أيضاً إيران وتركيا

أيضاً إيران وتركيا

msr-btjh-trky-m-yrn

تركيا وإيران من الدول التي حاولت أن تصبح “دولاً عظمى”، واشتغلتا على الهيمنة على “الشرق الأوسط”، فقد ارتبط نجاح حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى الحكم بـ “نفور” الأتراك من أوروبا التي ظلت عقوداً رافضة قبولهم في عائلتها، حيث ظهر الارتباط بين الميل نحو الشرق والميل “الإسلامي”، خصوصاً أن التيار الإسلامي كان يركّز على “العودة الى الشرق”، وعبّر عن برجوازية “المدن الصغيرة” والأرياف.
لهذا، اعتمدت سياسة الحزب على “صفر مشاكل” وترتيب الوضع الداخلي اقتصادياً (وهو ما نجح الحزب فيه)، والتحوّل إلى “دولة عظمى”. وكان في ذلك يميل إلى “الابتعاد” عن أميركا، وهو ما ظهر في الحرب ضد العراق واحتلاله سنة 2003، ورفض مساوقتها في حصار النظام السوري سنة 2005. وإذا كانت خلال ذلك تعبّر عن “برجوازية هامشية” مرفوضة من الجيش الذي يمثل “البرجوازية الحقيقية” بنت نظام أتاتورك، فقد دفعت الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 إلى أن تنخرط هذه “البرجوازية الحقيقية” في المشروع الأردوغاني (وهو ما سمح بالسيطرة شيئاً فشيئاً على الجيش)، الذي فتح لها سوقاً واسعاً هو “الشرق الأوسط”، أي سورية والسعودية ودول الخليج والعراق ومصر وليبيا، إضافة الى أسواق في آسيا الوسطى، من دون أن يقطع مع السوق الأوروبي، ومن ثم فتح السوق الروسية التي باتت هي الأكبر.
حققت تركيا نقلة مهمة خلال سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، وسعى الحكم خلالها إلى أن يجعل تركيا قوة موازيةً لأوروبا وأميركا. وإذا كانت الثورات العربية قد ساعدتها على “كسب” مصر، فقد خسرت ليبيا، ومن ثم حققت خسارتها الأكبر، حين اندلعت الثورة السورية، والمسار الذي سار الصراع فيه، والذي حرمها من “طريق سلعها” الى الخليج، وخسارتها سورية ذاتها، الأمر الذي أدى إلى صعوباتٍ اقتصادية كبيرة كانت تدفع الحكم إلى التشنج، وصولاً إلى الصدام مع روسيا، نتيجة الصراع على سورية، ومن ثم إعادة العلاقات بينهما. ويظهر واضحاً الآن أن أميركا تكبح الميل التركي إلى فرض سيطرة على “الشرق الأوسط”، و تراجع الاهتمام الأوروبي بوضع تركيا، ولم يعد أمامها سوى التحالف مع روسيا، الأمر الذي يعترضه تناقضٌ في المصالح في سورية خصوصاً، وتنافس في آسيا الوسطى. وتركيا تغرق في أزمة اقتصادية، لن تسمح لها بالتمدّد كما كان طموح أردوغان.
عملت إيران أيضاً على السيطرة على “الشرق الأوسط”، وكانت قد عزّزت علاقاتها مع النظام السوري، وأسّست حزب الله كأداة “إعلامية” تبرّر دوره في المنطقة، تحت عنوان “الصراع مع إسرائيل”. وكان الاحتلال الأميركي للعراق فرصةً لمدّ سيطرتها على العراق، من خلال وضع أميركا أزلامها في السلطة تحت عنوان: حكم الأغلبية. لكنها هيمنت بشكل كامل بعد الانسحاب الأميركي، حيث “وضعت يدها” على النظام. وقد تمدّدت تحت عنوان طائفي، هو “الشيعة”، وبدت أنها تتغلغل دفاعاً عن “الشيعة”، أو كتحسين لمواقعهم، بينما كانت تريد الهيمنة، لكي تصبح “دولة عظمى” تسيطر على كل الشرق العربي، وهو الأمر الذي أوصلها، بعد لبنان وسورية والعراق، إلى اليمن.
لكن، كان البرنامج النووي الأساس في انطلاق إيران “دولةً عظمى”، حيث طوّرت من قدراتها النووية بشكل لافت، وحقّقت إنجازاتٍ كبيرة، لم تتراجع عنها إلا نتيجة الحصار الاقتصادي الأميركي، خصوصاً على النفط، ما منعها من القدرة على بيعه، أو الحصول على مردوده، بسبب أنه يباع بالدولار حصراً. ولم تفلح كل محاولات الالتفاف على العقوبات حين وصل الأمر إلى النفط. بهذا، وافقت على وقف برنامجها النووي، وسلمت اليورانيوم المخصّب لروسيا، وهو الأمر الذي فرض أن تخضع لعملية “ضغط” لكي تتراجع سيطرتها في العراق وسورية، حيث أنها تخضع لضغط أميركي، لكي تقبل بدور محدود في الخليج، لضمان استقراره، مع إنهاء دورها الخارجي الذي كانت تطمح إليه. وهي بهذا ربما تسير إلى التفاهم مع أميركا. وفي سورية، لن يكون من دور لها، لأن سورية “محمية” روسية.

سلامة كيلة

صحيفة العربي الجديد