معركة الموصل في الأرض الحرام للمشاريع الدولية

معركة الموصل في الأرض الحرام للمشاريع الدولية

580f1861c461882f528b458d

عجز حكومات الاحتلال المتتالية عن السيطرة على الفوضى السياسية، على افتراض ضعفها في أداء واجباتها وليس تواطئها هو ما أوصل العراق، حتى مع خوض جيشه النظامي لمعركة تحرير الموصل من قبضة إرهاب داعش، إلى مجموعة من الانقسامات أو المطبات أقرب إلى اجتياز القطعات لحقول ألغام سياسية تتفجر في كل الاتجاهات في الأهداف والرؤى، وإن بدت الموصل كمركز يلتقي عنده الفرقاء، وخلف ظهر كل واحد منهم تختفي المشاريع والغنائم أو طموحات مطلقة السراح، كان للتوافق وبقايا خيوط عملية سياسية تمت حياكتها من أحلام ما قبل الاحتلال، أثر في مجاملات تقاسم مخيلة السلطة قبل أن تصطدم بالواقع.

تتحرك المادة 140 من الدستور العراقي وبعد 9 سنوات من تجاوز مدتها المنصوص عليها في الفقرة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وبالموازاة تتقدم القوات الكردية (البيشمركة) في القاطع الشرقي والشمالي من الموصل، لكن حركتها تحصل في عقول الساسة الأكراد دون أن يتحكموا في لجمها ولو للفترة التي سيستغرقها تنفيذ الواجبات المناطة بهم في الصفحات الأولى من المعركة، مع ما صدر عن قياداتهم بعدم المشاركة في اقتحام مركز المدينة.

مفردة الاستقلال وتطبيق المادة 140 المتعلقة بمصطلح المناطق المتنازع عليها، وما جرى على الأرض من تجاوزات على العرب وتبليغ النازحين بالترحيل القسري وأغلبهم يقيمون في المخيمات بمناطق “رحيم آوه و5 حزيران” ومنهم 200 أسرة بحجة رد الفعل على هجوم المجموعة المسلحة على كركوك بعد يومين من بدء الهجـوم على الموصل؛ أدت إلى تحـذير منظمة حقـوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من الخروقات بعد إقدام القوات الأمنية الكردية على استخدام الجرافات وهدم العشوائيات التي تؤوي المواطنين الهاربين من مناطق النزاعات المسلحة.

الواقع الكردي ونتيجة للضغوط الدولية لما تحتمه معركة الموصل، حقق التقارب في التصميم الفني لإنجاز العرض المطلوب، وفصله الأول طرد تنظيم داعش من نينوى تحـديدا، وهي منطقـة تفتقد لخطوط الدفاع الرصينة، لاعتماد التنظيم الإرهابي على العمليات الانتحارية وحرب المعرقلات، ومعظم المدن في السهل خالية من السكان كما في برطلة والحمدانية وكذلك في تلكيف وأيضا في قضاء بعشيقة الذي تتواجد بقربه قاعدة للقوات التركية.

القاعدة التركية هي لغم آخر في الواقع السياسي العراقي لسوء إدارة الأزمات الكبـرى وغيـاب كيـان الـدولـة وفشلهـا الإداري وسياستها الخارجية في التمهيد المتوازن لخلق ظروف معـركة نـاجحة على كـافة محاور الاستعدادات والاستعانة بكل جهد يخدم تحرير المدينة، ويوفر احترام سيادة الدولـة على أراضيهـا ويضمـن صناعـة فـرص لتفاهمات مبنية على حسن الجوار وحل المشاكل العالقة بحسب الأولويات.

العلاقة بين إقليم كـردستان وتـركيا، علاقة مختلفة عن مركز القرار العراقي وتركيـا، والمشـاكل مختلفـة ومتبـاينة. فـالأكراد عموما، في العراق وسوريا وتركيا مع عزل أكراد إيران حاضرا لأنهم في معزل جغرافي عن الصراع الدائر في العراق وسوريا، وما تعنيه مشاركة الأكراد في الشمال السوري بقوات سوريا الديمقراطية أو اتهامات تركيا للحكومة العراقية بدعم حزب العمال الكردستاني ووضع سنجار كمقر عسكـري لأحـد فصائله وتمـويله، كل ذلك يضعنـا في الحسابات الإيـرانية مبـاشرة.

