مأزق الانتصار والهزيمة في معركة الموصل

مأزق الانتصار والهزيمة في معركة الموصل

7387333261474824911

سوف تحرّر القوات العراقية والتحالف الدولي مدينة الموصل ومحافظة نينوى شمال العراق، ويخرج “داعش” من المدن والقرى العراقية، لكنه انتصار يظل تكتيكياً تحبطه الاستراتيجيات القائمة، والتي هيأت المجال لتنظيم “داعش” لأن يسيطر على الموصل ومدنٍ ومحافظاتٍ عراقية؛ السياسات المركزية العراقية والصراعات الداخلية والإقليمية، والشعور بالإقصاء والتهميش لطائفةٍ واسعةٍ من العراقيين يجدون خصومةً مع حكومة بغداد وسياساتها وتحالفاتها أكثر من خصومتهم مع “داعش”. وسوف يكون اليوم التالي لتحرير الموصل أسوأ من تحريرها، إذا لم تطبق سياسات عادلة وتوازنات يرضى عنها العراقيون جميعهم. والحال أن هيمنة “داعش” وتمدّده في أجزاء واسعة من العراق وسورية لم يكونا سوى الاسم الحركي للصراع الحقيقي، وإذا لم تتم إعادة ترتيب السياسات والعلاقات على نحو إيجابي في العراق، فإن الانتصار سوف يتحول إلى هزيمة استراتيجية كبرى، وسوف تسود فوضى وصراعاتٌ وتصفياتٌ وعمليات انتقامٍ وسطو واعتداءات تفوق، في فظاعتها وخطورتها، سيطرة “داعش”.
هناك تحدياتٌ واضحةٌ لما بعد تحرير الموصل، ولا تحتاج إلى تحليل وتقصٍّ، وهي ببساطة بسط سيادة القانون والأمن، وعودة المهجّرين، وضبط المليشيات الشيعية التي يشكو العراقيون من انتهاكاتٍ فظيعةٍ، ارتكبتها في الفلوجة ومدن عراقية أخرى، لا تقل عن انتهاكات “داعش”، إن لم تزد عليها، وتجعل الأهالي بين شقي الرحى، ظلم “داعش” وانتقام المليشيات المتطرفة، واستيعاب التوتر المذهبي والطائفي والإثني.
لم يعد أهل الفلوجة إلى مدينتهم، على الرغم من “تحريرها”. ويلقي ذلك شكوكاً على احتمالات عودة أهل الموصل المهجرين، وتبدي الأحداث ووسائل الإعلام حضوراً إيرانياً كبيرا ومقلقا في العراق والمعارك الدائرة والمقبلة، بل قد يكون دور المليشيات الشيعية مفروضاً على رئيس الحكومة، حيدر العبادي، ويتشكّك العراقيون بمدى استقلالية الحكومة المركزية في بغداد عن طهران، وقدرتها على إدارة وتنظيم حكم عراقي مستقل من غير تدخلاتٍ إيرانية، وتنشر الصحافة الأميركية لمعلقين ومحللين أميركيين عن النفوذ الهائل في العراق للجنرال الإيراني، قائد فيلق القدس والمشرف على مليشيات الحشد الشعبي المتطرّفة، قاسم سليماني.
وتبدي إيران وتركيا اهتماما بالنفوذ في العراق، ويزيد ذلك من تعقيد الصراع والتحالفات

الداخلية والإقليمية، إذ تنظر الدولتان إلى شمال العراق باعتباره جسرا استراتيجيا لحماية مصالحهما واهتماماتهما، ويشكل الوجود التركماني والكردي والشيعي مركزا للصراعات والمصالح إضافة بالطبع إلى علاقة ما يدور في شمال العراق بسورية. والحال أن الصراع المعقد في سورية ليس بعيدا عما يجري في الموصل وشمال العراق، وربما تخطط إيران لإنشاء ممر بري ممتد من إيران إلى سورية.
تبدي تركيا بوضوح اهتماما بضمان حماية التركمان وحماية ودعم حلفائها في العراق، كما أنها قلقة بالطبع من نشاطات حزب العمال الكردستاني المناوئ لها، وتأمل أن تستطيع محاصرة قوات الحزب إن لم تطردها من المناطق الحدودية بين العراق وتركيا، كما تريد أن يكون لحلفائها، مثل أثيل النجفي محافظ نينوى السابق، دور في مستقبل المحافظة، وهو ما ترفضه حكومة بغداد، وقد بدأت الأزمة العراقية التركية وظهرت علنا قبل حملة استعادة الموصل. وهناك انقسام محلي في محافظة نينوى/ الموصل، يمثله أثيل النجفي حليف أنقرة، ونوفل حمادي حليف بغداد/ العبادي وإيران، والكرد والعشائر والطوائف.
وبالطبع فإن ثمة سؤالاً بديهياً وتلقائياً عن إعادة إعمار الموصل والمدن المستعادة من داعش، وتوطين الأهالي، ومساعدتهم في توفير وإدارة الخدمات والاحتياجات الأساسية. وهو ما لم يتحدث عنه أحد بجدية وإقناع، ولم تتحدث الحكومة العراقية أو قوات التحالف عن خطط واستعدادات حقيقية وجدية للإعمار وإعادة التوطين، وما يكشف عنه الحشد الإعلامي في العراق أنه ليس ثمة هدف مباشر للحكومة المركزية، ومعها إيران، سوى السيطرة على الإقليم وتوظيف هذه السيطرة في دعم النظام السوري. وتبدو الولايات المتحدة غير مهتمة بأكثر من انتصار عسكري سريع وسهل على داعش يصلح في الحملة الانتخابية الجارية، وفي لهفة الإدارة الأميركية على هذا الإنجاز عشية الانتخابات فإنها تتجاهل كثيرا من العقبات الجدية، وتهادن إيران ومليشياتها وقواتها في العراق.
ويضيف تراجع أسعار النفط أعباء وتحديات اقتصادية على العراق وحكومته، تجعل الآمال

والفرص بالتنمية والإعمار في المناطق المنكوبة مشكوكا فيها، مما يجعل التحديات الاقتصادية وشبح الفقر أسوأ بكثير من تحديات التطرف والمتطرفين.
هل ستتحول محافظة نينوى، وربما مناطق ومحافظات العراقيين السنة، إلى حكم فيدرالي شبيهة بإقليم كردستان؟ هذا ما تخشاه وترفضه إيران لأن في ذلك تهميشا لدورها الإقليمي ويوقف حلمها بالطريق البري الممتد الى سورية، وقد يفتح المجال لفيدراليات أخرى لا تريدها، حتى بالنسبة لحلفائها في البصرة.
لقد بدأ الحديث عما بعد معركة الموصل والصراع على مستقبل العراق قبل استعادة المدينة والمناطق التي يسيطر عليها داعش، ويبدو أنه صراع يفوق في ضراوته وخطورته الصراع مع داعش.

إبراهيم غرايبة

صحيفة العربي الجديد