كلمة محمد علاوي في المؤتمر الصحفي للإتحاد العالمي للقضاء على القاعدة وداعش

كلمة محمد علاوي في المؤتمر الصحفي للإتحاد العالمي للقضاء على القاعدة وداعش

gafta
محمد توفيق علاوي
8 نوفمبر 2016
كلمة محمد علاوي في المؤتمر الصحفي في العاصمة واشنطن للتحالف الدولي للقضاء على داعش والقاعدة (GAFTA) والموجهة للجهات المالية العالمية المانحة للقروض الميسرة

ان تداعيات الفساد فى العِراق ليست اقلٌ ضررا من تداعيات ظهور داعِش, فالعراق حصّل على اكثر من 700 مليار دولار مِن أيرادات النفط مُنذ عام 2003.ان هذا المبلغ كان يٌمكِن أن يكون كافياً فى مساعدة العِراق فى ان يصبح دولةً مٌزدهِرةً ومُستقِرةً ومرفهةً ومُتطورة. ولكن للأسف نجِد أن أكثر من 80% من تلك الأيرادات قد أُهدِرت بسبب سوء الإدارة للحكومات ألمتتالية وألوزراء غير الأكفاء، وأغلب الاموال قد أُختلِست مِن قِبل السياسيين الذين تم إنتخابهٌم لإجل ان يخدموا بلدهٌم ولكن بدلاً من ذلِك اعطوا ألأولوية الى مكاسِبهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن والمواطِن.
جزءً من المُشكِلة هو ان الإقتصاد العراقى اقتِصاد ريعي يعتمد إعتماداً كُلياً على عائدات النفط . ولكن تِلك الحالة لم تكن هكذا دائماً، لقد كانت القطاعات الزِراعية والصِناعية والإنتاجية ألأُخرى فى عهد النِظام السابق متقدِمة جِدًا، ولكن الآن القطاعين الزِراعي والصِناعي على حدٍ سواء متدهورين الى حدٍ كبير بِسبب إنعدام وجود سياسة إقتصادية للبلد وبِسبب سوء ألإدارة وبِسبب الفساد.
ان تداعيات الفساد تدمي القلوب عندما نرى أن أكثر من 30% من الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر. إن عائدات النفط عِبر السنواتِ الماضية كانت كفيلة بان تقي الشعب العراقى من المعاناة كلياً .الآن وقد إنخفضت اسعار النفط فمِن الطبيعي في ظِلّ إنعدام وجود خطة وسياسة إقتصادية فإن معاناة الشعب العراقي ستزداد في المستقبل.
ولِلتخفيف من هذه المعاناة تسعى الحكومة العراقية الى الحصول على قروضٍ من مؤسسات مِثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولى وبنك التنمية الإسلامي ومنظمات مالية دولية أُخرى. إن تلك المؤسسات تقوم بِدعم العِراق بِعدة مليارات من الدولارات لدعمِ الموازنة. وإن البعض من هذا التمويل مطلوب وضروري فى معركةِ العِراق ضد داعش . حيث ان تمويل الجُهد الحربى يجب ان يستمر بشكلٍ إعتيادي في جميع الظروف. ولكن بِالنسبة للمجالاتِ الأُخرى يجب تطبيق سياسات إقتصادية مدروسة مِن أجل أن يتمكن البلد من ضمانِ تمويلِ المشاريع الإقتصادية المُفيدة لِلبلد بشفافية ومن دون ضياعِ القروضِ لمصلحةِ الُمفسدين وهدرِها وضياعِها بِسبب إنعدام الكفاءة للكثير من المسؤولين والمُتصدين لقيادةِ البلد.
العِراق قدّم عِدة طلبات إلى عدةِ جهاتٍ عالمية للحصولِ على قروضٍ ماليّة تسُدُ النقص في الموازنةِ العراقية؛ من الضرورى على الحكومةِ العراقيةِ ان تُقدِم خطط واضِحة الى المؤسساتِ الماليةِ الدولية والبرلمانِ العراقي حول كيفية صرف وإدارة تِلك الأموال حيث أن هذا سوف يُساعِد فى ضمان أن تُستخدم الأموال المُقترضة مِن قِبل العراق بشكلٍ قانونيٍ وأصوليٍ من دونِ فساد ولِمصلحةِ العِراق وألمواطنين العراقيين، لذلك فأنا أُوصي هذِهِ المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الإسلامي للتنمية وغيرها ان تضع ثلاثة معايير أساسية حين توفير هذه القروض المالية وكما يلي :
اولاً: أن تتعاون الحكومة العراقية مع البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى والمؤسسات الاخرى لإيجاد سياسة إقتصادية واضحة المعالم وخِطة شامِلة لتطوير الاقتصاد العراقي .إن هذه الخِطة يجب ان تلبي واقِع الإقتصاد العراقى الحالى من حيث إنخفاض أسعار النفط وعدم الاستِناد على توقعات ساذجة بعيدة عن الواقع تتعلق بإفتراضات غير واقعية بزيادات لِأسعار النفط فى المُستقبل، مع العلم أن هذا أمر مستقبلي مجهول، والدول والحكومات التي تحترِمُ نفسها وتحترِم شعوبها لا يُمكنها فرض إحتمالات غير واقعية، ولهذا يجب على المسؤولين في الحكومةِ العراقية أن يفترضوا بان العراق لديه الآن اقتصاد وميزانية أوطأ وأكثر تدنياً من ميزانيته قبل عام ٢٠١٤ إستناداً على ألأسعار العالمية الحالية والواقعية لأسواق النفط المختلفة.
كما إن جزءً من الاستراتيجية والسياسة الإقتصادية يجب ان تشمِل إصلاح سياسة صرف العملة الاجنبية الحالية، وكما هو واضح فإن العراق هو احد الدول القلائل الذي لدى مصرفه المركزي مزاد لصرف العملة الاجنبية. ان هذه السياسة قد كانت مطلوبة فى عام ٢٠٠٣ واستمرت بدون ضرر حتى عام٢٠١٢ ولكن منذ ذلك الوقت فإن مزاد العملة لِلأسف الشديد أخذ يتم التلاعُب به لاغراض فاسدة لذلك يجب على المؤسسات المالية الدولية ان تُشجع الحكومة العراقية فى أن تجِد اسلوب بديل لصرف العملة لضمان النزاهة وتلافي الفساد وخسارة المواطنين العراقيين لصالح فئة صغيرة من المفسدين.
ثانياً: بالنسبة لمِشاريع البُنى التحتية الرئيسية فإنهُ يجب تعيين شركات إستشارية دولية ذات سمعة جيدة لاجل ضمان اخذ جميع الإحتياطات الضرورية لمنع الفساد، ويشمل هذا ألأمر المراحل المهمة في طرح المناقصات وعمليات الإحالة وإجراء العقود للمشاريع المهمة للبلد،إن هذا ألأمر سيجعل من الصعب على الافراد الفاسدين فى ان يُبرِموا صفقات جديدة بطريقة سوف تسمح لهم بسرقة الأموال وتحقيق المصلحة الخاصة على حساب مصلحة الوطن.الآن هو الوقت المناسب للمؤسسات المالية لوضع هذه الشروط قبل منح الاموال والقروض الميسرة للعراق.

