العراق وحلفاءه و تجفيف تمويل داعش

العراق وحلفاءه و تجفيف تمويل داعش

orig-src_-susanne-posel_-daily_-news-isis-isil_-oil_-syria_-iraq_-ustreasury-alqaeda-saudi_-arabia-funding_occupycorporatism

تصنف الازمات السياسية والاقتصادية التي تعصف في العراق بأنها الاقسى على مستوى دول المنطقة منذ اكثر من 13 عاما بعد غزو الولايات المتحدة الاميركية أراضيه عام 2003، وشكل الارهاب الثالوث الاول الذي عصف باستقرار البلاد، ووقف عائقا امام اي استقرار سياسي او اقتصادي ،وبلغت ذروة هذه الافة بعد ان سيطر تنظيم الدولة(داعش) على مدينة الموصل  في حزيران 2014، وقام بعزلها عن باقي أراضي العراق.

منذ اكثر من عامين حاول العراق مع كل حلفاءه التعاون لطرد هذا التنظيم وتضييق الخناق عليه، الا ان  الاوضاع الاقتصادية للعراق شكلت عائقا اخر في مواجهة هذه التحديات، وكان الفساد المالي ضمن مؤسسات الدولة اكبر العوائق ، لذلك كان لابد ان تكون المواجهة على جبهتين ؛ الجبهة الداخلية (ضمن اطار الحكومة العراقية وضبط المؤسسات والاطراف داخل اراضي العراق )، والجبهة الخارجية (التعاون مع الدول الحليفة لمواجهة الارهاب وتجفيف انشطته المالية وغيرها) ، فكان على العراق ان يبرم اتفاقيات ثنائية ومتعددة الاطراف للتخلص من هذا الارهاب الذي ادخله في ازمة اقتصادية خانقة منذ اكثر من عامين على اقل تقدير .

في هذا الإطار اشارت السفارة الاميركية في العراق للاتفاقية الثنائية (اميركية-عراقية ) لمواجهة ارهاب تنظيم “داعش” وتجفيف منابعه المالية وجميع انشطته الاقتصادية ومصادر التمويل، ومن جهة ثانية مراقبة الجهات التي تمول التنظيم او تتعامل معه ، مشيرة الى ان التنظيم يمر بأوضاع مالية صعبة اربكت حساباته وقد تقوض وجوده  المدى القصير والمتوسط .

داعش في مأزق

تشير المعلومات الى ان تنظيم الدولة “داعش” يعاني اكثر من اي وقت مضى من ازمة اقتصادية خانقة بددت جهوده وقدرته على الصمود في اي مواجهة، ناهيك عن التضييق الدولي على موارده وضرب مواقع حيوية في المناطق التي يسيطر عليها والتي شكلت مصدر التمويل الرئيسي له ولعملياته منذ اكثر من عامين .

  في  تطور جديد في هذا الاطار أكد المسؤول المالي في السفارة الأميركية لدى العراق جون سوليفان، ان اتفاقية التعاون بين “واشنطن وبغداد لوقف تمويل داعش قطعت شوطاً كبيراً، وأن التنظيم الذي استنسخ أسلوب المافيا يمر بأزمة مالية قوضت استعداداته لمعركة الموصل وستنهيه بشكله الحالي في حال خسارته المدينة”.

وقد سبق ان اشارت مصادر وتقارير من مدينة الموصل بأن تنظيم داعش بات يعتمد على فرض الغرامات المالية  بسبب الضائقة المالية التي يمر بها ، واستبدال العقوبات بالغرامات المالية للحصول على المال اللازم استعداد لمواجهة الظروف المحيطة وبالأخص تحرير الموصل ، تداعيات المستقبل”. وبحسب المراقبين ربما تتسبب هذه الضائقة المالية في استنزافه واندثاره بسرعة أكبر.

وقد ذكر تقرير سابق  لصحيفة “إندبندنت” البريطانية إن “داعش” اضطر لخفض رواتب المقاتلين إلى النصف بسبب الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها التنظيم، وذلك بعد  قصف التحالف مواقع نفطية ومراكز اقتصادية مهمة. وبالإضافة الى سعي داعش في محافظة نينوى في المرحلة الحالية الى تجاوز ازمته المالية معتمدا على تخفيض ما يسمى ببرنامج الكفالة لعوائل مؤيديه الى النصف بسبب ازمة مالية حاد يمر بها التنظيم بعد فقدانه اغلب مصادر التمويل المالي.

تقارير تحدثت بأن التنظيم فقد الكثير من إيراداته المالية بعدما انخفضت من ثمانين مليون دولار إلى ستة وخمسين مليون دولار في آذار الماضي، بعد ان تم تدمير الكثير من حقول التنظيم في سوريا والعراق بسبب القصف الجوي.

وفي شهر شباط فبراير 2016، دمرت قوات التحالف الدولي مبنى فرع البنك المركزي العراقي بالمدينة، بجانب مصرفين آخرين، هما: مبنى فرع المصرف العقاري، ومبنى لأحد فروع مصرف الرشيد، وديوان الزكاة التابع للتنظيم هناك.وتراجعت كذلك الموارد المالية للتنظيم  في العراق وسوريا ، فطبقاً لتقرير نشرته صحيفة “ديلي تلجراف” البريطانية، في أبريل 2016، يفقد تنظيم “داعش” حوالي 30% من دخله إثر تقلص حجم الأراضي التي يسيطر عليها، وبالتالي خسارة عائداته من الضرائب التي كان يفرضها في هذه المناطق.

مراقبة الدولار

تعتبر الاتفاقية ايضا الاولى من نوعها بين الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة من جهة، والبنك المركزي العراقي من جهة أخرى لمراقبة شحنات الدولار وضمان منع وصول هذه الأموال الى جهات غير مشروعة، يتم تطبيقها بنجاح، وهي نقطة تحول في هذا الملف.

وأضاف أن “البنك لمركزي العراقي ومن خلال تعاون وثيق مع الجانب الأميركي وضع لائحة سوداء تمنع الأموال من الوصول إلى الأراضي التي يسيطر عليها داعش، وتضم أكثر من ١٥٠ شركة اليوم”. ومن أهم إنجازات الاتفاقية “الحد بشكل كبير من شحنات الدولار إلى العراق واستبدالها بالدينار”.

وهنا نشير الى ان بنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة والخزانة الأمريكية اتخذ العام الماضي قرار بوقف مؤقت لتدفق المليارات من الدولارات إلى البنك المركزي العراقي ، وذلك لمخاوفه المتزايدة من أن العملة قد ينتهي بها المطاف في البنوك الإيرانية، وربما يجري ضخها لمسلحي تنظيم داعش، حيث يجري المسؤولون الماليون الاميركيون عملية تعقب عالمي للحفاظ على الدولار من الوقوع في أيدي من تسميهم الولايات المتحدة “الأعداء” الذين يمكنهم استخدامه لتمويل النشاطات الخاصة بهم.

ويضيف سوليفان، إنه منذ عام وقبل توقيع الاتفاقية “كان مسلحو داعش يتعاملون بالدولار، وهذا توقف اليوم”، مشيراً إلى أن “القيادات العليا في التنظيم تقبض بالدولار”، وتحدث عن أزمة مالية يعاني منها داعش”، وأضاف أن “راتب المسلح العادي انخفض أكثر من ٥٠ في المئة، فضلاً عن أن تعاطيهم بالدينار يمنعهم من إجراء تعاملات دولية”. ولفت الى أن “العراق كان من أكثر الدول التي تشتري الدولار منذ سنوات وهناك تغيير جذري اليوم”.

وتابع جون سوليفان أن “التنظيم كان يعتمد على النفط سابقاً وبعد تراجع الأسعار بدأ يسعى إلى مبادلة النفط بالبضائع أو بالخدمات”. وكشف عن أن “الحملة على الموصل عثرت على الكثير من النقد المخبأ”.

وهنا نورد ما ذكرته مصادر مطلعة أن التنظيم ضل يحصل على العملة الصعبة من خلال بيع السلع الأساسية المنتجة في المصانع التي يسيطر عليها، للموزعين المحليين بالدولار لكنه يدفع الأجور بالدينار لآلاف المقاتلين والموظفين العموميين.

