هدنة حلب… روسيا ترمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي

هدنة حلب… روسيا ترمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي

31qpt470

روسيا ترمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي وتعلن عن تمديد هدنة حلب التي اعلنتها من طرف واحد دون تحديد سقف زمني لها.
بينما يبحث جنرالات امريكيون عن تواجد محدود لهم في سوريا حسب قول الجنرال ستيفن تاونسند‎، أن الولايات المتحدة تحاول إيجاد موطئ قدم بسيط لها في سوريا. ورجح أن تستغرق استعادة السيطرة على مدينة الرقة السورية بصورة نهائية من تنظيم الدولة وقتا أطول مما تقتضيه معركة الموصل.
في الأثناء صوت مجلس حقوق الإنسان في جنيف، على بدء تحقيق مستقل حول حلب لتحديد كل المسؤولين عن الانتهاكات. بالتزامن مع تشكيل الأمم المتحدة لجنة تحقيق في الهجوم على قافلة إغاثة قرب حلب في 19 سبتمبر/أيلول الماضي.
وقد سبق هذا كله مجلس الأمن الدولي بأن اعتمد تقريرا لآلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، وفقا لقرار المجلس رقم 2235 الصادر عام 2015.
لجان جديدة تضاف إلى سلسلة سبقتها من لجان التحقيق الخاصة بالشأن السوري، منها لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية التي أنشأها نفس المجلس في 22 آب/أغسطس 2011 وقدمت العديد من التقارير حول الاوضاع المأساوية في سوريا دون أن تلقى هذه التقارير تحرك دولي عاجل بعيداً عن قلق بان كي مون المزمن الذي رافقه طول فترة وجوده على رأس منصبه الاممي.
كما اعتمد مجلس حقوق الإنسان في جنيف قرارا بشأن «تدهور حالة حقوق الإنسان في سوريا، وطالب القرار جميع الأطراف في النزاع السوري، ولا سيما السلطات السورية وحلفاءها.
ويظل السؤال حائراً ماهي الخطوة التالية التي سيقدم عليها المجتمع الدولي عبر مجلس أمنه أو خارجه. هل هناك بالفعل ما يمكن للمجتمع الدولي القيام به بعيدا عن الفيتو الروسي وسجالات مجلس الأمن والانتقاد والانتقاد المضاد والرد على الانتقاد.
ويغرق الجميع في بحر من السجال العقيم، الذي لا يفيد منه الشعب السوري المحاصر في ريف دمشق والمقتول في حلب وما بينهما من مناطق على خريطة الحمى السوري المستباح من قبل تحالفات دولية وأخرى مسكوت عنها دولياً «ميليشيات ايران».
روسيا تعلن موعد بدء الهدن في سوريا وتمددها ساعات ثم تعلن انقضاء اجلها ثم تعلن أنبعاثها من جديد دون تحديد موعد لنهايتها، برغم أنها ولدت ميتة وعاشت في سرير الإنعاش الأمريكي الذي مازال يستجدي أي بارقة أمل يتمسك بها تنقذ إدارته العرجاء من أي احتمال لو كان ضعيفا جداً، يجبرها على اتخاذ تدابير في سوريا من شأنها قلب الطاولة على الروس وحلفائهم في سوريا أو من شأنها أن تدفع الروس لإعادة النظر لو جزئياً في خياراتهم الدموية في سوريا وترحيل الملف برمته للإدارة الامريكية المقبلة.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في تصريحات نقلتها وكالاتُ الأنباء الروسية قال فيها أن الهدنة َالتي انتهت السبت فشلت في تحقيق غايتها من اجلاء الجرحى و المدنيين من أحياءِ حلب الشرقية و المحاصرة بسبب عدم ِالتزام أطرافِ النزاع بها.
عندما تقول روسيا أن الهدنة الإنسانية المزعومة التي اعلنتها فشلت بتحقيق مقاصدها، بسبب عدم التزام أطراف النزاع السوري، علينا هنا أن نتوقف ملياً ونتساءل أين تضع روسيا نفسها في الخريطة السورية هل هي تتموضع بجانب نظام دمشق أم أنها تلتزم الحياد ؟.
أما الحياد الروسي فهذا غير مقبول نصاً وعقلاً، فلا تكاد تخلو نشرة أخبار دولية أو محلية ولا صفحات الجرائد اليومية من خبر يتحدث عن مجازر الطائرات الروسية بشكل يومي واعتيادي.
وإذا أقرت روسيا بعدم التزام اطراف النزاع السوري فهي تدين نفسها فهي على وجه الحقيقة من يقود العمليات الحربية ضد الشعب السوري لصالح نظام دمشق ولمصالحها الخاصة بل هي رأس حربة في قهر وذبح وتهجير ملايين السوريين ومتهمة بارتكاب جرائم حرب ومازالت الانتقادات تترى على روسيا وتستهجن همجيتها في سوريا وسياسة الأرض المحروقة التي تتبعها.
