مزاد العملة يثقل كاهل الاقتصاد العراقي

مزاد العملة يثقل كاهل الاقتصاد العراقي

%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a

في خضم الازمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها العراق اليوم يواجه اقتصاده تحديات هي الاضخم في تاريخه، انطلاقا من بنيته الهيكلية، وطبيعته الريعية التي كانت المحور الاساسي لأزماته المتلاحقة وخصوصا خلال العامين الماضيين بسبب انهيار اسعار النفط وتذبذبه فيما بعد، ناهيك عن الاسباب السياسية والامنية التي رافقت عملية احتلال اراضي ومدن حيوية في شمال البلاد.

الاقتصاد ريعي في العراق يعتمد بصوره كلية على عوائد النفط التي تشكل أكثر من 90 % من وارداته، ونتيجة ازمة اسعار النفط تلقى الاقتصاد العراقي العديد من الهزات داخليا وخارجيا كان أطاحت بتصنيفه الائتماني إلى “سلبي” من قبل وكالة “فيتش” العالمية.

ناقشنا في مقالات سابقة مسألة مزاد العملة في العراق، وبينا حجم الهدر الهائل الذي يحصل تحت بند مزاد العملة، وكيف ان مزاد العملة تجاوز واردات النفط ، وهو ما جعلنا نسلط الضوء على الاحتياطي الاجنبي ، وبأن هذا المزاد قد يتجاوز الى بيع بعض الاحتياطي الاجنبي من البنك المركزي حيث وصل في الربع الاول من هذا العام ايرادات النفط الى 3 مليارات و269 مليون دولار ،في حين ان مجموع مبيعات البنك المركزي من العملة في نفس الفترة قد بلغت 5 مليارات و821 مليون دولار ، وبطبيعة الحال هذا فرق كبير جدا، ويثير الشكوك حول هذه الارقام، حيث لم يكن هذا المبلغ من اجل الانفاق على الواردات لان الاخيرة لم تكن بحجم هذا الايراد، والبعض يتساءل ايضا من هي الجهة التي تشتري في هذا المزاد ولصالح من؟

وبحسب تحقيق لجان مجلس النواب العراقي والتقارير الدولية فقد تم هدر ونهب مبلغ 312 مليار دولار على مر السنوات الماضية، وهي عائدات للنفط ضخها البنك المركزي العراقي إلى الاسواق، وتم تحويل معظمها إلى الخارج.  اليوم بعد استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الامريكي مقابل الدينار العراقي في الاسواق المحلية وغياب الدور الحقيقي للبنك المركزي لمواجهة هذه المشكلة، على ما يبدو فأن الدينار العراقي يواجه خطر الانهيار بالتالي ارتفاع نسبة التضخم والدخول في ازمة اقتصادية خانقة. ولذلك فإن استمرار البنك المركزي ببيع الدولار بكميات أكبر من ايرادات العراق من العملة الاجنبية نتيجة تصدير النفط الخام هي خدمة للفاسدين وما يطلق عليهم مصطلح “الحيتان” ويكلف العراق خسائر بمئات المليارات من الدولارات، بالإضافة الى المليارات التي سرقت على مر السنوات الماضية.

وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية عن اجتماع عقد بين عدد من اصحاب المصارف والصيرفة في بغداد في منطقة الجادرية وكان موضوع الاجتماع حول سعر الدولار وضرورة تخفيض سعره في السوق السوداء وقد هدد عدد من حيتان المزاد بإصدار قرار بحصر المزاد بعدد محدود من المصارف، وقال البعض منهم بانهم قادرين على التحكم بكل مفاصل الدولة، وبسعر الدولار وانهم يرفضون بيع الدولار الموجود في حساباتهم في الخارج، وقد قدره احد اللذين حضر الاجتماع 350 مليون دولار موجودة فقط عند 5 اشخاص فقط، او خمسة مصارف، وبحسب مصادر مركز  الروابط  فإن السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي، يتابع هذا الموضوع بدقة وانه بصدد اصدار قرارات مهمة منها اعفاء مسؤولين في البنك المركزي من مناصبهم ومكاشفة بعض المسؤولين في الدولة والاحزاب السياسية بعلاقتهم ببعض المصارف الخاصة وان رئيس الوزراء في انتظار اكتمال الصورة لديه، ومتابعة اذا كانت عمليات البيع لصالح المصارف الموثوقة ام لا،  لاتخاذ قرارات حاسمة جدا ومنها ايقاف عدد من المصارف من دخول المزاد لحين البت في الدعاوي القضائية المقامة ضدها.