وكشفت تقارير سابقة أن التنظيم يربح ما يصل إلى 20 في المئة بموجب أسعار العملة التفضيلية التي فرضها ، والتي ترفع سعر الدولار عند مبادلته بفئات أصغر من الدينار.

وفيما يتعلق في البنك المركزي فقد أشاد سوليفان بجهود البنك في الإصلاح ، مشيرا الى انه قد أنجز خلال عام أكثر مما تم إنجازه في الـ١٣ سنة الفائتة” . وأضاف أن “واشنطن وبغداد تتبادلان المعلومات الاستخباراتية والمالية والأمنية المطلوبة لوقف تحويلات لداعش”.

ويصر المسؤولون الامريكيون على تشديد الضوابط وتبادل المعلومات بشأن الكيفية التي يتم بها توزيع الدولارات على الشركات المالية في العراق، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين.

وفي مقال نشر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عن خطاب دانيال غليزر مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون تمويل الإرهاب لدى “مكتب الإرهاب والاستخبارات المالية”: ” لكن يكمن مصدر القلق الرئيسي في العراق في استغلال “داعش” لمكاتب الصرافة التي يناهز عددها 1900 مكتب وهو عدد ضخم يزيد من صعوبة تنظيمها بشكل فعال. وعلى المدى الطويل، يحتاج العراق إلى تقليص هذا القطاع لخفض عدد مكاتب الصرافة إلى مستوى يمكن مراقبته إلى حدّ معقول. أما التحديات الكامنة على المدى القصير فتتمثّل بالإجراءات التي يجب اتخاذها على صعيد مكاتب الصرافة العاملة ضمن أراضي التنظيم. أصدر المصرف المركزي العراقي لائحة علنية ضمّت أكثر من مئة مؤسسة مماثلة كما وضعت وزارة الخزانة ترتيبات ناشطة لتبادل المعلومات مع مسؤولين عراقيين بهدف تحذيرهم من أي مكاتب صرافة مثيرة للشبهات. ويمكن إضافة كيانات إلى هذه اللائحة أو إزالتها متى تمّ تحرير الأراضي. ويتعيّن على المؤسسات المالية حول العالم الرجوع إلى هذه اللائحة لتجنّب مزاولة أي أعمال مع أي مكتب صرافة مُدرج على اللائحة السوداء. ولغاية الآن، منع المصرف المركزي هذه المكاتب من النفاذ إلى ملايين الدولارات، في مؤشر واضح على التزام العراق بهذه المسألة”.

وفي هذا الاطار اتخذ البنك المركزي العراقي قرار بحرمان ثلاثة مصارف خاصة و99 شركة صيرفة من دخول نافذة بيع العملة، لمخالفتها القوانين والانظمة الخاصة بشراء وبيع العملة الأجنبية. وهي خطوة ايجابية لوقف تمدد الفساد ووصولها الى هذه المؤسسة الحساسة. واتخذ المصرف المركزي أيضًا خطوات لتحسين قوانين النظام المالي في العراق فاعتمد قوانين لمحاربة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب ووضع أنظمة لتطبيقها.

في الختام لابد من الاشارة ان حرب العراق وحلفاءه على الارهاب وتحديدا تنظيم داعش ليس بالمهمة اليسيرة، لما تملكه هذه التنظيمات من خبرات للتعاطي مع استراتيجيات، لذلك لا بد من محاصرة مواردها المالية ومصادر تمويلها وأنشطتها الاقتصادية غير المشروعة. فالعراق اليوم بحاجة الى تكاتف دولي لاستئصال منابع الارهاب وتجفيف موارده، ناهيك عن حاجته الى رقابة داخلية للقضاء على الفساد الذي يوازي الارهاب في تأثيره على استقرار البلاد، ناهيك عن متابعة التجاوزات التي تحصل في مؤسسات الدولة العراقية، ودعم جهود البنك المركزي العراقي الذي يعد المؤسسة المالية الاهم في العراق، وهي خطوة من شأنها أن تحمي موارد العراق وتسهم في انتشاله من براثن الفساد و الارهاب التي انهكته على مر السنوات الماضية.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية