ميشال عون رئيسا.. العصر الجديد من إدارة حزب الله للبنان

ميشال عون رئيسا.. العصر الجديد من إدارة حزب الله للبنان

nasrallah__aoun__400

بعد مرور عامين ونصف من الانغلاق السياسي في لبنان من دون رئيس للبلاد، انتخب أعضاء البرلمان اللبناني، الإثنين الماضي، رئيسًا جديدًا يُعرف عنه مواليته لزعيم تنظيم “حزب الله”.

يا له من تطور سياسي مذهل، حتى وإن كان في بلد مشهور بتشابك علاقاته السياسية الطائفية وصفقاته السياسية الفاشلة والتدخل الأجنبي المستمر في شؤونه الداخلية. والأخطر من ذلك، أنه يمنح إيران الفرصة لتطبق قبضتها على منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر، داعمًا بذلك سيطرتها الإقليمية على حساب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

تزخر قصة “ميشال عون”، رئيس لبنان الجديد، بالعديد من الرموز الديناميكية عبر الشرق الأوسط. فقد رفض السياسيون اللبنانيون ذو الميول الغربية بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري، والحاصلون على أغلبية مقاعد البرلمان، ترشحه لرئاسة لبنان. وأصروا على أن يؤدي المشرعين واجبهم بالمشاركة في البرلمان وانتخاب رئيس للبلاد. ولكن قوبلت هذه القرارات بمقاطعة تنظيم “حزب الله” وحلفائه لمؤسسات الدولة، فتوقفت جميعها عن العمل تمامًا حتى رضخ الحريري لهم.

كان من الممكن أن يطغى الأغلبية البرلمانية ذات الميول الغربية على العرقلة غير الشرعية من قبل إيران وحلفائها في حرب الاستنزاف السياسي، ولكن مع الأسف، تخلى الجميع عنهم وحرموا من أي مساندات سياسية ومالية. وبينما كان حسن نصر الله، زعيم تنظيم حزب الله، يتباها مرارًا وتكرارًا بالمساعدات العسكرية والمالية الوفيرة التي ينالها حزبه من قبل طهران، تخلى الجميع عن الحريري، فأصبح غير قادر حتى على سداد مرتبات من يعملون معه.

ومن المؤكد أن العديد من العوامل المحلية، بما في ذلك عدم الكفاءة السياسية وسوء الإدارة المالية، لعبت دورًا مهمًا للوصول إلى هذه المرحلة، ولكن مما لا شك فيه، أن سحب التمويلات الأجنبية الداعمة لنظامه، نتج عنها تغيير ملحوظ جدًا، أجبر الحريري وحلفائه على الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين بعدما تخلى أوباما عنه، بانشغاله بانتهاكات إيران في المنطقة، وانشغال القيادات السعودية بإصلاحاتها الداخلية وحربها على اليمن. ولتستمر الحياة، أجبر الحريري على أن يشارك حزب الله في إدارة شؤون لبنان.

ومن المحتمل أن يكون الحريري رئيس الوزراء، وفقًا للاتفاقية، ويخصص العديد من المناصب المهمة في الوزارات لصالح حلفائه، ولكن يجب أن تعلم أن هدفه الرئيسي من وراء سيطرتهم على مقاليد السلطة هو التأكد من أن تتخطى المؤسسات اللبنانية هيمنة إيران المتزايدة.

فمن الآن صاعدًا، يجب أن يعلم أن التحدي القادم لصانعي القرارات الأمريكية والعرب، هو تحديد كيفية التعامل مع دولة وقعت تحت سيطرة تنظيم إرهابي. ومن الواضح أنها خطوة كبيرة للوراء، ولكنهم لم يفقدوا الكثير، فما زالت لديهم القدرة على موازنة مجريات الأمور.

ويُعد “عون” شخصية براجماتية، مندفعة ذات تاريخ طويل من تغيير التحالفات. وكرئيس للبنان يجب أن تنصب اهتماماته على الإدارة الناجحة، بينما يؤكد على كونه زعيم مسيحي لبنان دون منازع. فهو بالطبع أنه يعي قدرة إيران وحزب الله على الإطاحة بمركزه الرئاسي، ولكن يجب أن ينال فرصته لإعادة ضبط أموره من خلال موقعه كرئيس للبلاد.

وقاد “عون” القوات المسلحة اللبنانية قبل أن يجسد منصبه الجديد كسياسي. فقط أثرى صورة له، تعبر عن كونه مدافع عن الجيش اللبناني، وهو ما ساندته الولايات المتحدة الأمريكية بمليارات الدولارات خلال العقد الماضي. وستكون بمثابة قصمة لظهره إذا ما قررت الإدارة الأمريكية القادمة تقليص المساعدات العسكرية له أو توقفها تمامًا، بخضوع هذه الإدارة لضغوطات الكونجرس الأمريكي.

تمامًا مثلما مرر الكونجرس الأمريكي تشريعًا جديدًا ينص على إيقاف وزارة المالية الأمريكية، لأي بنك لبناني ساهم في خدمة تنظيم حزب الله بطريقة أو بأخرى، وعندما كانت بنوك بيروت مستعدة لتنفيذ مثل هذا القرار، استهدفت سيارة ملغومة لفرع رئيسي لأحد أكبر البنوك اللبنانية في شهر يونيو الماضي، ولذلك مُنعت من التنفيذ.

فمنذ ذلك الحين تم إيجاد وسيلة لاستيعاب اهتمامات حزب الله، مع العلم أن تنفيذ أي من القوانين الصارمة المفروضة من قبل وزارة المالية الأمريكية قد يتسبب في إلحاق دمار كبير بالاقتصاد اللبناني المعتمد كليًا على الدولار، ومن الممكن أن تساعد واشنطن لبنان دون إيقاف مساندتها لها أو فرضها للعقوبات عليها، وإنما يمكنها منع سقوط حكومة جديدة في لبنان بمنطقة متأججة بالصراعات الملتهبة.

وبينما لا يعود على واشنطن أي استفادة من انهيار لبنان، فإنها لا تهتم برغبة زعماء لبنان بحرية اختيارها للطريق الذي تسير فيه بلادهم تجاه الخلاص.

وأخيرًا.. يعتبر لبنان جزءا من نظام بيئي آخر أكبر، حيث تسيطر فيه إيران على مناطق جديدة، ولسوف يغير سياسو لبنان انتماءاتهم تجاه إيران إذا لم تظهر أمريكا أي مجهودات للتغلب على تزايد هيمنة إيران ببيروت. وهو ما ينطوي على استراتيجية شاملة تستخدم ضد طهران كثمن مقابل استخداماتها غير الشرعية لقواتها العسكرية في المنطقة سواء كان ذلك في لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن، كي لا يطاح بالإدارات التي تمثل السنة المعتدلة المتمثلة في إدارة الحريري، فتقوى شوكة متطرفي السنة مثل تنظيم القاعدة وما يطلق عليه “داعش” إذا ما قرروا تصعيد الحرب ضد شيعة إيران.

التقرير