9/2016، وبالأخص البند السري الذي تلتزم فيه أمريكا توجيه ضربات عسكرية لمواقع قوات “فتح الشام”، أو تقديم معلومات لوجستية تمكن الجيش الروسي وطائراته الحربية بقصف مواقع فتح الشام، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون رفضت هذا الاتفاق بين وزير الخارجية الأمريكي كيري ولافروف بهذا الصدد، لأن سياسة وزارة الدفاع الأمريكية أن لا تكون أداة بيد الجيش والسياسة الروسية.

وبالرغم من محاولة روسيا التهديد بكشف البنود السرية للاتفاق السري بينهما؛ وذلك لابتزاز أمريكا، إلا أن الإدارة الأمريكية أخذت بالتلويح بتوجه آخر، وهو قيام أمريكا بتوجيه ضربات جوية لمواقع تخص جيش الأسد، وهو ما رفضته القيادة الروسية فوراً، واعتبرته ضرباً للجيش الروسي في سوريا وعدواناً عليه، وقال بيان قيادة الأركان الروسية أن صواريخها الدفاعية لن تستطيع تميز هوية الصواريخ المهاجمة وسوف تقوم بالرد عليها فوراً، وفي ذلك تهديد مبطن للجيش الأمريكي بأن روسيا سوف ترد على الصواريخ الأمريكية مباشرة.

هذا التوتر العسكري بين روسيا وأمريكا في سوريا هو هدف أمريكي كما بينا ذلك في مقالات سابقة؛ لأن أمريكا تريد الانتقال إلى مرحلة جديدة في التعامل مع التواجد الروسي في سوريا، وهو استهداف الجيش الروسي في سوريا ولكن بعد صناعة مبررات ذلك الاختلاف، بعد أن أصبح بوتين وجيشه في سوريا في وضع لا يسمح لهما بالانسحاب إلا برفع الراية البيضاء، وهو ما يصعب على بوتين فعله، بالرغم من خروج تحليلات عسكرية في موسكو تؤكد أن انتصار جيش الأسد في سوريا متعذر، وبينت هذه التقارير العسكرية الروسية أن جيش الأسد يفتقد لقدراته العسكرية، فقد أنهكته المعارك طوال خمس سنوات ونصف، والأهم من ذلك أن الأسد لا ولن يستطيع السيطرة مرة أخرى على جميع الأراضي السورية مهما قدمت له روسيا من المساعدات، وبالتالي فإن هذه التقارير العسكرية الروسية تدعو بوتين للانسحاب من سوريا قبل نهاية 2016، وأمريكا عليها الاستعجال بتوريط الجيش الروسي بحرب تحرير مع الشعب والمقاتلين السوريين، لكسر هيبة بوتين قبل انسحابه، على فرض قبول بوتين الأخذ بهذه التوصيات العسكرية من الجنرالات الروس، وإذا لم يأخذ بوتين بهذه التوصيات فإن أمريكا ستكون مسروة أكثر؛ لأنها ستكون نجحت بخطتها لتوجيه ضربة قاسية للجيش الروسي في سوريا لا تقل قساوة على ضربة أفغانستان (1979-1988).

في خضم هذا الخوف العسكري الروسي لا بد أن توجد روسيا حيلة ترجع من خلالها إلى التفاهمات السياسية مع أمريكا، بالأخص مع وزير الخارجية الأمريكية، فروسيا تريد التواصل السياسي مع أمريكا، وحيث إن روسيا أنهت الاتصالات السابقة مع أمريكا بغضب روسي كبير من أمريكا، فكان لا بد من إيجاد حيلة سياسية لحفظ ماء وجه روسيا بالعودة إلى لقاء وزير الخارجية الأمريكي كيري، وهكذا احتالت روسيا لمؤتمر لوزان حيث أن مؤتمرات جنيف انتهت إلى طريق مسدود منذ أشهر، وقامت روسيا بدعوة تركيا والسعودية وقطر إلى مؤتمر لوزان مجاملة لها، وتغطية على أنها تراجعت عن غضبها للقاء وزير الخارجية الأمريكي كيري، فالهدف هو تجديد اللقاء مع وزير الخارجية الأمريكي كيري فقط، أي تجديد اللقاءات الروسية الأمريكية لبحث أخطار المرحلة القادمة، وفي مقدمتها احتمال وقوع اشتباكات بين الجيش الأمريكي والروسي في سوريا، وهو الأمر الذي أخذت أمريكا تلوح به منذ أسابيع، وعقد الرئيس الأمريكي أوباما اجتماعاً خاصاً لأجله مع مجلس الأمن القومي الأمريكي يوم الجمعة 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وانتهى الاجتماع بمطالبة أوباما مجلس الأمن القومي الأمريكي عقد اجتماعاته لبحث أمرين وهما:

