صفقة اللاجئين التركية-الأوروبية تحتضر في الجزر اليونانية

صفقة اللاجئين التركية-الأوروبية تحتضر في الجزر اليونانية

%d8%b7%d9%81%d9%84-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%a6-%d9%84%d8%af%d9%89-%d9%88%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%87-%d9%85%d8%b9-%d8%b0%d9%88%d9%8a%d9%87-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%ac%d8%b2%d9%8a%d8%b1

أصبحت أعداد اللاجئين الذين يتجهون بحراً إلى اليونان عبر بحر إيجة في ازدياد مرة أخرى منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا. وتعج المخيمات في الجزر اليونانية باللاجئين، بينما تواجه الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا خطر الانهيار.
اعتقد عبد الشكور أنه لم يعد بمقدور أي شيء أن يهزه. فبعد كل شيء، يدعي أنه كان قد تعرض لمحاولة اغتيال على يد عملاء الأمن الباكستانيين، لكنه نجا منها، بالإضافة تعرضه للتعذيب في سجن في لاهور. ويقول: “لكنني كنت مخطئاً”.
يقف عبد الشكور (33 عاماً) في مخيم اللجوء “موريا”، مشيراً إلى الخيام البلاستيكية المكتظة باللاجئين، وبينهم نساء وأولاد ومرضى يستلقون وجهاً لوجه مع الآخر عند الجدار الإسمنتي الذي يطوق المخيم وتعلوه الأسلاك الشائكة. ويقول: “كنت أتوقع هذه الأوضاع في باكستان أو أفغانستان… وإنما ليس في اليونان”.
ونتيجة لتدفق اللاجئين، أصبحت البنية التحتية لليسبوس وغيرها من الجزر اليونانية تواجه خطر الانهيار. ولم يعد النموذج الأوروبي هو الذي يظهر هنا. وعلى الرغم من أن عدد المهاجرين المتجهين إلى اليونان قد تراجع بعد دخول الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حيز التنفيذ في آذار (مارس) الماضي، فقد عاد عدد هؤلاء اللاجئين ليرتفع مرة أخرى، فيما يعود في جزء منه إلى محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا يوم 15 حزيران (يونيو) الماضي. وفي آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) الماضيين، عبر بحر إيجة نحو 6.527 لاجئاً -أي ضعف عدد الذين كانوا قد عبروه في شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو). ويبدو أن الأزمة في تركيا لا تخيف العديد من الأتراك وحسب، وإنما تدفع اللاجئين إلى الخروج من البلد أيضاً.
الآن، هناك ثمة 15.000 مهاجر في الجزر اليونانية؛ حيث تستطيع المخيمات المتوفرة التعامل مع نصف ذلك العدد فقط. وفي كل يوم تصل مراكب جديدة. وأصبحت الاشتباكات بين اللاجئين والمواطنين المحليين حدثاً عادياً.
أصبحت الحكومة اليونانية تواجه مأزقاً، كما يقول المستشار السياسي جيرالد كناوس الذي ساعدت مؤسسته الفكرية، مبادرة الاستقرار الأوروبي، في إخفاء الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ويقول إنه لم يعد بمقدور اليونانيين تجاهل الفوضى العارمة في الجزر.
“موت في أشهر قليلة”
إذا نفذ رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس تعهده الأخير بنقل أعداد ضخمة من اللاجئين إلى الأرض الأم، فإن التعهد ينطوي على إشارة للمهربين في تركيا بأن طريق بحر إيجة قد أعيد فتحه. ويحذر كناوس من أنه “إذا لم يتصرف الاتحاد الأوروبي بسرعة، فإن صفقة اللاجئين ستموت في غضون أشهر قليلة”.
يخيم الظلام على مخيم “موريا”. ويجلس عبد الشكور في خيمة أصدقاء له مشيرا إلى صورة في الهاتف المحمول لخيام تحترق. في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، أشعل لاجئون النار في الخيام نتيجة حنقهم من الأوضاع في المخيم. ويتوقع عبد الشكور المزيد من الصراعات. وبقول: “الناس هنا يائسون”.