تركيا وإيران تمضي علاقتهما اقتصاديا ودبلوماسيا بعيدا عن خط سير المشروع الإيراني في المنطقة الذي يبدو في قمة انتعاشه، وهنا مكمن احتمال الكبوات والسقطات، لأنه ينتشي بسلبية ما يحققه على الأرض من كراهية الشعوب بمساعدة الروس والأميركان أيضا؛ رغم الاختلافات الواردة في المواقف الأميركية وما تعودنا عليه من إدارة الرئيس باراك أوباما.

توقّف العمليات الجوية لقوات التحالف لمدة يومين لأسباب تمت الإشارة إليها، ووصفت لتحصين المواضع المتحققة في التقدم بمعركة الموصل وتدعيمها، لكنها ربما تكون قرارا لمراجعة بدء الحشد الطائفي لتقدمه في مساره المرسوم باتجاه مدينة تلعفر المثيرة للجدل واحتمال كبير بعدم توفر غطاء جوي من قبل قوات التحالف، وعلى الأرجح ستتم معالجة هذا النقص بالطيران العراقي.

مدينة تلعفر تقع غرب الموصل، أي في منطقة تراجع قوات تنظيم داعش من الموصل أو تجهيز صفوفها بقوات مضافة من الرقة، وتلعفر يسكنها 400 ألف نسمة 90 بالمئة منهم تركمان والأقلية منهم من الطائفة المذهبية التي تتحكم بالسلطة في العراق وهم بدورهم يتحكمون في النسبة الأكبر من التركمان بدعم واضح من حزب الدعوة والميليشيات الإيرانية التي باتت تشكل ما يعرف بالحشد الشعبي، وفي تلعفر أقليات أخرى من العرب والشبك والإيزيديين.

حذرت تركيـا من الانتهاكات تجاه مكونات تلعفر في حالة سيطرة الحشد الطائفي على المدينة، وهي معركة في كل الأحوال لن تكون يسيرة لصعوبة الأرض أثناء التقدم إليها، لكن معطياتها السياسية تتناغم مع الطروحات الإيرانية والروسية أيضا، فهي ستقطع الطريق على التداخل الزمني لمعركة الرقة مع انفتاح معركة الموصل، وهو نزوع اقترحه وزراء دفاع حلف الناتو في اجتماع باريس مؤخرا، في حين عبرت روسيا عن استيائها من دفع أعداد من المسلحين للهرب باتجاه سوريا والتحصّن في الرقة.

الموصل، معركة إقليمية ودولية تضع إيران في شبكة العناكب على الحدود التركية، وضمن تقاطعات المسلحين الأكراد على الأرض السورية والعراقية وما بينهما من دعم أميركي مقيد لمجموعة كردية، تارة تمنحها الصلاحيات ثم تسحبها في استجابة لإصرار وحسم تركي، فإذا ما حصل أي اشتباك، وهذا جائز، بين ثأر وانتقام طائفي لقوات الحشد مع سكان مدينة تلعفر ورد فعل للقوات التركية، فإن نظام الملالي في إيران سيبادر إلى الانطواء على لغته الدبلوماسية الخاصة بجغرافيته السياسية، ليقدم وجهه الرافض للتدخل في القرار العراقي وهي محاولات دأب عليها في احتلال الدول والتوسع في مشروعه القومي الطائفي مستغلا ثغرات القانون الدولي للاحتيال على العالم، بتسخير الفصائل الطائفية لتغيير موازين القوى والحكومات لصالح مشروعه دون إدانات صريحة وإجراءات مضادة فيما لو تحركت جيوشه لاحتلال أراضي الغير بالقوة.

الخيال في العراق والمنطقة هبط على أرض الواقع مع معركة الموصل، وبوصول علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي لحضور مؤتمر “الصحوة” الإسلامية للمشروع الإيراني، وبإطلاق نوري المالكي لقطعان الطائفية لتصول وتجول تباعا في المدن العربية من الموصل إلى حلب إلى اليمن، وتطبيقات منهجية في إعلان فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العراقي عن إرسال الحشد الطائفي بعد معركة الموصل إلى سوريا وإلى أي مكان آخر ستقرره حتما المـرجعيات الإيـرانية لنظام الحكم في العراق.

المشاريع ستصطدم بين دول تحتضن بعضها تحت بند تعايش التجارة وتبادل الواقعية السياسية، وتحت بند آخر يتبادل فيه الدخلاء على أرضنا الفتوحات والنزاعات وأنخاب الدم على أكداس الخرافات المشدودة إلى قوس بالغ التوتر.

حامد الكيلاني

صحيفة العرب اللندنية