الميليشيات الشيعية تربك خطة إنقاذ الموصل من الدمار

الميليشيات الشيعية تربك خطة إنقاذ الموصل من الدمار

_93609_1

أوقف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة غاراته كليا في سماء محافظة نينوى، وأبقى فقط عددا من طائرات الاستطلاع والرصد، على إثر سماح رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران بشن هجوم على مدينة تلعفر في القاطع الغربي من الموصل.

وترى واشنطن أن مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي في معركة الموصل، تربك الخطة المعدة لاستعادة المدينة من تنظيم داعش من دون تدمير للبنى التحتية ومنع لعمليات الانتقام الطائفية التي سبق وأن ارتكبتها عناصر الحشد الشعبي في الفلوجة وتكريت والأنبار.

وعطلت عمليات المحور الغربي التي تقودها الميليشيات، خطة تحرير الموصل التي أقرتها واشنطن وبغداد، فلم يعد هناك أي محور متاح لخروج عناصر تنظيم داعش من مركز الموصل، بعد تحرك الحشد الشعبي نحو تلعفر.

وتقتضي الخطة ضغطا سريعا على تمركز عناصر داعش من ثلاثة محاور، وترك المحور الغربي مفتوحا، على أمل خروج عناصر التنظيم من مركز الموصل، لتجنب القتال في الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين.

ويشترط التحالف الدولي أن تتوقف عمليات القاطع الغربي خلال أيام، من أجل استئناف الغارات الجوية، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا ممكنا، في ظل إصرار قوات الحشد الشعبي على استكمال العملية بالسيطرة على تلعفر، خصوصا بعد تصريح رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم بأنه “لا أحد يمتلك حق منعنا من تحرير أرضنا من داعش” في إشارة إلى الموقف التركي والأميركي الرافض لمشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل.

وبدأت فجر السبت عمليات الحشد الشعبي في المحور الغربي بقيادة “سرايا عاشوراء” التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، لكنها تعرضت إلى عدد من الكمائن وخسرت عددا من عناصرها، لتتحول قيادة التحرك إلى ميليشيا “النجباء” برئاسة أكرم الكعبي التي دفعت بستة آلاف عنصر إلى الموصل، تساندها عصائب أهل الحق، فيما تولت كتائب حزب الله-العراق، عملية مسك الأرض والتدقيق الأمني لسكان القرى المستعادة.

واعتبر قادة عسكريون عراقيون تقدم عناصر الحشد في اتجاه تلعفر مجازفة كبيرة بلا غطاء جوي أو عربات مدرعة.

ويصف الخبراء العسكريون مهمة الحشد الشعبي في اقتحام تلعفر بالمعقدة جدا، كونها من المناطق المفضلة لتنظيم داعش على مستوى نصب الكمائن واستهداف الأرتال المتحركة، ووجود منطقة البعاج في أطراف هذا المحور على الحدود السورية، يعني أن ميليشيات الحشد الشعبي عليها أن تواجه جبهتين، من اليسار واليمين.

في غضون ذلك أكدت مصادر سياسية رفض العبادي منح ميليشيات الحشد الشعبي في تلعفر أسلحة إضافية، وقال لقادتها “مخازنكم في بغداد مليئة بالسلاح” فيما أكدت قيادات في الحشد الشعبي أن جميع الأسلحة والذخيرة التي بحوزة الميليشيات في مخازن بغداد تم نقلها إلى الموصل يومي الخميس والجمعة الماضيين.

ويتصاعد الجدل بشأن اقتحام ميليشيات الحشد الشعبي مدينة تلعفر، التي تعتبرها ومن خلفها إيران منطقة شيعية ويجب عليها دخولها، فيما يقول أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق المدعوم من تركيا إن كل السكان الشيعة في تلعفر نزحوا إبان احتلال الموصل صيف 2014، ومن بقوا فيها هم السكان السنة الذين يقدر عددهم بنحو 8 آلاف عائلة، محذرا من عمليات انتقامية وتطهير طائفي عند دخول الحشد الشعبي المدينة.

وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوات الحشد الشعبي من مهاجمة التركمان في تلعفر، وقال في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول التركية “إذا قامت ميليشيات الحشد الشعبي بزرع الرعب هناك، فسيكون ردنا مختلفا”، من دون أن يحدد التدابير التي سيتخذها.

ويرى متابعون سياسيون أن الرسالة الأميركية في منع الحشد الشعبي من المشاركة في معركة استعادة الموصل أو الاقتراب من حدود المدينة، تنطوي أيضا على رسالة صارمة موجهة إلى إيران مفادها أن المدينة في حالة تحريرها لن تنضم إلى ما صار يُسمى بالعراق الإيراني.

ويصف مراقب سياسي عراقي الصمت الإيراني تجاه الرسالة الأميركية بالمريب، موضحا أن الخطة الأميركية لم تستهو الإيرانيين، “لذلك عمدوا إلى محاولة إفساد تلك الخطة من خلال اللجوء إلى اختلاق قصة تلعفر، انطلاقا من منظور طائفي، غير أن المنظور الحقيقي كان عسكريا”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “المحور الذي تقع فيه تلعفر كان سيترك مفتوحا، حسب الخطة الأميركية، وذلك من أجل تسهيل فرار مقاتلي داعش من المدينة المحاصرة من ثلاث جهات، وهو ما كانت تأمله قيادة العمليات المشتركة، غير أن إغلاق المحور الغربي من قبل الحشد الشعبي قد أربك الخطة، التي كانت تعتمد في الجزء الأكبر منها على إخلاء المدينة المحاصرة من مقاتلي داعش تفاديا لوقوع خسائر بشرية”.

وكما يبدو فإن معالجة الضرر الذي ألحقه التدخل الإيراني من خلال الزج بالحشد الشعبي في معركة تلعفر لن تكون متاحة في ظل الاستمرار المكثف لعناصر داعش في مختلف أحياء الموصل واضطرارهم إلى خوض القتال حتى الموت، وهو ما يعني أن المعركة في حال استمرارها ستتحول إلى حرب شوارع، بكل ما يمكن أن تلحقه تلك الحرب بالمدينة من خسائر بشرية ومادية كبيرة.