معركة الموصل توسع الشرخ بين مكونات المجتمع العراقي

معركة الموصل توسع الشرخ بين مكونات المجتمع العراقي

_94259_iraq3

أعطت مشاركة مقاتلين من عدّة أعراق وطوائف في الحملة العسكرية الجارية لاستعادة مدينة الموصل، الانطباع بخوض العراقيين لمعركة موحّدة تفتح الطريق أمام مصالحة تاريخية بين مكونات مجتمعهم التي اتسع الشرخ بينها طيلة الـ13 سنة الماضية حتى أصبح البعض من تلك المكونات لا يرى له مستقبلا في العراق الموحّد.

وتتجاور في المعركة بشكل رئيسي القوات الحكومية العراقية مع قوات البيشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية المكونة للحشد الشعبي، إضافة إلى مجموعات صغيرة من المقاتلين من عدة أعراق وطوائف.

وعلى عكس المأمول، فإنّ مشاركة فرقاء عراقيين في المعركة هي على سبيل تحصيل مكاسب وضمان مكانة في مرحلة ما بعدها، ما يجعلها ميدانا للتنافس أكثر مما هي مجال للوفاق والتعاون.

وتغدو المعركة من هذه الزاوية مكرّسة للشرخ الاجتماعي أكثر مما هي عامل لتضييق الهوة بين مختلف المكونات.

وخلال الأيام الماضية صدرت تصرّفات عن أطراف مشاركة في معركة الموصل زادت من رفع منسوب التوتّر في علاقة المكونات العراقية.

ففي مدينة كركوك أقدمت قوات كردية على تهجير عوائل عربية بعد هدم منازلها، فيما قامت ميليشيات الحشد الشعبي بنهب ممتلكات سكان منطقة الشورة في جنوب الموصل.

ونددت منظمة العفو الدولية بسلوك القوات الكردية، معتبرة أن ترحيل وتشريد سكان سنة عرب قسرا من كركوك وهدم منازلهم، تشكل جريمة حرب.

وفي جنوب الموصل، حيث تجري معركة دامية لاستعادة المدينة من تنظيم داعش، أقدمت قوات الحشد الشعبي المكونة من ميليشيات شيعية على نهب ممتلكات السكان السنّة لناحية الشورة.

ومثّل ذلك مفارقة صادمة بعد أن كان يراد من هذه الناحية بالذات أن تصبح رمزا للوحدة بين سنّة العراق وشيعته من خلال إقامة صلاة موحّدة بين أبناء الطائفتين بعد استعادتها من داعش.

ولا يبرئ مراقبون القوات النظامية العراقية بحدّ ذاتها من ممارسات مكرّسة للشرخ داخل المجتمع العراقي. ويلفت أحد هؤلاء إلى هناك مشكلة لم يسلط عليها الضوء، بالرغم من أنها كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى عزوف سكان الموصل عن التعامل مع سلطات بغداد قبل ظهور داعش.

وتتمثل تلك المشكلة في النزعة الطائفية التي مارسها الجيش العراقي والأجهزة الأمنية في المدينة، وهي نزعة استعلائية، فيها الكثير من الطيش الذي دفع بالسكان إلى أن يرحبوا بأي تغيير، رغبة منهم في إنهاء ذلك الوضع غير الطبيعي الذي يقوم على الذل ومصادرة الحريات والإساءة إلى الكرامة الإنسانية.

سكان نينوى عرضة لحملة تشويه ممنهجة تسعى للنيل من وطنيتهم من خلال اتهامهم بالتعاون مع تنظيم داعش

وكما يبدو، فإن تلك النزعة ظهرت مرة أخرى وقد يكون ظهورها هذه المرة في أسوأ صوره، بعد أن تعرضت الموصل والمناطق التابعة لها خلال السنتين الماضيتين لتشويه مقصود نال من وطنية سكانها من خلال اتهامهم بالتعاون مع تنظيم داعش، وهو ما يناقض الحقيقة التاريخية التي يعرفها العراقيون.

وكما هو واضح، فإن ذلك التشويه يهدف إلى دفع سكان الموصل إلى الموقع الذي يكونون فيه مهزومين ويكرس التأزم الطائفي الذي كان قائما قبل أكثر من سنتين.

ووفق ذات المراقب، فإن الدرس الذي لم تتعلم منه حكومة بغداد شيئا، يكمن في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى سقوط الموصل.

ولذلك فإن كل الأخطاء التي ارتكبت قبل ظهور داعش تتكرر خلال الحرب عليه، بغض النظر عن الجهة التي ترتكبها. فالجيش يتستّر على ما تقوم به ميليشيا الحشد الشعبي وإن لم تكن تلك الميليشيا موجودة، فإن الجيش يقوم بنفسه بارتكاب المخالفات في حق المدنيين.

وكان مصدر أمني في محافظة نينوى بشمال العراق قد كشف في وقت سابق أنّ عناصر الحشد الشعبي الذين يرتدون لباس الشرطة الاتحادية بدأوا في نهب وسرقة ممتلكات سكان الناحية الواقعة على بعد 45 كلم جنوب الموصل، والمستعادة مؤخرا من قبضة تنظيم داعش.

وأضاف أنّ سيارات نقل توقّفت عند أبواب المنازل والمحال التجارية التي تخلو من أصحابها الذين نزحوا خارج الناحية مع اشتداد القتال في الأيام الماضية، ومن ثم قامت عناصر الميليشيات بنقل الأثاث والأجهزة الكهربائية على متنها.

وسعت شخصيات عراقية لإقامة صلاة مشتركة بين أبناء الطائفتين السنية والشيعية الجمعة الماضية في الشورة، لكن فشل المسعى جاء ليعكس صعوبة تحقيق المصالحة بين الطوائف في العراق.

ونُقل عن الفريق أول شعلان علي صدر، الذي يقود وحدة من الشرطة العراقية قوله، “جئنا إلى هنا لحضور صلاة موحدة تجمع بين السنة والشيعة، جنبا إلى جنب بحماية الشرطة، لكن المشروع ألغي في الأخير”.

ومثّلت الشورة قبل استعادتها من القوات العراقية معقلا لتنظيم داعش بعد أن كانت في سنوات سابقة معقلا لتنظيم القاعدة.

وكثيرا ما كانت مثل هذه المناطق العراقية موضع انتقام الميليشيات الشيعية التي تساهم في استعادتها، على خلفية اتهام جميع سكانها دون تمييز باحتضان المتشدّدين والتعاون معهم، وذلك بعد أن يكون السكان أنفسهم قد عانوا من تبعات سيطرة المتشدّدين على قراهم وبلداتهم. وبعد استعادتها من داعش أغلقت مداخل بلدة الشورة بحواجز للشرطة وفصائل الحشد الشعبي التي أقدم مسلحوها على حرق منازل الأهالي بعد نهب محتوياتها.

وأكّد أحد السكان أن المنازل احترقت بعد المعركة ضدّ داعش وليس خلالها. ولاحظ فريق وكالة “فرانس برس” في المناطق المجاورة لمسجد البلدة منازل عدة بدت واجهاتها وجدرانها الداخلية سوداء نتيجة حريق حديث.

وردا على سؤال حول هوية المخرّبين، كان الصمت جواب معظم السكان وبدا خوفهم جليّا، عدا أحد السكان الذي تجرّأ على قول “إنهم رجال الميليشيات، يأتون ليلا بتواطؤ من بعض أفراد الشرطة الذين يسمحون لهم بالدخول”.

صحيفة العرب اللندنية