رئاسة فرنسية منكودة

رئاسة فرنسية منكودة

هل يعيد فرانسوا هولاند ترشيح نفسه لولاية ثانية؟ للإجابة عن هذا السؤال، قال «ستيفان لوفول» الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية وصديق هولاند المقرب جداً «هذا قرار يتخذه الرئيس بنفسه، وقد حدد موعداً لذلك، وهو يلتزم بموعده». أمّا الموعد المقصود بكلام الوزير، فهو في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. إذ سبق لرئيس الجمهورية أن وعد بالكشف عن توقيت إعلانه في الشهر المذكور. لكنه اشترط للترشيح أن تكون أزمة البطالة قد بدأت بالتراجع، وأن يكون حجم العاطلين عن العمل قد انخفض بنسبة ملحوظة.
الواضح، حتى الآن، أن أزمة البطالة مازالت مقيمة، وأن لا تراجع يُذكر في حجم العاطلين عن العمل، إلّا أن الخبراء يعتقدون أن مشكلة البطالة قد تصبح أقل وطأة بفعل الإجراءات الضخمة التي اتخذتها الحكومة على جناح السرعة، إذ قررت إعادة تأهيل 500 ألف عاطل عن العمل، ويرجح أن يؤدي تأهيلهم إلى تراجع نسبة العاطلين، وبالتالي إتاحة المجال لهولاند أن يرشح نفسه. لكن هل يملك هو في قرارة نفسه دوافع جدية للترشح، وهل يأمل للحظة واحدة أن يفوز برئاسة الجمهورية؟
الجواب البديهي عن السؤال هو أن هولاند يعتبر رئيس الجمهورية الأسوأ حظاً في تاريخ الجمهورية الخامسة، ولهذا السبب ترى أسهمه لدى الرأي العام مستمرة في التدهور، وقد وصلت إلى 12 في المئة، ولربما أقل من هذه النسبة، إذا ما استندنا إلى استطلاعات رأي متشددة في معاييرها.
وقد حاول هولاند أن يكون صادقاً مع الرأي العام، وبالتالي أن يروي تفاصيل رئاسته بطريقة شفافة في كتاب مع صحفيين محترفين التقيا به خلال السنوات المنصرمة سراً. لكن نشر الكتاب جاء بنتائج سلبية، وزاد في انصراف الرأي العام عنه. ويقول أحد مؤلفي الكتاب إن هولاند كان سيبادر للتمهيد لترشيح نفسه مع صدور الكتاب في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنه صرف النظر عن هذا التوقيت، بعد أن استطلع ردود الفعل السلبية التي ترافقت مع صدور الكتاب. أضف لذلك سوء التدبير والارتباك الذي نجم عن صدور الكتاب، وإعطاء الرئيس مقابلة صحفية لمجلة أسبوعية يتحدث فيها عن بعض أسراره في الحكم، وفي الكتاب، فكأنه يضرب نفسه بنفسه بإساءته توقيت وموضوع النشر.
تبقى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن المجموعة الاشتراكية التي ساندته في الحكم، ليست مستعدة بقسم مهم من عناصرها في البرلمان، ومجلس الشويخ لخوض مغامرته، وبالتالي الغرق معه. وهذا عنصر آخر من العناصر المعيقة لترشيحه، ويبقى الوقت وهو العنصر الأهم، فهناك أقل من 7 أشهر تفصلنا عن رئاسيات العام 2017، فكيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يستفيد من هذا الوقت لتوفير شروط النجاح، وهو في مثل هذا الموقع الضعيف؟
هولاند يأنف الإجابة عن هذا السؤال، لكن آخرين ممن صاروا «هولانديين» في ربع الساعة الأخير، يرون أن حظوظه بالفوز مرتفعة باعتبار أن لا شخصية أساسية تنافسه في اليسار والحزب الاشتراكي، وأن وزير الاقتصاد إيمانيول ماكرون، المستقيل تواً، ليس محسوباً على اليسار، في حين لا يبدو مانيويل فالس، رئيس الوزراء مستعداً لترشيح نفسه، في حين يحصل المرشح الراديكالي، إرنو دومونبورغ، على أقل من 20 في المئة من المؤيدين. وإذا كانت النسبة الأكبر من التأييد تصب في خانة مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلونشان، فإن استطلاعات الرأي تتوقع هزيمة الطرفين، بمواجهة مرشحي البيت اليميني. ولعل أنصار هولاند يراهنون في ترشيحه على استقطابات المعركة الانتخابية بين يمين متطرف بزعامة مارين لوبان ونيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية السابق. في هذه الحال يصبح هولاند مرشح التسامح والابتعاد عن خطر اليمين العنصري المتطرف. وقد سبق للفرنسيين أن عاشوا مثل هذه الظروف في عهد الرئيس الراحل فرانسوا متيران الذي فاز بالانتخابات بسبب تنازع خصومه، وليس بفضل إنجازاته.
يفيد ما سبق أن رئيس الجمهورية الفرنسي، ليس المرشح اليساري الأهم للانتخابات الرئاسية المقبلة، بل ربما يكون المرشح الأسوأ، الذي يجب أن يتيح الفرصة لمرشحين أوفر حظاً وأقل سوءاً بالنسبة لليسار منه، وهناك من يعيد طرح اسم سيغولين رويال زوجة هولاند الأولى التي لا ترفض العرض وترهنه بامتناع زوجها السابق عن الترشح، لكن رويال لا تختلف عن «طليقها» في حظوظها التي تكشف عنها استطلاعات الرأي، حيث من المتوقع أن تهزم بمواجهة المرشحين اليمينيين الأكثر حظاً أي نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه.
الخلاصة الثانية في هذا الاتجاه تكمن في أن الحزب الاشتراكي الفرنسي قد يُهزم من الدورة الأولى في الانتخابات، وبالتالي يحرم من المنافسة في الدورة الثانية التي ستكون محصورة باليمين المتطرف ويمين الاعتدال، وإن تم ذلك، فإن اليسار سيتراجع للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة، إلى موقع هامشي هو الثالث، فيما يحتل الديغوليون المرتبة الأولى، واليمين العنصري المرتبة الثانية. وقد لا يكون هذا التوزيع مفيداً لأحد، وبخاصة لليمين المعتدل الذي سيكون عليه في حال فوزه أن ينافس اليمين العنصري، وأن يضطر لتبني بعض شعاراته، وبالتالي كسر الطوق المضروب حول العنصريين، و فتح الطريق أمامهم لكي يتولوا الرئاسة ذات يوم، وهم إن فعلوا ستقف فرنسا معهم على حافة الهاوية. بالانتظار يبدو أن رئيس فرنسا المقبل سيكون آلان جوبيه مرشح الديغوليين الذي تشير استطلاعات الرأي إلى نجاحه في مواجهة كل الخصوم والمنافسين المحتملين.

فيصل جلول

صحيفة الخليج