“الملفات الخفية”.. قصة تسليم الموصل لـ”داعش” وكيفية تحريرها

“الملفات الخفية”.. قصة تسليم الموصل لـ”داعش” وكيفية تحريرها

version4_140797480807175166600

في 10 يونيو 2014، هرب الجيش العراقي وجميع القوات الأمنية والقيادات والمسؤولين من الموصل، وتركوا خلفهم عدتهم وعتادهم، وأسلحتهم الخفيفة والثقيلة، ليغتنمها “تنظيم الدولة”، الذي سيطر على المدينة في ساعات محدودة دون أي مقاومة، ووجد “الدواعش” أنفسهم يسيطرون على مبنى المحافظة، والمطارين المدني والعسكري، ووحدات الجيش ومراكز الشرطة، ويضعون أيديهم على ملايين الأموال التي في البنوك والمصارف، وصدرت الأوامر من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بإخلاء محافظة صلاح الدين المباني الحكومية وتعطيل الدوام الرسمي.

 سحب الطائرات

أعلنت وزارة الدفاع العراقية، سحب الطائرات والمعدات العسكرية إلى مطار كركوك، وأطلق “داعش” سراح نزلاء “سجن بادوش”، الواقع في أطراف الموصل، والبالغ عددهم نحو 3 آلاف نزيل، والتحق معظمهم بالتنظيم الذي ازداد قوة وفرض هيمنته على أرجاء المدينة، ونزح الآلاف من أهالي الموصل بحثا عن مأوى لهم، وتتابعت فصول “الملهاة السياسية”، فعقد البرلمان العراقي جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع الأمنية، وتسلم طلبا من الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.

وعقد نوري الملكي جلسة طارئة لحكومته، وُأعلن إعادة هيكلة القطعات العسكرية التي انسحبت من الموصل، وطلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن مساعدة العراق في هذه المرحلة، ووجّه المالكي آمري القطعات العسكرية باعتقال كل من يتخلى عن موقعه وإحالته على المحاكم العسكرية الميدانية”.

انتكاسة بكل المقاييس

قال رئيس البرلمان في ذلك الوقت، أسامة النجيفي، في مؤتمر صحفي، إن ما حدث يعد “انتكاسة بكل المقاييس”، وكشف النجيفي عن أنه طلب من الإدارة الأمريكية،أن تتدخل في ما يحصل في مدينة الموصل ضمن الاتفاقية الاستراتيجية، وتدخلت المرجعية الدينية العليا، في العراق، وطالبت بـ”ضرورة توحيد الكلمة وتعزيز الجهود للوقوف بوجه الإرهابيين”، داعيةً القوات المسلحة إلى الصبر والثبات، وذكر بيان للمرجع السيد علي السيستاني أن المرجعية تؤكد دعمها وإسنادها لأبنائها في القوات المسلحة.

المتهمون الثلاثون

وتستمر “فصول الملهاة” السياسية العراقية، والموصل يسرح ويرتع فيها “الدواعش”، وبعد عام وشهرين من سقوطها، وتحديدا في 16‏/08‏/2015، صدر تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، بخصوص تسليم الموصل لداعش، وحمّل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي و30 شخصية سياسية وعسكرية مسؤولية سقوط مدينة الموصل، في أيدي مسلحي “تنظيم الدولة”.

المحاكمات العسكرية الوهمية؟

وأكد رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، أن التقرير الصادر عن لجنة التحقيق قدم إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنه، ووافق رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي،على قرار مجلس تحقيق بإحالة قادة في الجيش إلى المحاكمة العسكرية لانسحابهم من مدينة الرمادي خلال معارك مع “تنظيم الدولة” في مايو / آيار الماضي.

هؤلاء سلموا الموصل؟

ومن أبرز الأسماء التي تضمنتها القائمة بأسماء المتسببين في تقرير اللجنة، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ووزير الدفاع السابق وكالة سعدون الدليمي، ورئيس أركان الجيش السابق بأبكر زيباري، ومدير الاستخبارات العسكرية السابق حاتم المكصوصي ومحافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، وقائمة الأسماء التي وردت في التقرير، معلنة ومحددة وتمت إحالتهم إلى القضاء، ولكن ماذا تم بشأنهم؟، وماذا حدث بعد مرور أكثر من 14 شهرا من إعلانها؟.

الطائفية تحكم وتتحكم

لا أحد يعرف شيئا في بلد، صارت الطائفية هي التي تحكم وتتحكم، فكل شيء يخضع للطائفية من تعيينات وتوظيف ومنح ومعونات ومساعدات وترقيات، تغلق ملفات لأسباب طائفية، وتفتح أخرى لنفس الأسباب، وتضع دول إقليمية وعالمية أنوفها في كل صغيرة وكبيرة في العراق، ولا يعرف كيف تدار الأجهزة الأمنية، ووضعت الميليشيات -الحشد الشعبي الشيعية-، التي ارتكبت الجرائم البشعة، تحت مظلة “وزارة الدفاع”، وعين المسؤول البارز في الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني”، مستشارا عسكريا لرئيس الوزراء حيدر العبادي.

إعلان العبادي

أعلن العبادي نفسه الذي قرر إحالة المسؤولين عن سقوط الموصل للنيابة، ولم يحدث لهم شيئا حتى الآن، بدء العلمليات العسكرية لتحرير الموصل من “داعش”، وقال في كلمة متلفزة بثتها قناة العراقية شبه الرسمية وسط قادة عسكريين “لقد أزفت الساعة لطرد الظلاميين”، داعيا أهل الموصل للتعاون مع القوات المسلحة.

أربعة محاور

كانت القوات العراقية، أكملت استعداداتها قبل بدء العمليات بثلاثة أيام لتخوض المعركة الكبرى من 4 محاور باتجاه مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة منذ العام 2014، وكان زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، أعلن قيام “دولة الخلافة” في الموصل في العام 2014.

من يدخل الموصل؟

وتشارك في العملية العسكرية قوات النخبة من جهاز مكافحة الإرهاب والجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية وقوات البيشمركة الكردية بإسناد جوي من قوات التحالف الدولي، كما يشارك في العمليات متطوعو الحشد العشائري والحشد الشعبي، ولكن العبادي أكد أن قوات الجيش والشرطة فقط هي التي ستدخل الموصل، إذ قال في كلمته “إن القوة التي تقود عمليات التحرير تتكون من الجيش العراقي الباسل والشرطة الوطنية، وهذه القوات هي التي ستدخل الموصل وليس غيرها”.

“الحشد الشعبي”

وكانت قيادة “الحشد الشعبي” المكون بشكل رئيس من متطوعين شيعة وميليشيات تدعمها إيران، أوضحت أن الحشد سيشارك في عمليات تحرير الموصل، رغم أن الحشد الشعبي وجهت له اتهامات بارتكاب انتهاكات في المناطق التي شارك في تحريرها في السابق من سيطرة تنظيم الدولة.

العملية التاريخية

وأوضحت الولايات المتحدة، التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في العراق، كانت حاضرة عندما سقطت الموصل في يد “الدواعش”، “إنها فخورة للوقوف صفا واحدا مع حلفائها في تحرير الموصل”، وجاء في تغريدة نشرها “بريت مكغرك”، المبعوث الامريكي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وأصدر رئيس الوزراء العبادي أوامره ببدء العملية الكبرى لتحرير الموصل بعد سنتين من الظلام تحت نير إرهابيي داعش، “تمنياتنا بالتوفيق للقوات العراقية البطلة ومقاتلي البيشمركة الأكراد ومتطوعي نينوى، نحن فخورون بالوقوف معكم في هذه العملية التاريخية”.

“هزيمة نهائية”

وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، قال إن الولايات المتحدة وباقي دول التحالف مستعدة لإسناد قوات الأمن العراقية وقوات البيشمركة الكردية في “المعارك الصعبة القادمة”، وقال كارتر إن عملية تحرير الموصل تعد لحظة حاسمة في الحملة التي يخوضها العراق من أجل إنزال “هزيمة نهائية” بتنظيم الدولة.

وأضاف “نحن واثقون بأن شركائنا العراقيين سيتغلبون على عدونا المشترك، ويحررون الموصل وباقي أرض العراق من وحشية داعش وحقده”.

قلق عميق

وأعرب نائب الأمين العام للأمم المتحدة للإغاثة والشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، عبر عن قلقه العميق إزاء بدء العملية العسكرية لاسترداد الموصل.

وقال “يساورني قلق عميق بشأن سلامة نحو مليون ونصف المليون من سكان الموصل الذين قد يتأثرون سلبا بالعمليات العسكرية”، موضحا أن الأسر المدنية معرضة لمخاطر جمة من الإصابة بنيران الأطراف المتحاربة أو استهدافها من جانب القناصين”.

السيارات الملغومة والانتحاريين

“تنظيم الدولة”، على غرار التكيتيك الذي استخدمه، منذ نحو 5 أشهر في مدينة سرت، وسط الساحل الليبي، لجأ إلى تكتيك السيارات الملغومة والانتحاريين وزرع الألغام والبراميل المتفجرة، لإعاقة تقدم الجيش العراقي والقوات المتحالفة معه نحو معقله الرئيسي في مدينة “الموصل” شمالي العراق، وتوقع خبراء ومحللون إمكانية تكثيف التنظيم لهجماته الانتحارية في المناطق الآمنة، بعيدا عن الموصل، لتشتيت جهد القوات الحكومية في حملتها العسكرية على الموصل.

بالتوازي مع انطلاق العملية العسكرية في الموصل، وفجر انتحاري سيارة ملغومة أمام قافلة للحشد الشعبي الشيعية بالعاصمة بغداد، أدت إلى مقتل 11 شخصا من الحشد والجيش والشرطة ومدنيين، بالإضافة إلى 23 جريحا، وخلف تفجير انتحاري آخر بالقرب من الموصل، مقتل 5 عناصر من قوات البيشمركة “قوات الإقليم الكردي شمالي العراق”، وإصابة عدد آخر بينهم نجل نائب رئيس الإقليم الكردي، ولقي جندي عراقي و4 انتحاريين حتفهم خلال تقدم القوات العراقية نحو الموصل.

