وضع الديمقراطية فوق حساب الربح والخسارة

وضع الديمقراطية فوق حساب الربح والخسارة

580

سيكون بمقدورنا هذا الشهر أن نحدد مسارا لمنهج يهدف إلى أن يكون المجتمع أقوى وأكثر أمنا توضع فيه القوة في أيدي الكثرة وليس القلة، ويحاسب فيه أولئك الذين أضروا بالبيئة وحقوق الإنسان والصحة العامة.. وأنا ها هنا لا أتحدث عن انتخابات الرئاسة الأميركية.

ومن المؤكد أن الانتخابات الأميركية ستكون لها عواقب كبيرة، لكن التحليلات المستمرة ومحاولة التكهن بالنتائج طغيا على حدثين مهمين يبدآن في السابع من هذا الشهر، وهما اجتماعات الأطراف في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي.

ظاهريا، فإن القانون الدولي يفتقر إلى دراما السباق الرئاسي ويمكن أن يبدو تقليديا في أحسن الأحوال وغير ذي علاقة بالموضوع في أسوئها؛ لكن إذا بحث المرء بصورة أعمق قليلا فسيجد في الغالب صراعا شكسبيريا بين الديمقراطية والجشع الجامح. ففي كل مؤتمر من المؤتمرين المزمع عقدهما هذا الشهر سيتخذ المجتمع الدولي قرارات ستؤثر على نتيجة هذا الصراع التي قد تبدأ في حل بعض من القضايا العالمية الأكثر إزعاجا.

“ستسمح اتفاقية منظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي للحكومات بكبح جماح السلطة المطلقة للشركات العالمية الكبرى التي تعد السبب الرئيسي للكثير من المشاكل الأخرى من عدم المساواة إلى الظلم الاجتماعي “

ستسمح اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي للحكومات بكبح جماح السلطة المطلقة للشركات العالمية الكبرى التي تعد السبب الرئيسي للكثير من المشاكل الأخرى من عدم المساواة الاقتصادية إلى الظلم الاجتماعي والأنظمة الديمقراطية المعطلة.

إن الشركات العالمية ضخمة ولها تأثيرات على شتى مناحي حياتنا تقريبا؛ ولكي نفهم مدى سلطتها، فليس على المرء سوء النظر إلى مليارات الدولارات التي ينفقونها على الانتخابات وضغطهم على العمال الفاعلين والحماية البيئية في اتفاقيات تجارية مثل الشراكة عبر المحيط الهادي والشراكة في التجارة والاستثمار عبر المحيط الهادي والعمل الدؤوب الذي تقوم به شركات الوقود الأحفوري لعرقلة اتفاقية التغير المناخي.

وللشركات العالمية سلطة تفوق حجمها بسبب أن عملها يتجاوز الحدود الوطنية مما يعني أنه لا توجد حكومة واحدة محلية أو حكومة وطنية يمكنها أن تخضعها للأنظمة، علما بأن الوظيفة الحاسمة لأطر العمل الدولية لكل من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي هي توفير أدوات ملموسة للحكومات لوضع سياسات على مستوى الدول تتعلق بقضايا تتراوح من الصحة العامة إلى التغير المناخي وعدم المساواة العالمية.

فعلى سبيل المثال، فإن كولومبيا كانت معقلا مهما لشركة فيليب موريس انترناشيونال للتبغ منذ عقدين من الزمن ولم يكن هناك تفكير في وضع تشريع شامل لمكافحة التبغ في البلاد لفترة طويلة، لكن في 2009 أي بعد ست سنوات من مصادقة منظمة الصحة العالمية على اتفاقيتها الإطارية بشأن مكافحة التبغ وبعد مرور 15 شهرا على تصديق كولومبيا عليها سنت الحكومة الكولومبية قانونا من أقوى قوانين مكافحة التبغ في العالم بأسره.

وبالمثل، فإن الحكومات في أنحاء العالم تصادق على إجراءات أثبتت أنها تخفض معدلات التدخين وتنقذ الحياة بما في ذلك تحذيرات صحية بوضع رسومات صادمة وفرض قيود على التسويق وقوانين تتطلب أن يتم بيع منتجات التبغ في علب لا تحمل علامة تجارية.

لكن عمل اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ لم ينته بعد، وتضغط الحكومات حاليا من أجل أن تكون المسؤولية القانونية جزءا من أطر عمل محاسبة الشركات على المستوى الوطني.

وإذا نجحت الحكومات في المفاوضات التي ستجرى في مؤتمر اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ هذا الشهر، فإنها ستمتلك بذلك الأدوات التي تحتاجها لجعل شركات التبغ العالمية الكبرى تدفع مقابل الأضرار التي تسببت فيها وستعني مثل هذه النتيجة أن الحكومات ستسترد مئات المليارات من الدولارات فيما يتعلق بتكاليف الرعاية الصحية ذات الصلة بالتبغ وستجبر تلك الشركات على نشر الوثائق الداخلية لهذه الصناعة.

“على الرغم من استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي “بريكست” فلا أحد ينكر أننا نعيش في عالم عالمي حقا. فعندما تكون أسباب مشاكلنا الكبرى عالمية، فإن حلولها ينبغي أن تكون عالمية كذلك”

إن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ فعالة لأنها تشتمل على بند تم إقراره بصعوبة يحظر بوضوح على الشركات التأثير على صنع السياسات، وفي مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي الذي سيعقد الأسبوع المقبل فإن بعض الحكومات سوف تستشهد باتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ كونها سابقة قوية، لتجادل بأن صناعة الوقود الأحفوري ينبغي أن تستثنى من مفاوضات المناخ الجارية بسبب تضارب مصالحها مع سياسة مناخ مقبولة.

ولا ينبغي الوثوق في أن الشركات المسؤولة عن حدوث التغير المناخي ستقوم بحله، وفقط عندما نقوم بحذفها من المعادلة سيكون بإمكاننا تنفيذ إجراءات حقيقية رائدة مثل أنظمة طاقة متجددة تمتلكها وتشغلها المجتمعات المحلية تجعل بقاء الناس ونجاتهم أكثر أهمية من حسابات الربح والخسارة لتلك الشركات.

وطالما كانت لدينا مؤسسات تنظيمية عامة فإن مصالح الشركات ستسعى للتعاون معها، وقد حاولت شركات التبغ الكبرى وشركات النفط الكبرى وشركات الأغذية الكبرى وشركات الأدوية الكبرى تهديد تلك المؤسسات وشراءها ورشوتها بأساليب معينة في المجالات العامة وتلك الشركات لديها الهدف نفسه: منع صدور تشريع من شأنه أن يعطل عملها، فنادرا ما تدخل الحياة البشرية أو الكوكب في حسابات تلك الشركات.

وقد نجح دعاة الديمقراطية في المجتمع المدني والحكومات في مقاومة الشركات العالمية لكن الكثير من التقدم الذي أحرزوه يعتمد على ما ستسفر عنه اجتماعات هذا الشهر. هل سيدافع الحضور في مؤتمري اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي عن المبادئ الديمقراطية أم سيخضعون للشركات الكبيرة؟

وعلى الرغم من استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي “بريكست” فلا أحد ينكر أننا نعيش في عالم عالمي حقا. فعندما تكون أسباب مشاكلنا الكبرى عالمية، فإن حلولها ينبغي أن تكون عالمية كذلك، مما يتطلب أن نتعامل أولا مع قضية أساسية وهي قضية تدخل الشركات. إن الأشياء الكثيرة التي يمكن تحقيقها بتطبيق القانون الدولي لا يمكن تجاهلها بالمرة.