وعد بلفور بعد 99 عامًا

وعد بلفور بعد 99 عامًا

s231159-105p
يوم الأربعاء الماضى مرت الذكرى 99 على أشأم حدث عرفته المنطقة العربية ألا وهو وعد بلفور. فى العام المقبل سيكون مر مائة عام على الوعد الذى كان نذير شؤم على القضية الفلسطينية.
لم يكن وعد بلفور ليصدر لولا خريطة النفوذ التى تقاسمتها بريطانيا وفرنسا فى سايكس ــ بيكو عام 1916. خلال أقل من سنتين كان مستقبل المنطقة العربية المشرقية يرتسم بعيدا عن إرادة سكانها وأهلها الأصليين.
رسم الحدود يبدأ من تفتيت المنطقة وتفريق إرادتها. ولذا فإن اتفاقية سايكس ــ بيكو ووعد بلفور كانا، بالتعبير اللبنانى الرائج هذه الأيام، سلة متكاملة. بمعنى أن تقسيم المنطقة شرط حتمى لتمرير تصفية هوية فلسطين وإقامة الكيان «الإسرائيلى».
بعد مائة عام على سايكس ــ بيكو و99 عاما على وعد بلفور، تواجه المنطقة العربية سيناريو لا يقل خطورة عن سيناريوهات بداية القرن العشرين. ويبدو هذا أكثر وضوحا فى ما يجرى اليوم على الساحتين السورية والعراقية ناهيك عن اليمن وليبيا.
لكن لا شك أن قوى العالم اجتمعت فى سوريا والعراق أكثر من غيرهما. لقد جاءت الدول الكبرى بنفسها مع الطائرات والجنود والخبراء والقذائف بل حملت معها مسلحيها الغرباء الذين تستخدمهم فى الحروب على الأرض. كانت حروبا بالوكالة بداية. فالأمريكيون لم يكونوا يريدون أن يتورطوا بحروب جديدة بعدما انسحبوا من العراق. والروس اكتفوا بعناصر جوية وإدارة عمليات.
أما الأتراك الذى دعموا تنظيمات محلية وعناصر أجنبية فلم يتمالكوا الضغوط والصبر فنزلوا بأنفسهم إلى الساحة منذ أغسطس الماضى. أولا فى سوريا وثانيا فى منطقة بعشيقة العراقية مع التهديد بدخول العراق برا وجوا بدباباتهم وجنودهم وطائراتهم.
ما يثير الهواجس والمخاوف أن يتحول التطلع التركى لمواجهة الحركة الكردية فى سوريا والعراق إلى ذريعة لتحويل التدخل العسكرى إلى مشروع لاستعادة أطماع تاريخية كانت سقطت فى الحرب العالمية الأولى.
اليوم يكثر الكلام على اتفاقيات ثنائية تسمى «كيرى ــ لافروف» على غرار «سايكس ــ بيكو». ولا أحد يعرف ما إذا كان ضمن هذه المشاريع اليوم شىء يشبه وعد بلفور.
إذا كان البعض يؤشر إلى الحالة الكردية فهذا غير صحيح. فلو أن الأكراد حققوا دولة مستقلة سواء فى العراق أو سوريا أو تركيا فهذا يبقى ضمن إطار الشعوب الأصلية للمنطقة وعلى مناطق لم يحتلوها بل هم موجودون فيها، بينما اليهود لم يكونوا هنا وجاءوا من أربع رياح الأرض.
مع ذلك فإن مجرد ضرب الدولة المركزية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن نذير خطر على وحدة هذه الدول. ومن هذه الزاوية فإن أحدا من الدول الاستعمارية الكبرى أو الإقليمية الكبيرة ليست حريصة على وحدة أراضى دولة ترى أنه يمكن أن يكون لها حصة منها على طاولة المفاوضات.
وعلى الرغم من مرور ست سنوات على حرب سوريا وأكثر من سنتين ونصف على بدء الأزمة فى العراق بعد دخول «داعش» إليه فإنه فى الذكرى 99 لوعد بلفور لا نزال فى قلب الحريق الذى نأمل أن تكوى ناره خلافاتنا وضعفنا لنعود من جديد أكثر وعيا وإداركا ولنكون قوة مؤثرة على ساحة التاريخ البشرى.
محمد نور الدين
صحيفة الخليج