قضايا الشرق الأوسط بعد الانتخابات الأميركية

قضايا الشرق الأوسط بعد الانتخابات الأميركية

160927042519_republican_presidential_nominee_donald_trump_r_speaks_as_democratic_presidential_nominee_hillary_clinton__640x360_getty_nocredit

تستطيع إسرائيل أن تطمئن إلى أن موقف الولايات المتحدة إزاءها، وهو الموقف المؤيد والداعم والمساند لأمنها واستقرارها وتقدمها، سوف يستمر، سواءً كان الفوز من نصيب هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب. أما ما عدا ذلك من المسائل الكثيرة التي تلهب الشرق الأوسط، فيبقى رهينة النتيجة المقبلة: فإما وضوح مع كلينتون يتطلّب شهوراً طويلة كي يبدأ تحقّقه، وإما غموض بل عبثية مع ترامب على مدى أعوام مقبلة.

لا تعتمد إسرائيل لتثبيت علاقتها مع الولايات المتحدة على مجرد الحسابات السياسية للحكومات المتعاقبة، بل ان ما يربط الجانبين يتعدى السياسة، فيصل إلى أعماق الثقافة والمجتمع والقيم. بالتالي، فإن التنافر الذي كان جلياً بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم ينعكس على الالتزام الثابت للولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل في محيطها. وفي حين أن ترامب، في تفوهاته المتضاربة، أشار يوماً إلى أنه قد يتّخذ موقفاً محايداً خلال مفاوضات التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإنه في استدراكاته التعويضية، زايد حتى على صقور المؤيدين لإسرائيل في التشديد على اعتناقه مصالحها ومنطق القبضة الفولاذ في مواجهة خصومها. أما كلينتون فحافظت على موقف ثابت يضع العلاقة مع إسرائيل في إطار الديمومة والتوافق المبدئي. فموضوع إسرائيل ليس أمراً خلافياً جدياً بين المرشحَيْن.

في ما عدا ذلك، ثمة مفارقة لافتة في المقارنة بين السياسات التي يتبعها أوباما، وبين التي يتوقع أن يسير بها كل من ترامب وكلينتون. فالموقف الكلامي العلني لكلينتون التي ما فتئت تستدعي الإنجازات المفترضة لأوباما في خطابها للبناء على شعبيته، هو أنها ستتابع سياساته. وكلينتون تكيل المديح لـ «حكمة» أوباما في التعامل مع ملفات المنطقة، لا سيما موضوع إيران. غير أن القراءة الدقيقة لما أفصحت للتوّ عن عزمها القيام به تكشف أنها ستتخلّى عن سياسة التنصل بأية حجة كانت، والتي يعتمدها أوباما، وستسعى إلى قدر من الإقدام بدلاً من الاكتفاء بإدارة الأزمات.

في المقابل، فإن ترامب، في شعبويته الانطوائية وتفسيراته الاعتباطية التسطيحية لما يجري في الشرق الأوسط، وعلى رغم إدانته المتكررة لأوباما واتهامه إياه بأنه المسؤول عن استفحال قضايا يبقى ترامب أعجز من أن يحددها، هو الأكثر ميلاً لأن يسير في توجهات أوباما الانكفائية والتنصّلية. فالحاصل اليوم أن كلينتون تثني على أوباما وتعتزم نقض سياساته، فيما ترامب يذمّه فيما يُنتظر أن يسير على خطاه.

