تركيا وعقوبة الإعدام

تركيا وعقوبة الإعدام

349
منذ إعدام رئيس وزراء تركيا في خمسينيات القرن الماضي، عدنان مندريس، عقب الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال جمال جورسيل عام 1960، مروراً بإعدام ثلاثة من القادة الطلابيين، عقب الانقلاب العسكري عام 1971، وصولا إلى موجة الإعدامات عقب الانقلاب الدموي عام 1980 الذي قاده الجنرال، كنعان إيفرين، كانت عقوبة الإعدام في تركيا تشكل رادعاً حقيقيا للخصوم السياسيين، إلى أن ألغى البرلمان التركي عقوبة الإعدام عام 2004، مدفوعاً بعاملين أساسيين. الأول: جاء إلغاء هذه العقوبة في إطار الإصلاحات الهادفة إلى الانضمام إلى العضوية الأوروبية. والثاني: ما قيل عن صفقة بين تركيا والولايات المتحدة، مفادها مساعدة الإدارة الأميركية لتركيا في اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، في مقابل إلغاء الحكومة التركية هذه العقوبة.
اليوم، وبعد الانقلاب العسكري الفاشل، تصاعدت في تركيا حدّة الدعوات المطالبة بإعادة العمل بعقوبة الإعدام، ولا سيما من الرئيس، رجب طيب أردوغان، فثمّة قناعة شعبية، ولا سيما في أوساط حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، بأن إلغاء عقوبة الإعدام ساعد على تصاعد وتيرة العنف، فضلا عن الإحساس بتراجع مشروعية الأسباب التي أدت إلى إلغائها، لا سيما أن قضية نيل تركيا العضوية الأوروبية تبدو غير ممكنةٍ، لأسباب عديدة، لعل في مقدمتها اختلاف البنيان الحضاري بين الجانبين، كما يبدو من تصريحات قادة أوروبيين عديدين. وعليه، يمكن فهم التحذيرات الأوروبية لتركيا من إعادة العمل بهذه العقوبة.
بين رغبة أردوغان ورفض الغرب، بشقيه الأوروبي والأميركي، ثمّة جدل قانوني وسياسي في تركيا حول آلية العودة إلى العمل بعقوبة الإعدام، وكذلك حول مضمون هذا القانون، إذا ما تم إقراره، على نحو إن كان سيؤخذ به بأثر رجعي، يشمل الجهات المستهدفة (جماعة فتح الله غولن المتورطة في الانقلاب، زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المعتقل في سجن إميرالي قبل 17 عاماً…) أم لن يكون القرار بأثر رجعي، وسيكون منصباً على المستقبل؟ وعلى المستوى السياسي والحزبي، ثمّة انقسام كبير بين رؤية حزب العدالة والتنمية التي ترى في هذه العقوبة رادعاً لمنع تكرار الانقلابات العسكرية ومحاكمة عادلة لقادة الانقلاب العسكري الفاشل، وتحديداً غولن الذي تطالب أنقرة واشنطن بتسليمه لها، ورؤية المعارضة المتمثلة بحزبي الشعب الجمهوري الذي يمثل إرث أتاتورك وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، فالحزبان أعلنا رفضهما إعادة العمل بعقوبة الإعدام، لا لأنها يعتقدان أن هذه العقوبة ستكون مدخلاً لتصفية الخصوم السياسيين، وردعاً للمعارضين، بل لأنهما يعتقدان بأن ثمة حسابات سلطوية تتعلق باستفادة أردوغان من طرح هذه القضية، للانتقال إلى النظام الرئاسي، في ظل عدم توفر النصاب القانوني لحزب العدالة والتنمية، لإقرار هذا الانتقال من داخل البرلمان، إذ يجد الحزبان نفسيهما في موقفٍ حرج، فموافقتهما على إعادة العمل بعقوبة الإعدام ستُخسرهما مزيداً من الرصيد الحزبي، كما أن رفضهما سيتيح توجيه اتهاماتٍ لهما بدعم الإرهابيين والانقلابيين، وهو ما قد يضعف موقفهما في حال عرضت القضية على استفتاء شعبي، كما هو محتمل وفق النسب والقوانين والقواعد التي تتحكم بعمل البرلمان.
على مستوى الخارج، من الواضح أن الرفض الأوروبي والأميركي القاطع للعودة إلى عقوبة الاعدام سيزيد من التوتر في العلاقة مع تركيا، إذ من شأن ذلك إظهار الحكم في تركيا شعبوياً على حساب الديمقراطية والتطور المدني والقانوني، مع الإشارة إلى أن كل ما سبق لن يؤثر على عزم أردوغان على المضي في مشروعه حتى النهاية.
 خورشيد دلي
صحيفة العربي الجديد