لبنان والمنطقة بعد انتخاب “عون”

لبنان والمنطقة بعد انتخاب “عون”

%d9%85%d9%8a%d8%b4%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%88%d9%86-1

لم يرحّب معظم المسلمين في لبنان بمبادرة الرئيس الحريري لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. بيد أنّ هذه المبادرة التي قابلها ارتباك من جانب «حزب الله»، ورفض من حليفه الرئيس بري، وكل أنصار بشار الأسد في لبنان، أدّت إلى انتخاب عون رئيساً في الجلسة السادسة والأربعين لمجلس النواب اللبناني. وما أعطت المبادرة «عون» أصواتَ أكبر كتلة في البرلمان اللبناني الحالي فقط، بل أضافت لذلك نقل أهل السنة من حالة الاعتراض إلى حالة الترقب والأمل.

قال الرئيس الحريري في خطاب تسويغ المبادرة قبل أُسبوعين إنّ ما دفعه لذلك هو السير على نهج والده الرئيس رفيق الحريري الذي كان يقدّم التضحيات من أجل المصلحة الوطنية في الأزمات. وهذه السيرة أو هذا النهج في تقديم العامّ على الخاص هو الذي دفعه من أجل اختراق الانسدادات التي وضعها «حزب الله» وحلفاؤه إلى ترشيح ثلاثة على التوالي من المسيحيين الأقوياء: جعجع، فالجميّل، فسليمان فرنجية. وعندما لم يؤدّ كلُّ ذلك إلى مَلء الفراغ في سدة الرئاسة، عاد لمفاوضة «عون» في الثوابت والقضايا الوطنية الكبرى، وعندما وجد تقارُباً، وما كان هناك سبيلٌ آخر، أقدم على المخاطرة الكبرى بترشيح العماد عون للرئاسة.

إنّ هذه الثوابت أو القضايا الكبرى ظهرت في خطاب القَسَم الذي ألقاهُ «عون» في مجلس النواب بعد انتخابه. فقد شدّد على «الطائف» والدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ومواثيق الجامعة العربية، وقال بتحييد لبنان عن أزمات المنطقة وبخاصة الأزمة السورية. ومضى قُدُماً ليلتزم بمقتضيات الشراكة الوطنية، وبقضايا النهوض الاقتصادي وحلّ الأزمات الداخلية المستعصية، والامتثال لمنطق الدولة وحكم القانون، واللامركزية، ومعالجة سائر المسائل الوطنية بروح الوفاق، وروح الشراكة، وروح الدولة الواحدة.

وبالطبع، فإنه لا تجوزُ الاستنامةُ إلى وعود الرئيس الجديد ونواياه. وذلك ليس بالنظر إلى عمله السياسي طوال عقدين، بل وإلى القدرات والإمكانيات الواقعية. فإذا تأملنا عمله السياسي، نجد أنه خلال السنوات العشر الماضية، أقام شراكةً كاملةً مع «حزب الله» داخل أجهزة الدولة وخارجها. وهذه الالتزامات، والاستثمار الضخم الذي وضعه الحزب بتصرفه، يجعل من تلك الالتزامات نوعاً من الإلزام. ولأن الحكم توافُقي في لبنان، فإن الجنرال حتى لو أراد الإيفاء بتعهداته في خطاب القَسَم، هناك محطاتٌ متواليةٌ لا تكفي لتجاوُزها السلطة المعنوية للرئيس. ومن ذلك تشكيل الحكومة التي كُلِّفُ بها الرئيس سعد الحريري، ثم قانون الانتخاب، فإلى التوافُقات والحلول لملفات الطاقة والأحوال المالية، إلى العلاقات العربية والدولية. وهذه جميعاً أمور شديدة العسر والصعوبة في الظروف العادية، فكيف والتأزم حاصلٌ ومتفاقمٌ داخل لبنان ومن حوله. وأفكار «حزب الله» ومشروعاته بالداخل والخارج تتنافى مع أي اعتبارٍ لسلطة الدولة وحكم القانون.

ولنذهب إلى الملفات الساخنة المحيطة بلبنان في المنطقة، والتي ينخرط «حزبُ الله»، بتكليف من إيران، فيها جميعاً. والحق أنّ «عون» ما كان يُكثر من الحديث عن تدخل الحزب في سوريا. لكنه ما دام يريد تحييد لبنان عن الأزمة السورية، فإن الحزب سيكون له بالمرصاد. وقد كرر «عون» في خطاب القسَم الحديث عن أزمة اللجوء السوري إلى لبنان. وهذا الملف شديد الوطأة على الداخل اللبناني والإسلامي بالتحديد. لكنه أيضاً ملف مسيحي بامتياز، كان الجنرال وصهره يكثران من ذكره تخويفاً للمسيحيين، وكسْباً للشعبية من مخاوفهم.

والحزب لا يتحرك بسلاحه في لبنان فقط، بل يتحرك في سوريا والعراق والبحرين وحتى اليمن. فماذا سيفعل الرئيس الجديد بشأن السيطرة على المرافق، مثل المطار والمرفأ، والتي يستخدمها الحزب بحرية في نطاق سيطرته المتنامية بعد احتلال بيروت عام 2008.

وإذا عُدنا للداخل اللبناني، نلاحظ أنّ معظم شعبية الجنرال قائمة على أنه ينتزع حقوق المسيحيين بالقوة. وقد شنّ طوال سنوات حملات شعواء على استغلال السنّة للدولة وامتيازاتهم فيها، وهي امتيازات وهمية بل معدومة. لكنه هو، و«حزب الله»، اشتدت دعواتهم كسباً للشعبية إلى إلحاق كل السنة بالتطرف والإرهاب. وقد أزاحت مبادرة الرئيس الحريري السنّة من المواجهة المصطنعة التي صوَّرها الجنرال بصورة التطرف والداعشية. حتى صار الحكم الأوحد لإنصاف المسيحيين المزعوم، مدى قبول السنّة ل«عون» رئيساً للجمهورية. وها هو زعيمهم قد قبله وتسبّب بانتخابه، فكيف سيتغير خطاب صهره الوزير جبران باسيل بهذا الصدد؟ أين العدو الآن الذي يمكن كسْب الأنصار والشعبية عبر التظلم منه؟

قال البطريرك الراعي للحريري إن مبادرته شكلت إنقاذاً وطنياً. وهي حققت بالفعل أمرين اثنين: انتخاب الرئيس المسيحي الماروني بعد عامين ونصف من الفراغ، وإزاحة السنَّة من المواجهة التي كان «عون» وأنصاره يستهدفون الشعبية من ورائها عبر الإرغام على التضادّ وعلى التناقُض مع السنّة الذين ما كان أحدٌ منهم يريد أو يقصد مواجهة المسيحيين، متطرفين كانوا أم معتدلين.

إنها مشكلات هائلة تتطلب التوافق والعمل التعاوني من سائر الأطراف، فهل «تغير» عون بالفعل؟ وكيف يتصرف «نصر الله» وبري؟

رضوان السيد

صحيفة الاتحاد