وفي حين أن العامل الشخصي يدخل حكماً في تشكيل المواقف لدى جميع السياسيين، فإنه لدى ترامب يكتسب بعداً جديداً يتجاوز المتعارف عليه، بل يدخل في إطار الحالات المَرَضية. فقد اجتهد القائمون على حملة ترامب لإقناعه بأن هذه الأسابيع الأخيرة من المواجهة الانتخابية تتطلب التركيز على مواطن الضعف لدى هيلاري كلينتون، وهي عديدة وخطيرة، إلا أن الرجل يعجز عن الخروج إلى الإعلام من دون الانغماس في جدل مراهقين للرد على الاتهامات التي تعرّض لها بالتحرش والبذاءة، فيغرق الإعلام بكلام جديد فيه من الترهات والسفاهات ما يضيّع فرصة تفنيد سجل كلينتون. والأهوائية في مواقف ترامب تطاول كذلك السياسة الخارجية. وهو صرّح علناً بأنه حين يتلقى المديح يجيب عنه بمديح مقابل. وبما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرّح بما يندرج في إطار الثناء عليه، فإنه يبدو مستعداً في المقابل للتسليم لبوتين وروسيا في ملفات أوكرانيا وسورية وما يتعداهما. لا مبالغة هنا. فاعتبارات ترامب في صياغته لشعبويته تُلخص في مكافأة الإطراء ومعاقبة الطعن.

ولا بد لإيران من الحذر في هذا السياق، إذ أقدم الرئيس حسن روحاني على إدانة الخطاب السياسي في الولايات المتحدة، شاملاً كلاً من كلينتون وترامب. فالسخط الترامبي قد يلحق بإيران لولا شفاعة بوتين.

وحين تصبح السياسة الدولية مرتعاً للمغامرات الصبيانية، فإن فوز ترامب بالرئاسة سيلحقه تنازل لروسيا في موضوع سورية، ولن يفيد في هذا الصدد أن يسعى بعض الخبراء في طاقمه إلى إقناعه بالعواقب السيئة لذلك، فهم لم يتمكنوا من لجمه عن الإضرار بمسعاه الانتخابي. فإذا فاز رغماً عن تحذيراتهم، فلا ضابط بعدها لسلوكه غير المقيّد، وترامب لتوّه لا يملّ التأكيد على أنه الأذكى والأدهى وما شابه.

وبما أن روسيا تتوقع الحصول على التفويض الكامل في الملف السوري في حال فاز ترامب، فإنها ستستمر في سعيها إلى إسقاط حلب، لكنها قد تعمد إلى النَّفَس الطويل والأقل كلفة في جهدها لتعويم النظام. أما في حال فازت كلينتون، وهو الأمر الراجح، فروسيا ستنشط حكماً لتعزيز مواقعها الميدانية قبل تولي كلينتون الرئاسة في كانون الثاني (يناير) المقبل، وقبل استكمالها تشكيل فريق العمل لسياستها الخارجية وشروعها في تحقيق توجه جدي في الشأن السوري.

إذاً، أيام قاتمة تنتظر سورية بصرف النظر عمن يفوز في الانتخابات الأميركية.

قضايا الشرق الأوسط لا تختزل طبعاً بموضوعي المواجهة الإسرائيلية- الفلسطينية والمأساة السورية. إيران والاتفاقية والتدخلات الخارجية، وتركيا والعلاقة المهتزة بفعل محاولة الانقلاب وما يتعداها، والعراق والحرب المستمرة على «داعش» ومسؤوليات واشنطن في تأزيم أوضاعه، والتواصل المعتل مع دول الخليج، وحرب اليمن، وتصويب العلاقة مع مصر، وضبط الأزمة في ليبيا وحلّها، والمساهمة في تمتين الاستقرار في تونس، وموازنة العلاقة مع الجزائر والمغرب، وغيرها العديد من الملفات لا بد أن تشغل حيّزاً مهماً من جهد الإدارة الأميركية العتيدة ووقتها. وسياسة الولايات المتحدة في كل هذه الملفات تتأرجح ضمن إطار معطيات ومصالح واضحة، ونطاق مواقف رئاسية قابلة للتبدل وفق الاعتبارات والقناعات الذاتية. فتوجهات كلينتون في حال فازت لن تخرج عن هذا الإطار. أما ترامب الذي يعاني إزاء هذه الملفات من الجهل المركّب، فمن العبث محاولة استشراف ما قد يقدم عليه في شأنها. وحده الغموض حينئذ سيكون واضحاً، ووحدها الفوضى ستكون مستقرة.

حسن منينمة

صحيفة الحياة اللندنية