ومن المتوقع ان يكون هناك تخفيض للدولار لتجنب العقوبات التي قد يفرضها رئيس الوزراء على المصارف والأشخاص المخالفين. ومن جديد سنتطرق لموضوع مزاد العلمة في البنك المركزي العراقي لما يحظى به هذا الملف من اهمية بالنسبة للاقتصاد العراقي، حيث يبيع البنك المركزي في مزاده اليومي كميات من الدولار تتجاوز أحياناً 130 مليوناً غالبيتها كتحويلات، وبسعر 1182 ديناراً للدولار.

المسألة الشائكة هنا، هي الفرق بين سعر البيع في السوق الذي يصل في السوق الى 1300 دينار للدولار الواحد، في حين سعر الصرف يباع لجهات حزبية ومتنفذين يصل الى 1182 للدولار الواحد وحسب الحصص والتي بدورها تبيعها بسعر السوق السائد. هنا نشير من جديد الى ان مزاد العملة وعملياته يشكل عبءً كبيراً على البنك المركزي والاقتصاد العراقي بشكل عام، وهو بطبيعة الحال يشكل نافذة لدعم جهات بعينها كما ذكرنا، بالتالي فهو يعتبر آفة حقيقية على البنك المركزي، واحتياطيات النقدية. وتشير البيانات الى أن دين العراق يشكل اليوم 77% من الناتج المحلي الإجمالي بينما تعد نسبة الامان للدين العام بالنسبة للناتج المحلي بين 60-70%. وتقدر خسائر العراق بمئات الملايين من الدولار بسبب سيطرة المافيات وحيتان السوق من خلال احتكار مزاد العملة لجهات معينة، والهيمنة عليها. ويشار الى ان سعر صرف الدولار الامريكي في السوق العراقية بلغ 1310 دينار سعر البيع بينما سعر الشراء بـ 1300 دينار لكل دولار واحد.

وكما هو معلوم فإن سعر الدولار هو المحرك الرئيس لأسواق السلع في العراق، حيث تستورد البلاد معظم احتياجاتها من الاسواق الخارجية. وتم تداول الدولار الأميركي في السوق العراقي هذا الاسبوع عند 1310 دنانير، مقابل نحو 1129 ديناراً للدولار الواحد قبل اندلاع الحرب في الموصل، وهو ما يرى فيه خبراء دليلا على ضعف سياسة البنك المركزي. هذا الارتفاع برأي الخبراء هو نتيجة سياسة البنك المركزي، وهبوط سعر صرف الدينار مقابل الدولار سببه اعتماد البنك المركزي لبعض المصارف الأهلية دون غيرها في مزاد بيع العملة وضعف في مراقبة اداء تلك المصارف”.

على مدار الاعوام 13 الماضية بات العراق ميدانا للفاسدين، وقد قادت مجموعة من المتنفذين العراقيين عمليات نهب للمال العام بشكل ضخم جدا، وباتت خزائن العراق خالية، وكشف هذا الخلل انهيار اسعار النفط قبل عامين. تحديات كبيرة وهائلة تواجه العراق اقتصاديا وسياسيا، وتجاوزات على اموال العراق ومقدراته لصالح شخصيات متنفذة، دون رقابة او متابعة، وهو ما يلقي على الحكومة العراقية مسؤولية تشريع قانون صارم على غرار الدول الاخرى، ومراقبة عمل البنك المركزي ومزاد العملة الذي بات اليوم بمثابة معول هدم للاقتصاد العراقي، كذلك محاسبة الفاسدين لكيلا يصل الاقتصاد العراقي الى نفق مسدود لا يمكن العودة منه.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية