هل تُلغى «دولة الخلافة» بعد تحرير الموصل؟

هل تُلغى «دولة الخلافة» بعد تحرير الموصل؟

568018dcc3618817708b45e1

أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مساء الأحد الماضي، انطلاق عملية تحرير محافظة نينوى، مبشّراً المواطنين بـ «اقتراب لحظة الانتصار الكبير». وكان بهذا النبأ، يعلن رسمياً بداية معركة استرداد مدينة الموصل التي احتلّها أبو بكر البغدادي، أثناء حكم الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي.

وتعرض المالكي قبل أكثر من سنتين، لانتقادات قاسية من المعارضة التي اتهمته بالتواطؤ والتخاذل لأن احتلال الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، تم بطريقة التسلل البطيء. والشاهد على ذلك انسحاب الجيش النظامي، وانضمام بعض عناصره الى المحتلّين الجدد. وتكشفت في حينه، فضائح إدارية أهمها عدم استخدام الطيران الحربي، وانسحاب القوات من ثكنات المدينة بعد تسليم أسلحتها الثقيلة.

المهم، أن قرار إعلان الحرب على «داعش» صدر بعد تأجيل طويل خضع لتفسيرات ومبررات سياسية، داخلية وخارجية، لم تسمح للعبادي بإعلان حرب غير مضمونة النتائج.

السبب الأول، عُزي الى تشويش المواقف بالنسبة الى المشاركين في الحرب، وصعوبة توحيد صفوفهم، لأن لكل فريق أجندة مختلفة، وأهدافاً مختلفة. لذلك، أرجئ قرار بدء القتال مرات عدة، الى أن ارتضى العسكريون بالخطة التي تطبق حالياً.

السبب الثاني، يتعلق بمخاوف الدول العربية الصديقة مثل المغرب وتونس والجزائر وليبيا. ذلك أنها اكتشفت قبل أشهر عدة، محاولات «داعشية» لتشكيل ولايات في هذه البلدان، أطلق عليها اسم «تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب».

وكانت وزارة داخلية المغرب قد نفذت خطة استباقية في شهر تموز (يوليو) الماضي، شملت أشخاصاً مشتبهاً بهم قدّرت أعدادهم بحوالى 143 شخصاً، تم اعتقال 52 منهم بغرض التحقيق. وكشفت عمليات دهم منازلهم، العثور على أسلحة ووثائق ومنشورات ذات طابع تحريضي، إضافة الى مسامير وأسلاك كهربائية يمكن استخدامها لصنع أحزمة ناسفة.

كذلك، شهدت تونس اجتماعات المؤتمر الثالث عشر لرؤساء أجهزة أمن الحدود والمطارات والموانئ في الدول العربية.

وأعرب مسؤولون تونسيون عن خشيتهم من تنامي ما وُصِف بـ «الخزان البشري للتنظيمات الإرهابية الناشطة في سورية والعراق… وليبيا».

ووفق تقارير أمنية، فإن عدد المقاتلين الأجانب الذين سافروا الى سورية والعراق، منذ بدء القتال سنة 2011، يقدّر بأكثر من 27 ألفاً.

أرقام الأمم المتحدة تؤكد أن «داعش» أسس خارج «دولته»، التي أعلنها أبو بكر البغدادي في آخر حزيران (يونيو) سنة 2014، «مستعمرات» ناشطة في عشرين دولة كانت تضم 25 ألف عنصر أجنبي، بينهم 4500 من أوروبا و300 من الولايات المتحدة. والأوروبيون ينتمون الى ألمانيا وبلجيكا والنمسا وبريطانيا والسويد.

السبب الثالث، تحوّل أبو بكر البغدادي الى آفاق بعيدة من العالم العربي، كنوع من الوقاية وحماية المقاتلين الذي اقترفوا في سورية والعراق أبشع الجرائم وأكثرها وحشية. هذا كله بهدف ترويع الخصوم، وإشعارهم بأن الأخطار تتهددهم بدءاً بقطع الأعناق… وانتهاء بحرق الأحياء.

