هل تأتي حكومة الحريري الثانية بمفتاح الاستقرار للبنان

هل تأتي حكومة الحريري الثانية بمفتاح الاستقرار للبنان

_93945_67

“لقد عاد”، ذلك ما قاله لبنانيون كثر مع تنهيدة ارتياح حول العودة المفاجئة لسعد الحريري زعيم تيار المستقبل، إلى لبنان صيف 2014، في خضم أزمات متلاطمة تضرب بالتيار السني وبالبلاد، وسط بحر الصراعات الإقليمية، وتداعياتها على لبنان. واليوم، وبعد سنة وبضعة أشهر على عودته، التي استبقها في البداية بترشيح سليمان فرنجية، لرئاسة البلاد، يقرر بعد وصوله إلى البلاد وخوضه عن قرب غمار الأزمة من الداخل، تزكية ميشال عون، لوضع حد لأكثر من عامين من الفراغ الرئاسي.

يعود الحريري الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و2011 إلى السرايا الحكومية في إطار صفقة تسوية أدت إلى انتخاب أحد خصومه السياسيين رئيسا منهيا فراغا في الموقع الأول للبلاد استمر 29 شهرا. ويعول اللبنانيون على رئيس الحكومة للدفع باتجاه إعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد وإطلاق العمل في مرافق تأثرت كثيرا خلال فترة الأزمة السياسية، هذا بالإضافة إلى تداعيات أزمة اللاجئين التي أثقلت كاهل البلاد.

على خطى الحريري الأب

على الرغم من القاعدة الشعبية العريضة التي انطلق منها، لم يحقق سعد الحريري، رجل الأعمال الذي وجد نفسه في قلب معارك سياسية ضخمة خلفا لوالده رفيق الحريري، الكثير في مشواره السياسي الشاب بسبب عمق الانقسامات في لبنان، بل اتسمت مسيرته بالكثير من التنازلات، ما عرضه لانتقادات كثيرة حتى داخل فريقه السياسي وشارعه. لكنه يبرر ذلك باستمرار بأنه يعلي المصلحة اللبنانية على مصلحته الشخصية، ويردد قولا لوالده “لا أحد أكبر من وطنه”.

وكان وزراء حزب الله وحلفاؤه قد أطاحوا بحكومة الحريري الأولى عام 2011 عندما استقالوا من مناصبهم فيما كان مجتمعا في واشنطن مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بينما قال رئيس كتلة حزب الله محمد رعد بشأن حكومته المرتقبة، إن الجماعة لم ترشح أي شخص لمنصب رئيس الوزراء مما يعكس استمرار التوتر بين الحريري وحزب الله.

ويقول خبراء إن طريق سعد الحريري لتشكيل الحكومة لن يكون أقل تعقيدا مما شهده خلال تشكيل حكومة 2009؛ بل يتوقع المراقبون أن تكون المهمة أشدّ تعقيدا، في ظل التعقيدات الإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر في الشأن الداخلي اللبناني.

والمتابع لمسيرة سعد الحريري السياسية يلحظ أن رئاسته للحكومة تأتي دائما في وسط تقلبات في لبنان، ففي سنة 2005 انتخب سعد الدين الحريري (46 عاما) نائبا في البرلمان اللبناني، ثم أعيد انتخابه لدورة البرلمان لعام 2009، وتمكنت قوى 14 آذار من الحصول على الأكثرية النيابية في الدورتين.

وقد كانت الساحة اللبنانية في تلك الفترة تعيش على وقع عملية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وتصاعد التوتر بين الفرقاء اللبنانيين، المعارضين للتواجد السوري في البلاد والموالين له، خاصة وأن قوى 14 آذار اتهمت النظام السوري وحلفاءه في لبنان (قوى 8 آذار) بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري.

وفي 26 أبريل 2005 حصل ما لم يكن أحد من اللبنانيين يتخيّل حصوله بتلك السرعة وانسحب الجيش السوري من البلاد، لكن بعد أن أحكم سيطرته وسطوته طوال ثلاثة عقود، وبعد أن نجح حليفه حزب الله في أن يكون رقما صعبا في المعادلة السياسية اللبنانية.

وظلت أجواء التوتر مسيطرة على المشهد السياسي اللبناني، وفي خضمها تولى سعد الحريري رئاسة الحكومة، بعد أن كلفه الرئيس المنتخب ميشال سليمان، في 27 يونيو 2009، بتشكيل الحكومة، وذلك بعد الاستشارات النيابية وتسميته من قبل 86 نائبا (من أصل 128) يمثلون نواب تحالف 14 آذار الـ71 ونواب حركة أمل (التي يتزعمها نبيه بري) وحزب الطاشناق (حزب أرمني). وبعد شهرين ونصف الشهر من تكليفه بتشكيل الحكومة قدم الحريري إلى الرئيس سليمان تصورا لتشكيل الحكومة، إلا أن المعارضة رفضت تلك التشكيلة. وفي 10 سبتمبر أعلن عن اعتذاره عن تشكيل الحكومة، إلا أنه في الـ16 من الشهر نفسه أعاد ميشال سليمان تكليفه بتشكيل الحكومة بعد أن أعاد أكثرية نواب مجلس النواب تسميته لرئاسة الحكومة بالاستشارات النيابية، وبعد حوارات ومناقشات ومفاوضات شاقة استطاع أن يعلن عن تشكيل حكومته الأولى بتاريخ 9 نوفمبر 2009. وقد واجهت حكومته صعوبات عديدة خصوصا بعدما بدأ يقترب صدور القرار الظني بجريمة اغتيال والده رفيق الحريري وإصرار وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر (بزعامة ميشال عون) على طرح موضوع شهود الزور بالقضية وطلب إحالتهم إلى المجلس العدلي، وأدى كل ذلك إلى إعلان وزراء تكتل الإصلاح والتغيير (التابع للتيار الوطني الحر) وحركة أمل وحزب الله في 12 يناير 2011 استقالتهم من الحكومة وذلك بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري إلى طريق مسدود.

وأدت استقالة الوزراء الأحد عشر إلى فقدان الحكومة (30 وزيرا) لنصابها الدستوري (أي ثلث + واحد) وبالتالي اعتبارها مستقيلة. وبعد سقوط الحكومة، غادر لبنان عام 2011 ليعيش متنقلا بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى البلاد في أغسطس من عام 2014، ليدخل مرحلة جديدة شهدت الكثير من الجدل بدءا من أزمة تيار المستقبل وصولا إلى أزمة الرئاسة.

مخاطرة حزب الله

تكمن المفارقة اليوم في أن الحريري، يعود رئيسا للحكومة بناء على تسوية اتفق عليها مع عون، الموالي لحزب الله والنظام السوري، والذي ساهم في إسقاط حكومته في 2009، مع نواب حركة أمل الذين أعلنوا دعمهم للحريري.

عندما أعلن سعد الحريري عن ترشيحه لميشال عون لرئاسة لبنان، وصف البعض هذه الخطوة بالمخاطرة، لكن اضطر الحريري إلى القيام بها لوضع حد للانسداد السياسي. وبعد 45 جلسة انعقدت في مجلس النواب انتهت كلها بالفشل في جل الأزمة الرئاسية، جاءت الانفراجة في الجلسة الـ46 يوم الاثنين 31 أكتوبر 2016.

لكن، في المقابل لا يبدو حزب الله مستعدا للقيام بـ”المخاطرة”، حيث لم يمنح نواب الجماعة الشيعية المدعومة من إيران أصواتهم للحريري، إذ تخلفت عن الإجماع الكبير حول الحريري كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله) التي لم تسم أحدا، وإن كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في تصريحات صحافية يوم 23 أكتوبر، في خضم الجدل حول مبادرة الحريري لترشيح عون، عبر عن عدم ممانعته أن يتولى الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية، لافتا إلى أن في هذا “مخاطرة”.

ويعلق على تصرف حزب الله ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، مشيرا إلى أنه في حين دعم حزب الله ظاهريا حليفه السياسي ميشال عون للوصول إلى سدّة الرئاسة، أثارت تصرفاته حيال ترشحه بعض التناقضات. وبالفعل، أحجم في البداية عن دعمه، ولم يغيّر رأيه إلا بعد مرور أسابيع على تحوّل عون إلى مرشح قوي.

ولم يكن هذا التردد مفاجئا، وفق شينكر، لأن حزب الله استفاد إلى حدّ كبير من الفراغ السياسي الذي أضعف تحالف 14 آذار وأعطاه حرية أكبر لتوسيع تواجده العسكري في سوريا، فضلا عن ذلك، وبعد أن فاز عون بمنصب الرئاسة -علما بأنه معروف بعناده وميوله السياسية المستفردة بل وحتى نزعته نحو جنون العظمة- قد يصعب على حزب الله السيطرة عليه. وكان الحزب قد مرّ بتجربة سيئة مع الرئيس السابق سليمان الذي دعم ترشحه في عام 2008. وفي البداية، أثبت سليمان أنه رئيس موال إلى حدّ كبير لحزب الله ولكنه انقلب ضده في العامين الأخيرين من ولايته.

من جهة الحريري، لم تكن مهمته المتمثلة في إقناع حلفائه السياسيين بقبول عون رئيسا سهلة. ويالمثل ستكون المفاوضات المرتقبة لتحديد تشكيلة الحكومة الجديدة وستشهد المزيد من التعقيد.

وقد ألقى الحريري بعد تكليفه كلمة عبر فيها عن انفتاحه على كل الكتل النيابية حتى تلك التي لم تسمه، وأعلن عن هوية الحكومة التي ينوي تشكيلها قائلا “نتطلع لتأليف حكومة وحدة وطنية”.