عون – الحريري وتحديات «الجهاد الأكبر»

عون – الحريري وتحديات «الجهاد الأكبر»

saad-al-hariri-and-michel-aoun-in-rabieh

لبنان يواصل انطلاقته ويتجاوز كبوته. كانت هذه هي أهم استخلاصات «يوم الاثنين الكبير» الذي استطاع فيه اللبنانيون، من استنقاذ بلدهم من ركوده المظلم الذي حال بينه وبين أن يكون له رئيس ووضعه في موضع البلد العاجز عن اتخاذ قراره. فاز العماد ميشال عون رئيساً للبنان في يوم عصيب بقدر ما هو رائع وجميل، وإذا كان عون قد نجح في أن يحقق حلم السنوات الطوال والعجاف، وأن يدخل قصر بعبدا الذي بقي مظلماً لأكثر من عامين ونصف في انتظار المجهول، فالسؤال الأهم هو هل سيستطيع عون أن يحقق حلم لبنان واللبنانيين، وأن يحقق ما تلاه على مسامع العالم كله، وليس فقط على مسامع اللبنانيين من أنه سيحكم بشراكة سياسية وسيسعى إلى تحقيق الطموحات الكبرى الثلاث: الاستقرار السياسي بفرض احترام الميثاق والدستور والقانون من خلال الشراكة الوطنية والوفاق الوطني، والاستقرار الأمني باستعادة الوحدة الوطنية ومواجهة التحديات داخلية كانت أم خارجية، والحيلولة دون أن تمتد شرارات الصراع في سوريا إلى الداخل اللبناني، ودعم الأمن والجيش والقضاء، واستقرار اقتصادي اعتماداً على منهاجية التخطيط والتنسيق بين الوزارات والأجهزة، والاستثمار المنتج وفق خطة اقتصادية شاملة بمشاركة القطاعين الخاص والعام.
السؤال مهم، لأن ما طرحه عون كان بمثابة مشروع وطني وليس فقط معالم برنامج للحكم، خصوصاً ما ورد في حديثه عن الكيان الصهيوني والإصرار على مواصلة تحرير كل ما زال محتلاً من أرض لبنان، والعلاقة مع المقاومة، والموقف من القضية الفلسطينية، والحرب على الإرهاب. ومهام بهذا الوزن تؤكد جدية وأهمية ما ورد على لسان نبيه بري بخصوص «الجهاد الأكبر» في توصيفه لمرحلة ما بعد انتخاب الرئيس.
كيف سيكون سلوك عون بعد فوزه بالرئاسة من منظور علاقته باللبنانيين، هل سيكون فعلاً رئيساً لكل اللبنانيين متجاوزاً كل عثراته السابقة، وهل سيكتفي أن يكون رئيساً شرفياً أم أنه سيكون رئيساً دستورياً ولكن في ثوب زعيم وقائد متجاوزاً السلطات المحدودة كرئيس في نظام سياسي برلماني يركز السلطة بالحكومة مجتمعة، والاقتراب من النموذج الحالي الذي يمارسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟ وكيف ستكون علاقته مع سعد الحريري، المرجح أن يكلف برئاسة الحكومة الجديدة، وكيف له أن يدير الصراع بين سعد الحريري وتياره ومن يدعمونه من خارج لبنان وبين حزب الله وتياره ومن يدعمونه من خارج لبنان من ناحية أخرى؟
كيف سيدير كل هذه التناقضات، وكيف له أن يتمكن من تحقيق مشروعه الطموح إذا دخل لبنان في مأزق ودرب طويل من الإخفاق في تشكيل الحكومة، واضطر الحريري أن يجد نفسه، ولمدة طويلة، يحمل فقط اسم «الرئيس المكلف» من دون أن يتمكن من تشكيل تلك الحكومة بسبب كل تلك المتناقضات، بل وبسبب وجود اعتراضات مهمة على أن يتولى مجدداً رئاسة الحكومة، على الرغم من اضطرار تلك الأطراف المعترضة على صفقة «عون – الحريري» لتمكين عون من رئاسة الدولة؟
هل سيكفي حرص عون على تجنيب لبنان تطاير شرارات الحرب السورية ومشاركة «حزب الله» في هذه الحرب؟
المعركة الحقيقية بدأت مع انتخاب عون، هذا ما تؤكده كل هذه التحديات والمعطيات، وهناك من سيقاتلون سياسياً من أجل إعاقة الحريري من تشكيل الحكومة والتمديد القسري أو الاضطراري لحكومة تمام سلام، على الأقل خلال الأشهر القادمة بكل غموضها ، وبالذات مستقبل الحرب في سوريا على ضوء ما تحقق من نجاحات في الحرب على «داعش» في العراق، هل ستحفز تلك النجاحات على فرض حل سياسي للأزمة السورية والقضاء على «داعش» في سوريا على نحو ما حدث في العراق، أم العكس هو الذي يمكن أن يحدث؟
الإجابة غامضة ولننتظر ماستسفر عنه الأيام المقبلة.

د. محمد السعيد إدريس

صحيفة الغد