والثابت، أن ضمور حجم المساحات التي استولى عليها «تنظيم الدولة الإسلامية» في العراق وسورية، قد دفعه الى البحث عن مواقع نائية في أفريقيا. وبسبب مبايعة جماعة «بوكو حرام» له خلال صيف 2015، نقل نشاطه الى القارة السوداء لعل هذه النقلة تعوّض له عن خسائره الديموغرافية والجغرافية والعقائدية.

بغداد، أعلنت قبل تقدّم القوات لمحاصرة الموصل، عن فتح ثغرة على طرف المدينة يمكن النساء والأطفال والعجزة التسلل منها واللجوء الى أقرب مكان آمن. ويبدو أن مقاتلي «داعش» تدخلوا لمنعهم من الهرب، وعملوا منهم دروعاً بشرية، الأمر الذي حذرت القيادة المشتركة من آثاره السلبية على تقدّم قواتها.

وقد يكون هذا العامل مؤثراً على الصعيد الأمني، لأن حيدر العبادي يتحاشى تكرار خطأ الفلوجة. أي وضع عملية التحرير فوق كل اعتبار إنساني. وهكذا، فقدت معركة تحرير الفلوجة عدداً كبيراً من الأبرياء.

لكن هذا الوضع يؤكد حتمية العمليات الانتحارية الجماعية التي سيقوم بها «الداعشيون» في داخل الموصل. والسبب، أنهم لا يملكون غير السيارات وسائل للهرب من أتون المعركة الحاسمة.

بيد أن السيارات لا تؤمن لهم الهرب باتجاه الدول التي يختبئون في بعض جوانبها مثل ليبيا ونيجيريا. ذلك أن التوجه جنوباً سيعرّضهم للإبادة على أيدي الجنود العراقيين. أما في حال توجهوا غرباً، فإن القوات الروسية ومعها قوات الأسد ستتصدى لهم بالبراميل المتفجرة. وإذا تمكنوا من الفرار باتجاه شرق الموصل، فإن إيران ستكون لهم بالمرصاد. وفي مثل هذه الحال، تصبح الطائرة هي أسلم وسائل الفرار.

ومع الفارق الكبير بين حصار نازيي ألمانيا وحصار جماعة «تنظيم الدولة الإسلامية»، فإن المقارنة تقتضي التذكير بأن الطائرات وحدها أنقذت المئات من ضباط الحزب النازي الذين فروا الى الأرجنتين. صحيح أن الجنرال خوان بيرون كان يتعاطف مع النظام الديكتاتوري في برلين… لكن الصحيح أيضاً، أن وزير الزراعة في العهد النازي ريتشارد داريه (وهو من أصل أرجنتيني)، قام باتصالات مثمرة مع بيرون أدت الى السماح بنقل المئات من رفاقه الى مدريد أولاً سنة 1944، ومنها انتقلوا بالطائرات على دفعات الى بيونس آريس. هذا، علماً أن الجنرال فرانكو كان ميالاً في حكمه الى النظام النازي، الأمر الذي ساعد كبار الضباط على الهرب في ظل حمايته ومراقبته.

قبل إعلان الهجوم، اجتمع رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، بممثلي البعثات الديبلوماسية في بغداد، وحذّرهم من احتمال انتقال جماعة «داعش» الى الدول المجاورة. وقال مخاطباً المجتمع الدولي: إن الإرهاب مقبل إليكم، وعلى جميع الدول التنبّه الى خطر هذه العصابات.

وفي معلومات سرّبتها مصادر عسكرية، ما يؤكد انتقال أكثر من خمسة آلاف مسلح «داعشي» من الموصل الى سورية، مغتنمين فرصة الهدوء التي سبقت الاستعداد للهجوم الواسع.