ما الذي رنت إليه روسيا من خلال إعلانها عن هدنة حلب. بكل وضوح روسيا لا يعنيها بحال من الاحوال التدهور الشديد في ملف حقوق الانسان في حلب وغيرها من المدن والبلدان السورية وأنها متهمة بشكل مباشر بارتكاب جرائم حرب واستهداف المستشفيات والمدارس في حلب وعموم سوريا.
الحقيقة الواضحة للعيان أن روسيا حاولت امتصاص تصاعد لهجة الخطاب الموجه لها على خلفية جرائمها في حلب، بإعلان هدنة من طرف واحد مددتها ثم اعلنت انقضاءها.
في غمار انشغال المجتمع الدولي في كيل التهم للروس وعقد المؤتمرات واللقاءات الثنائية والرباعية من جنيف إلى برلين مروراً ببروكسل ولوزان فلنـدن.
لا يخفى على مراقب النوايا من وراء الهدنة الروسية المزعومة في حلب، رمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي بالقول أننا دعونا إلى هدنة إنسانية من جانبنا لكن الاطراف الأخرى المدعومة من قبل الجانب الأمريكي والأطراف المحلية والأوروبية لم تلتزم بما عليها وأن أمريكا وحلفاءها المحليين والدوليين لم يفلحوا بالقيام بما يجب عليهم، اجبار المعارضة بالقبول بالشروط الروسية على رأسها فصل قوات المعارضة المعتدلة عن الأخرى المتطرفة بحسب التصنيف الروسي.
أرادت روسيا من خلف هذا كله إحراج امريكا، وإحداث شرخ بين الفصائل العارضة وقاعدتها الشعبية التي تتطلع لتوحيد كل الفصائل المسلحة والاندفاع نحو دمشق ولا ترغب في متابعة مزيد من التقاتل بين تلك الفصائل.
وعملت روسيا على استغلال الوقت المتاح لها في حشد مزيد من قواتها على كل المستويات البحرية والجوية والبرية.
كثيرة هي التقارير التي اشارات إلى أن روسيا ارسلت مزيدا من مدمراتها وبوارجها البحرية في مقدمتها حاملة الطائرات الروسية الوحيدة الأميرال كوزنتسوف، التي تحمل طائرات مقاتلة والسفينة الحربية بيوتر فيليكي، التي تعمل بالطاقة النووية وتعود للحقبة السوفيتية. ومن هذه التقارير ما نقلته وكالة رويترز عن دبلوماسي كبير في حلف شمال الأطلسي، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه «ينشرون كلاً من أسطول الشمال وجزءاً كبيراً من أسطول البلطيق، في أكبر انتشار بحري على السطح منذ نهاية الحرب الباردة».
التقارير المذكورة تشير إلى شيء واحد مفاده أن الروس يستعدون لحملة ابادة شاملة لا تبقي ولا تذر على حلب ومحيطها حتى ادلب. تقضي بشكل نهائي على تواجد الفصائل السورية المعارضة لنظام دمشق وتثبت وجوده، وفرض أمر واقع على أي خيارات آخرى سواءً في جنيف وغيرها من المؤتمرات الدولية الهادفة لإنهاء الوضع القائم في سوريا، هذه المرة حسب المزاج الروسي الذي وقع رئيسه فلاديمير بوتين، القانون الخاص بالمصادقة على اتفاقية نشر قوات جوية حربية روسية في الأراضي السورية بشكل دائم.
لا يبدو أن روسيا في وارد تقديم أي تنازلات في الملف السوري بل هي تستغله في البازار السياسي الدولي من بحر الصين مروراً بصنعاء وصولاً للبلطيق.
بينما تنشغل امريكا في انتخاباتها الرئاسية وفضائح مرشحيها، والتخطيط لأستغلال كل الظروف في حربها الكونية على تنظيم الدولة في الموصل تمهيداً لمعركة الرقة. ولا تريد أن تفكر بأي شيء أخر يعكر مزاج مخططيها لحملة الاطاحة بآخر معقل للتنظيم في الرقة السورية.
تجد أوروبا نفسها مضطرة لإتخاذ إجراءات وقائية لمواجهة التغول الروسي وعدم المبالاة الامريكية في كبح جماحه.
ومن خلفها حلف شمال الأطلسي، الذي دعا، أعضاءه للمساهمة في أكبر حشد عسكري على الحدود الروسية منذ الحرب الباردة، تعبيراً عن مدى الرعب الأوروبي من التوحش الروسي واستغلال الظروف الدولية الناتجة عن سياسة اوباما من الانسحاب من السياسة الخارجية الدولية والانكفاء على الداخل الأمريكي وبعض الشيء في منطقة بحر الصين.
بينما اكتفى الأمين العام لحلف شمال الاطلسي، روسيا «لوقف عدوانها على سوريا»، والسماح بالعمليات الإنسانية.
في دعوة تثير الشفقة على الحال الذي وصل اليه الحلف الأكبر في العالم أمام الأطماع الروسية.

ميسرة بكور

صحيفة القدس العربي