‘قادمون يا نينوى’.. رسم للخرائط الطائفية من العراق إلى اليمن

‘قادمون يا نينوى’.. رسم للخرائط الطائفية من العراق إلى اليمن

_93751_dd3

المعارك التي تخاضُ على أرض العراق ضد عناصر تنظيم داعش، والتي يفترضُ أن تخوضها القوات النظامية التابعة للدولة، دفاعا عن أراضيها وحماية لمواطنيها، أصبحت محل تجاذب قوى طائفية لا تقل تطرفا عن تطرف داعش.

المعركة في العراق، وإن اتفق الجميع على مشروعيتها السياسية والميدانية، إلا أنها أفرزت تعبيرات ومشاهد نأت بها عن مبادئها المتصلة أساسا بالوطن.

مشاركة الحشد الشعبي، وهو ميليشيا طائفية تأسست بناء على فتوى مذهبية وبناء على منطلقات طائفية، فضلا عما تلفظ به زعيم حزب إسلامي “حاكم” في العراق من شعارات موغلة في التطرف الطائفي، معالم سياسية توحي بأن التشديد في الحرب على داعش يوجه إلى مرامي خاطئة، أو صائبة فقط في نظر التصويب الطائفي للمعركة.

عندما حبّر نوري المالكي، شعاره “قادمون يا نينوى” فإنّ ذلك يعني في وجهه الآخر “قادمون يا رقة.. قادمون يا حلب.. قادمون يا يمن”، خلال مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي انعقد في بغداد، السبت 22 أكتوبر 2016، كان يترجمُ النظرة الإيرانية إلى المشهد العربي، وكان يرسم خارطة متخيلة في المتصور الإيراني، وكان يضع تعريفه المخصوص للإرهاب والتكفير.

وجود قاسم مشترك بين قتال التنظيمات التكفيرية وفق المالكي وبين الخارطة الإيرانية المشتهاة للمنطقة

الفعالية التي جاء في إطارها “شعار” نوري المالكي هي “مؤتمر للصحوة الإسلامية”، وهي فعالية لم تفصح عن هواها الإيراني الواضح، إلا أن الفعاليات التي سبقتها وطبيعة الحضور (رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري ورئيس الائتلاف الوطني العراقي عمار الحكيم ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي وشخصيات أخرى)، والكلمات التي ألقيت، تشي جميعها بأن المؤتمر يسعى إلى توفير دعم فكري وديني وعقائدي للسياسة الإيرانية.

في هذا السياق كان شعار المالكي الذي أطلقه في إطار شكره للجمهورية الإسلامية وللمرشد الإيراني، رسما دقيقا لخارطة الانتشار الإيراني في المنطقة العربية الإسلامية: نينوى والرقة وحلب واليمن، أي حيثما تواجدت الأصابع الإيرانية، أما اعتبار أن كل تلك الجبهات هي معركة واحدة، فهو اعتراف “مالكي” صريح بأن إيران تخوض كل تلك المعارك مدججة بمنطلقات واحدة تصنف من خلالها حلفاءها وخصومها.

المالكي الذي فتح النار على “الإرهاب التكفيري” الذي لم يستثن أي تيار إسلامي، تغاضى عن الأسباب المباشرة والبعيدة لظهور تنظيم داعش، ولئن كانت سياقات متداخلة أدت إلى نشأة التنظيم الأكثر عنفا وتطرفا في التاريخ الإسلامي، بعضها يعود إلى ما ترسب في التراث العربي الإسلامي من مفاهيم شاذة وغريبة، فإنه لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إفرازات من قبيل داعش وما على شاكلته، إلا أن طيّ صفحة العاشر من يونيو 2014، حيث كان نوري المالكي رئيسا للحكومة العراقية، بكل ما يعنيه المنصب من صلاحيات، حيث انسحبت القوات العراقية بطريقة فاجأت عناصر داعش وصدمت عموم الشعب العراقي والمتابعين، كان تطاولا على التاريخ واستعدادا للدوس على الجغرافيا. والخلاصة أن المالكي باستبعاده إثارة لحظة العاشر من يونيو كان يتبرأ من الأسباب المباشرة، ويتعجل جني قطاف نتائج المعركة.

عندما وظف نوري المالكي فعل “قادمون” وقَرنه بفضاءات مختلفة (نينوى والرقة وحلب واليمن) لم يحدد القادمين ولم يحدد الدواعي والكيفيات ومشروعيات التدخل خارج الفضاء العراقي، والحل الوحيد لتفكيك الالتباس المتصل بـ“قادمون” هو أنه يقصد الإيرانيين، الذين يفترض انتقالهم من جبهة إلى أخرى، و”في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون الذين يريدون الارتداد عن الفكر الإسلامي”. “القادمون” والفضاءات الجغرافية العديدة، واستدعاء شعار ينتمي إلى أدبيات جهادية لا تختلف في شيء عن الشعارات التي يوظفها تنظيم داعش لإسباغ مشروعيات دينية ومذهبية على المعارك التي تخاض في أكثر من ميدان، كلها عناصر وأبعاد تضفي على رسالة المالكي إلى مرجعيته المزيد من الدلالات السياسية، وتحوّل “الحماس” الذي يشوبها إلى رؤية أيديولوجية متكاملة، ومنسجمة في ذات الوقت مع الرؤية الإيرانية.

هنا نتلمس وجود قاسم مشترك بين قتال التنظيمات التكفيرية (وفق توصيف المالكي والمسوغات الإيرانية) وبين الخارطة الإيرانية المشتهاة للمنطقة؛ الخارطة طائفية مذهبية بالأساس، والتركيز الإيراني على تحويل وجود طبيعي للطائفة الشيعية إلى نعرات طائفية لا تعير اهتماما للوطن.

والفرق أن وجود الطائفة لا يمثل مشكلة سياسية إن احتواها الوعاء الوطني، لكن شحنها وحقنها بدعاوى سياسية دينية، يحولها إلى إشكال يهدد الوطن والتنوع في آن معا.

شعار المالكي الذي أطلقه في “مؤتمر للصحوة الإسلامية” ليس مجرد حماس يسود زمن ما قبل المعارك، بل هو رسالة سياسية كثيفة المنطلقات والمقاصد. ولعل ما أثاره الشعار من سجال ورفض وتنديد، دليل على أن زعيم حزب الدعوة “العراقي” يقدّم ترجمة للتهديد الإيراني بأنهم “قادمون”، وأن لحظة ما بعد داعش لن تكون أيسر مما سبقها.

شعار “قادمون يا نينوى” يلخص لوحده ما يسود المنطقة وما ينتظرها، وأيا كان مدى تحقق الشعار من عدمه، فإن ذلك لا يحجب أن القادمين الطائفيين يرون العراق، والمنطقة بأسرها، ثمارا أينعت وحان قطافها.

عبدالجليل معالي

صحيفة العرب اللندنية