“تدمر” السورية و”سرت” الليبية

ويشبه الأسلوب الذي يعتمده “داعش”، في الدفاع عن الموصل، إلى حد كبير تكتيكة في مدينتي “تدمر” السورية (وسط)، و”سرت” الليبية (شمال وسط)؛ حيث لجأ إلى زرع الألغام واستعمال السيارات الملغومة لوقف زحف القوات المهاجمة، وإذا كانت قوات البنيان المرصوص التابعة للمجلس الرئاسي في العاصمة الليبية طرابلس، والتي تشكلت في مايو / أيار 2016، حققت انتصارات سريعة في المناطق الصحراوية المفتوحة بفضل التفوق الجوي، إلا أنها واجهت مقاومة مستميتة من عناصر التنظيم في معاقله الأخيرة داخل المدينة، وتسببت في مقتل نحو 500 مسلح من قوات البنيان المرصوص وجرح أزيد من ألفين آخرين.

ورغم مرور نحو 5 أشهر من بدء عملية تحرير سرت، وضواحيها لم تتمكن قوات المجلس الرئاسي من إحكام سيطرتها على المدينة والبدء في تطهيرها، وأصبح دور القناصة يوازي أهمية السيارات الملغومة من حيث إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف القوات المهاجمة، بالنظر إلى تعقيدات حرب المدن.

الحسم النهائي للمعركة

ومن المتوقع أن يتمكن الجيش العراقي المدعوم بقوات محلية ودولية، من السيطرة على القرى والمناطق المحيطة بالموصل خلال أسابيع، بفضل التفوق الجوي والقصف المدفعي والصاروخي الذي تملك القوات المهاجمة تفوقا ملحوظا فيه، دون أن يعني ذلك الحسم النهائي للمعركة، غير أن هذا التقدم في مرحلته الأولى، قد يكون مرفوقا بعدد كبير من الضحايا، بسبب الألغام المزروعة حول المدينة، والعمليات الانتحارية، التي من شأنها عرقلة تقدم القوات المهاجمة.

طائرات دون طيار ملغوة

ومن المحتمل استعمال التنظيم لتكيتكات جديدة، مثل “طائرات دون طيار ملغومة”، والتي استخدمها للمرة الأولى في 2015، وخلفت آخر عملياته في 02 أكتوبر / تشرين الأول 2016، مقتل عنصرين من البيشمركة وإصابة جنديين فرنسيين بجراح خطيرة، غير أن تكتيك “الطائرات الملغومة” ما زال محدود التأثير على مجريات المعارك، ومن المستبعد أن يتمكن “داعش” من تطوير هذا التكتيك نوعًا وكمًا قريبا، والذي استخدمه أول مرة الطيارون اليابانيون “الكاميكاز”، في الحرب العالمية الثانية، وتسبب في خسائر كبيرة للأسطول الأمريكي في المحيط الهادي.

المدنيين دروع بشرية

أما المعركة الصعبة والطويلة، فمن المتوقع أن تبدء عندما تتوغل القوات المهاجمة داخل المدينة، حينها ستتغير تكتيكات الحرب لدى الطرفين، وتفقد القوات المهاجمة بعضا من ميزاتها وتفوقها، على غرار القصف الصاروخي والمدفعي متوسط المدى، ويصبح استعمال الطيران محدودا لكن أكثر دقة واستعمالا للصواريخ والقذائف الذكية، لتفادي إيقاع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وخاصة أن الموصل يقطنها ما بين مليون ونصف مليون ومليوني مدني، وهذا العدد الكبير من المدنيين سيصعب من مهمة القوات المهاجمة، وسيتم تحييد الأسلحة ذات التدمير الواسع، خاصة وأن “داعش” من المتوقع أن يستخدم المدنيين كدروع بشرية.

استخدام الطيران والصواريخ

الأمر الثاني أن حرب المدن تؤدي إلى تداخل القوات المهاجمة مع الطرف المدافع سواء عبر الأحياء أو حتى البيوت، بشكل يجعل استخدام الطيران والصواريخ المتوسطة المدى من شأنه التسبب في إصابة أهداف صديقة، ما يؤدي إلى تحييد (نسبيا) هذا النوع من الأسلحة، بالرغم أنه في سرت ما زالت إلى اليوم القوات الجوية الليبية والأمريكية تقصف “داعش” داخل الأحياء المحاصرة.

فتح ممرات آمنة

ومن ثم ليس مستبعدا أن تطول معركة الموصل لأشهر، على غرار معركة سرت، حيث من المنتظر أن يستعمل “داعش” في الموصل نفس تكتيكاته في ليبيا، لكن من المملكن تقليص فترة المعركة، بفتح ممرات آمنة لعناصر التنظيم للهروب من الموصل إلى معاقله في شرق سوريا، وعدم تشديد الحصار عليه في الموصل حتى لا يضطر عناصره للقتال حتى آخر رمق، ويبقى هذا السيناريو بعيدا عن عقيدة التنظيم الانتحارية.

عبداللطيف التريكي

التقرير