يقول إنه نشأ في عائلة ثرية في باكستان. وكان والده يمتلك أرضاً، وأنه كان يدير مطعماً ثم دخل عالم السياسة. وبعد أن انتقل من حزب الحكومة، العصبة الإسلامية، إلى المعارضة، هدده رفاقه السابقون في الحزب بالموت. ومكث في السجن ثلاثة شهور في لاهور، حيث ضُرب وعُذب بقضبان حديدية وبالصدمات الكهربائية.
وما تزال آثار الندوب والجروح والحروق تغطي جسده. ولعبد الشكور زوجة وخمسة أبناء في باكستان، وقد اختار اسماً مستعاراً لهذا المقال حرصاً على سلامته. وكان قد هرب إلى إيران ثم منها إلى تركيا فاليونان. وما يزال عالقاً في “موريا” منذئذٍ.
وفق الاتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، يجب الاحتفاظ بالمهاجرين في مخيمات الجزيرة اليونانية؛ حيث يجري تسجيلهم فإعادتهم إلى تركيا بعد تسريع المعاملات. ومع ذلك، لم تنزل السلطات اليونانية عند مطلب بروكسل بالاعتراف بتركيا كـ”بلد منشأ آمن”. وبدلاً من ذلك، تدرس الحالات كل حالة على حدة لتقرير ما إذا كان لمقدم الطلب الحق بالحصول على الحماية في أوروبا.
وفي أعقاب الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، أبعدت اليونان 643 مهاجراً فقط، بمن فيهم 53 سورياً عادوا إلى تركيا طوعاً. وفي أيلول (سبتمبر)، وصل من اللاجئين إلى الجزر اليونانية كل يوم أكثر من الذين غادروا البلد خلال الشهر بأكمله.
عالقون في موريا
تبدو السلطات اليونانية مرتبكة بسبب الوضع. وفي ليسبوس، اتهم تسعة ضباط باتخاذ قرارات تخص 6.000 لاجئ. ومن بين هؤلاء الضباط أدخل واحد للمستشفى لفترة وجيزة لعلاجه من حروق. وقبل أشهر عدة، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيرسل المئات من خبراء اللجوء السياسي إلى اليونان، لكنه أرسل حتى الآن نحو 30 من المسؤولين الذين وصلوا للجزر اليونانية.
في مكتبه في ليسبوس، يتصفح المحامي إيمانويل تشاتزيتشالكياس ملفات اللاجئين الذين ما يزالون عالقين في “موريا” منذ أشهر عدة. ويقول إن أحداً لا يعرف متى ستتم دراسة طلباتهم -بعد أسبوع أو شهر أو سنة.
أحد موكليه الذين يترافع عنهم سيدة من أفغانستان معها خمسة أطفال، كانوا قد وصلوا إلى ليسبوس في شهر نيسان (أبريل)، لكن السلطات لم تسجلهم حتى وقت مبكر من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. والآن، تحتاج الأم إلى الانتظار نصف عام آخر قبل الاستماع إليها. وطبقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن أقل من 5 بالمائة من الطلبات التي قدمها أفغانيون وعراقيون قد عولجت منذ نيسان (أبريل) الماضي. ولأسابيع رفضت السلطات السماح لباكستاني كان يعاني من جلطة قلبية ولم يلق علاجاً في ليسبوس بالمغادرة. ويقول تشاتزيتشالكياس: “لقد تحولت ليسبوس إلى سجن”.
ولكن، لماذا ارتفع عدد اللاجئين بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية؟ من الممكن العثور على الجواب في الجانب الآخر من بحر ايجة، في تركيا.
في غرفة مليئة بالأثاث ومضاءة بالنيون في فندق في مدينة أزمير الساحلية الواقعة في جنوب غرب تركيا، ينتظر زياد زمريق، 33 عاماً، قارب التهريب لينقله هو وزوجته إلى اليونان. وبينما يجلس إلى جوارها وهو يمسك يدها، قال زمريق”: “لو كان لدينا بديل لما ركبنا القارب”.
عندما وصل زمريق إلى اسطنبول في صيف العام 2014 بعد هروبه من سورية، اعتقد أنه وصل إلى وجهته. ووجد وظيفة في حانوت للتحف واستأجر شقة في طرف المدينة. وأراد زمريق -الذي كان يعمل دليلاً سياحياً في دمشق- البقاء في تركيا.
تركيا ما بعد الانقلاب
حتى ما قبل 15 تموز (يوليو) كان اللاجئون يعانون في سبيل الحصول على مال يكفي لتغطية احتياجاتهم في تركيا. وعلى الرغم من أن أكثر من 2.7 مليون شخص وجدوا ملجأ في تركيا منذ بداية الحرب الأهلية في سورية، أي أكثر من أي بلد آخر، فإن معظمهم يعيشون في المدن الكبيرة، مثل إسطنبول وأنقرة، من دون تلقي أي دعم من الحكومة.