الأسرة الدولية تتطلع الى هذه العملية بتفاؤل، على اعتبار أن قرار إلغاء «دولة داعش» جاء بموافقة كل الدول، حتى تلك التي ساهمت في خلقها مثل تركيا. وحقيقة الأمر، أن هذه «الدولة» وُلِدَت كردّ فعل على نشوء دولة شيعية في إيران. وقد ساهم في تضخيم هذه القناعة، الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003. ومن رحم ذلك الاحتلال، وُلِد تيار أبو مصعب الزرقاوي، المؤسس الأول لـ «تنظيم الدولة الإسلامية» في العراق والشام.

والثابت، أن الزرقاوي كان على خلاف عميق مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري حول مفهوم الحرب المدنية، وطريقته الهمجية، خصوصاً أنه كان أول مَنْ دشّن عمليات قطع الرؤوس في شكل علني.

عقب مقتل الزرقاوي سنة 2006، بواسطة هجوم جوي أميركي، خلفه في الزعامة شخص يُدعى أبو أيوب المصري. وراح يستقطب للجهاد جنوداً سابقين في جيش صدام حسين، ومتطوعين من سجناء معتقل «بوكا» بالذات.

ويزعم أحد السجناء أن أبو بكر البغدادي افتعل حادثة إدخاله الى معتقل «بوكا» لكي يجنِّد عدداً كبيراً من أصل 1350 سجيناً، وأن أبو أيوب المصري هو الذي اختار العراقي أبو بكر البغدادي قائداً لتنظيم «الدولة الإسلامية». وكان الاثنان يطلقان على «بوكا» اسماً رمزياً هو «معسكر الخلافة».

بقي السؤال المتعلق بمستقبل هذه الحركة السلفية، وما إذا كان تحرير عاصمتها (الموصل) سيقفل الباب نهائياً أمام الدول التي ساهمت في خلقها وتمويلها وتسليحها.

يقول المطلعون إن «تنظيم الدولة الإسلامية» يمثل حالة عقائدية تغذت من القهر والانتهاكات التي تعرض لها أبناء الطائفة السنيّة في العراق وسورية وإيران.

ومعنى هذا أن القضاء على «داعش» لا يتم إلا بعد تعزيز وجود التنظيمات الإسلامية المعتدلة… وبعد توحيد مقاتلي هذه المعركة المصيرية تحت راية واحدة وهدف واحد.

وقال نائب رئيس أركان قوات «البيشمركة» لشؤون العمليات، اللواء قارمان كمال عمر، إن الوحدة التي يتولى قيادتها لن تدخل الى الموقع المركزي في مدينة الموصل بسبب الحساسيات لدى القوى المشاركة الأخرى مثل الحشود العشائرية وميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية. وقال أيضاً إن «البيشمركة» ستحرر جميع المناطق الكردية من محافظة نينوى. أي أنها ستصل الى ضواحي الموصل، لكنها لن تدخل المدينة.

ومثل هذا الإحجام المتفق عليه بين رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، ينم عن وجود متاعب لمّح إليها الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس. وادّعى في حديثه، أن العراق لا يملك استراتيجية واضحة يمكن أن تستخدمها القوى المعنية مثل الأكراد وإيران، ومختلف العناصر الباحثة عن ترسيم الحدود، وعن مصادر النفط والمياه.

وأعرب الجنرال بترايوس عن مخاوفه من غموض الخطط العسكرية التي أشار إليها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، عندما قال إنه سيلاحق «داعش» ويضرب مصادره النفطية…

ومثله فعلت المرشحة هيلاري كلينتون التي أكدت تصميمها على مواصلة سياسة باراك أوباما في سورية.

والمؤسف أن الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة غير مقتنعة بأن أوباما كان مهتماً بممارسة سياسة واقعية في الشرق الأوسط، الأمر الذي انتهى باستبدال نفوذ واشنطن بنفوذ موسكو. وهذا معناه أن أميركا ستخرج من المنطقة مثلما يخرج «داعش» من الموصل!

سليم نصار

صحيفة الحياة اللندنية