الانتصار في معركة الموصل لن يحل مشاكل العراق

الانتصار في معركة الموصل لن يحل مشاكل العراق

bf0305c5-7109-4d75-9ec5-d8701faabd7f

بعد سنوات من التدريب والاستعداد، بدأت العملية لتحرير الموصل؛ المعقل الأخير المتبقي لتنظيم “داعش” في العراق. وفي الأسابيع -إذا لم يكن الأشهر- المقبلة، سوف يؤذن التحالف الذي يقوده الغرب على الأرض وفي السماء، بنهاية سيطرة “داعش” على الأراضي في العراق، وسيكون ذلك بمثابة المسمار الأخير في نعش ما تُسمى الخلافة.
ولكن، ما الذي سيأتي بعد ذلك؟ يفتقر العراق إلى الموارد والقدرة على إعادة بناء البلدات والمدن التي دمرت منذ بدء الحملة ضد “داعش” قبل عامين. والدولة العراقية هي دولة هشة، إذا لم تكن فاشلة؛ وفي بعض المناطق (بما في ذلك تلك التي خارج الأراضي الخاضعة لسيطرة “داعش”) لم تعد هي المزود الرئيسي للخدمات الأساسية والأمن.
وما يزال العراق يعاني من عواقب الفساد والطائفية والحكم المختل وظيفياً، فضلاً عن عدد كبير من الميليشيات الشيعية وبيئة أمنية مقسمة إلى حد كبير. وفي الفترة المقبلة، سوف تتكثف العملية متعددة المراحل لتحرير الموصل. وهناك الكثير من عدم اليقين الذي يحيط بدرجة المقاومة التي يمكن أن يبديها “داعش”. وهو تنظيم انتهازي إلى حد كبير، والذي يستغل نقاط ضعف منافسيه ويستفيد منها باستخدام تكتيكات تقسيمية لاستنفاد موارد معارضيه، في حين يقوم بتحويل تركيزه إلى مناطق أخرى.
من غير المرجح أن تنخرط المجموعة في اشتباك مباشر وجهاً لوجه مع قوات الأمن العراقية، وسوف تعود بشكل شبه مؤكد إلى وضع التمرد، وتواصل حربها في البيئة الحضرية التي توفرها الموصل. ويعني ذلك أن أفراد التنظيم سيذوبون ويمتزجون بالسكان المحليين، مما يجعل من الصعب التمييز بين المقاتلين الجهاديين وبين المدنيين العاديين.
تتركز استراتيجية تحرير الموصل، مثل الكثير من حملات مكافحة “داعش” بشكل عام، على تطهير المناطق من مقاتلي التنظيم، وإدامة السيطرة على الأراضي المستعادة من المجموعة، وإعادة بناء البلدات والمدن المدمرة. ولكن، من هو الذي سيقوم بإعادة البناء؟ بالإضافة إلى افتقار العراق للموارد اللازمة لتمويل هذا التأهيل، فإنه يفتقر أيضاً إلى جيش نظامي يتمتع بالقدرة ويحظى بدعم السكان المحليين، لإدامة السيطرة على الأراضي التي تمت استعادتها من “داعش”.
من المتوقع أن تقوم الجماعات القبلية العربية السنية بمعظم القتال في المدينة نفسها، لكن لدى هذه الجماعات منافساتها وعداواتها الخاصة بها، ولن يكون لديها بالضرورة الدعم والشرعية بين السكان المحليين في الموصل، خاصة وأنها تتلقى الدعم والتدريب من الفصائل السياسية المنافسة في العراق ومن القوى الخارجية التي يزدريها السكان المحليون على نطاق واسع.
تنطوي عملية الموصل على وزن رمزي خاص، لأن تحرير المدينة سوف يؤشر فعلياً على  بداية “اليوم التالي بعد داعش”. وهناك مجموعة واسعة من مختلف الفئات القوية والمدججة بالسلاح التي انقضت على الموصل، والتي لديها أجندات وطموحات متضاربة. وتنظر كل من هذه الجماعات إلى نفوذها وسيطرتها على المحافظة كرافعة محتملة في النزاعات القائمة التي ظلت منخرطة فيها طوال العقد الماضي على الأراضي وتقاسم السلطة وموارد الطاقة في العراق.
الآن، هناك تنافس وخصومات كثيفة بين الميليشيات الشيعية التي تعمل بشكل مستقل عن الدولة وبين قوات البشمرغة الكردية، وبين هذه الجهات وقوات الأمن العراقية، التي تتبع حكومة بغداد. كما تحتفظ إيران أيضاً بوجود كبير وتدعم الميليشيات الشيعية التي هددت بشن حرب ضد تركيا ما لم تنسحب قواتها من الموصل. وقد نشرت تركيا قواتها هناك لاحتواء جماعات مثل حزب العمال الكردستاني، الذي قاتل الدولة التركية من أجل تحصيل سلسلة من الحقوق السياسية والثقافية للسكان الأكراد في تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، شكل التركمان والسكان الأزيديون ميليشيات خاصة بهم تحت رعاية داعمين محليين ومن الأجانب.
وبعبارات أخرى، فإن الظروف التي أدت إلى صعود “داعش” في المقام الأول ما تزال موجودة، وقد تمت مفاقمتها بدلاً من تخفيفها على مدى العامين الماضيين منذ تولي الجهاديين السيطرة على الموصل في العام 2014. وبينما لا يريد الرئيس أوباما بوضوح أن يعمَّر “داعش” (أو بالأحرى “الخلافة”) بعد انتهاء فترة رئاسته، فإن هناك غياباً للضمانات من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمواصلة تقديم الدعم والمساعدة لمعالجة هذه العيوب، بالإضافة إلى التوسط بين الفصائل المتناحرة.
على المدى القصير والمتوسط، سوف يستمر “داعش” في ارتكاب الفظائع الإرهابية، مثل تفجيرات تموز (يوليو) في الكرادة التي قتل فيها نحو 300 شخص، وما تزال لديه مؤسسته في سورية، والتي سيستخدمها كمنصة انطلاق للهجمات الوحشية في الأماكن الأخرى. ولن يغير هذا الهجوم الأحدث على الموصل ذلك -ومن دون استثمارات كبيرة لإعادة البناء، من غير المرجح أن يساعد هذا الهجوم العراق على أن يصبح بلداً أكثر استقراراً وسلاماً.

رانج علاء الدين

صحيفة الغد