ويقول زمريق أنه أصبح من المستحيل تقريباً العثور على وظائف منذ المحاولة الانقلابية. فقد انهارت السياحة، ويعاني الاقتصاد من الركود -وفقد زمريق وظيفته في حانوت التحف. وفي البداية، حاول التكيف بالعودة إلى الوظائف الشاقة في الإنشاءات والمصانع أو المطاعم، لكن أجوره لم تكن كافية لتسديد أجرة السكن.
في أوائل تموز (يوليو)، أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتمال منح الجنسية التركية للسوريين. لكن زمريق يقول أنه لم يستطع التسجيل كلاجئ. وفي موعده الأخير في المكتب المخصص للأجانب في إسطنبول في آب (أغسطس)، قيل له أن السوريين لم يعودوا يتلقون وثائق. ويقول أن صديقين له أعيدا مؤخراً إلى سورية -سوية مع نحو دزينتين من اللاجئين الآخرين.
وكان الرئيس الأوروبي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فانسانت كوشيتيل، قد قال أنه حتى السوريين القليلين الذي عادوا طوعاً إلى تركيا من اليونان، لم يتلقوا أي وثائق حماية حتى الآن، على الرغم من أن تركيا وافقت على ذلك كجزء من الصفقة. ويوجد اللاجئون في مخيمات لم يستطع ممثلو المفوضية العليا للاجئين الوصول إليها منذ محاولة الانقلاب. وبالتالي، فإن الوضع يؤيد القرار الذي اتخذته السلطات اليونانية بعدم اعتبار تركيا بلداً آمناً ثالثاً. وتجدر الإشارة إلى أن مركز الجمال السياسي، وهو مجموعة فنية أرادت نقل اللاجئين جواً من تركيا إلى ألمانيا، سجل قضية قانونية في برلين ضد الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
يسير زياد زمريق في الضاحية التي تلتف حول محطة القطار في أزمير، ماراً بمخازن تعرض في واجهاتها سترات نجاة. وهو على موعد مع المهرب، وهو سوري متوسط العمر يعرف نفسه بأبو علي. ويقول أنه قبل نيسان (أبريل) كان يهرب الناس إلى اليونان مقابل 700 يورو لكل شخص. ومنذ الصفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، تجرأ عدد أقل من اللاجئين على خوض غمار الرحلة، مما حمله على خفض أسعاره بواقع النصف. لكن أبو علي يأمل، مع ذلك، بأن ينتعش العمل مرة أخرى خلال وقت قريب. ومنذ 15 تموز (يوليو) الماضي، أصبحت عمليات التفتيش التي ينفذها حرس السواحل التركي أقل.
“نهاية سياسة اللجوء السياسي إلى أوروبا”
أصابت مطاردة داعمي الانقلاب في تركيا جهاز الدولة التركية جزئياً بالشلل. وكان أردوغان قد علق عمل عدة آلاف من مسؤولي الشرطة والجيش. وفي الأثناء، تعمل الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، المجموعة الإرهابية الكردية، والعملية العسكرية في سورية على تقييد القوات التركية. ويقول مسؤول تركي: “لدينا حالياً أمور ضاغطة أكثر من ضبط حدودنا”.
وهكذا، يبدو أن هناك عاصفة قيد التخمُّر. فإهمال عمليات التفتيش، والضغط الاقتصادي على اللاجئين في تركيا، وقلة حيلة السلطات اليونانية، ومخيمات اللجوء المليئة فوق طاقتها -كل هذه عوامل تزيد مجتمعة من الضغط على صفقة اللاجئين. كما أن الرئيس أردوغان يهدد بإلغاء الصفقة بسبب موضوع متطلبات التأشيرة للأتراك.
وفي النهاية، يحذر المستشار السياسي كناوس، الذي يصفه كثير من الناس بأنه مهندس صفقة اللاجئين، من أنه في حال فشلت الصفقة، فإن النتيجة ستكون سيادة الفوضى العارمة. ويقول إن آلاف اللاجئين سيصلون إلى اليونان ويحاولون التسلل عبر الأسيجة إلى الشمال. وستتحول منطقة البلقان إلى ميدان معركة بين المهاجرين والمهربين وحرس الحدود والجنود. ويشدد في الختام على القول: “ستكون هذه نهاية سياسة اللجوء السياسي إلى أوروبا”.

إيرين كايلان

صحيفة الغد