1 ـ إمكانية توجيه الجيش الأمريكي توجيه ضربات مباشرة لمراكز تواجد جيش الأسد.

2 ـ دراسة احتمالية أن ترفع أمريكا الفيتو عن بعض الدول الصديقة تزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية باستثناء الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف.

النقطة الأولى ليست هدفا أمريكا خالصاً، وإنما هي لتبرير الخطوة الثانية، وهي أن أمريكا تريد تزويد الثورة السورية بالأسلحة النوعية التي تضرب الجيش الروسي وليس جيش الأسد فقط، ولذا قد تقوم في الخطوة الأولى بضربة خاطفة لقوات الأسد للتغطية على الخطوة الأساسية الثانية؛ وذلك لتدشين المرحلة الثانية في الصراع مع روسيا في سوريا باسم الثورة السورية، والذريعة الدولية موجودة بقوة، فالجرائم التي ارتكبتها روسيا وجيش الأسد في حلب وغيرها لا تخفى على أحد، أي أن روسيا قدمت بجنونها لأمريكا دليلاً على جرائمها النكراء، التي دعا وزير الخارجية البريطانية مطالبة الأمم المتحدة التحقيق فيها بكونها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتقديم بوتين والأسد للمحاكمة أمام محاكم جرائم الحرب والإبادة البشرية، وقد جاء القرار الروسي لمجلس الأمن بوقف فوري للقتال في حلب وتقديم مساعدات إنسانية في هذا السياق، حتى لو أن اتخذت روسيا حق النقض الفيتو ضده، فالمطلوب الآن تجريم روسيا في جرائم حرب في سوريا، وبالتالي تبرير تقديم دعم عسكري نوعي لمواجهة جرائم الأسد وجيشه، والمقصود بالتأكيد معه الجيش الروسي، ولذلك تحاول روسيا من مؤتمر لوزان العودة لاسترضاء أمريكا والخضوع لمطالبها في سوريا وفي العالم، فروسيا لا تصبر على غضب أمريكا، وقد استسلمت أمامها قبل عقود قليلة أيام الاتحاد السوفيتي وهما في حرب باردة فقط، فكيف في الحرب الفعلية، فروسيا تعرف إمكانياتها العسكرية القاصرة أمام حلف الناتو وأمريكا، ولذا فهي تخاف الدخول في حرب حقيقية في سوريا، حتى لو أرسلت سفنها الحربية إلى بحر المتوسط.

لذا ليس من المتوقع أن يقدم مؤتمر لوزان شيئاً خاصاً على صعيد القضية السورية كما قال وزير الخارجية الروسي، لافروف، نفسه قبل المؤتمر، فالغاية من المؤتمر ليس دراسة مقترحات تقدمها المعارضة الروسية ولا الائتلاف ولا تركيا ولا الدول العربية، والخطورة في ذلك أن روسيا لا تعول كثيراً على مواقف تركيا ولا الدول العربية في اتفاقها معها لإنهاء الأزمة السورية، فروسيا تريد اتفاقاً مع أمريكا في سوريا، ولا تضمن اتفاقاً مع تركيا والدول العربية يبعد أمريكا عن الحل السوري، إما لعدم ثقة روسيا بتركيا والدول العربية وبالأخص السعودية وقطر، أو لأن شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تقوى على مواجهة أمريكا حقيقة، فهي تستعرض قوتها السياسية والعسكرية خارج الأراضي الروسية، ولكنها تخاف مواجهة أمريكا خارج روسيا، بما فيها في سوريا.

د.محمد زاهد جول

الخليج أونلاين