ثالثا: يجْب تعيين شرِكات مُحاسبة وتدقيق عدليّة عالميّة (Forensic Auditing) كما هو مٌتعارف في الدول العالميّة التي تحترِم نفسها عِندما يتِم إكتشاف حصول تلاعٌب وسرِقة للأموال من خِلال المشاريع المُختلفة حيثُ يُمكِن بهذِه الطريقة إستعادة الاموال المُختلسة والسرِقات، سواء كانت مِن خِلال مشاريع مُختلفة أو مجالات صرف أُخرى لِجميع المشاريع التى أٌعطِيْت مُنذُ عام 2003 حتى الآن فضلاً عن المصاريف المُختلِفة المشكوك بِها . العراق يجب ان يتفِْق ويٌعيّن مِثل هذِه الشرِكات لإستِرداد مايُمكن إستردادهُ من الأموال المسروقة . ويُمكِن إعطاء حافِز إلى شركات المُحاسبة وذلك بإعطائِها نِسبة مِئوية من الاموالِ المُستردة عِوضاً عن إعطائها أجوراً ثابتة.
وقْد سبق أن قدم الدكتور أياد علاوي نائِب رئيس الجمهورية هذا المُقترح إلى رئيسِ الوِزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي. لِلأسف لم يأخٌذ رئيس الوزراء بِهذا المُقترح، ليس بِسبب أنهُ يرفُْض هذِهِ الفِكرة ولكن يٌعتقد أن مِثل هذا ألأمر يُمكِن أن يضعهُ فى مواجهة مباشِرة مع الافرادِ المٌتنفذين الفاسدين من داخلِ كُتلتِهِ وكذلك من السياسيين الفاسدين من ألكُتلِ ألأُخرى .لِهذا فإنهُ ينبغي على الطرفِ الخارجي، وفى هذِه الحالة المقصود المنظمات المالية الدولية المُقرِضة للعِراق، أن تتبنى مِثل هذا المقترح كجُزْء من اجراءاتِهم الماليّة عِندما تُخصّص القروض او المُنح إلى العراق، وهذا في نفسِ الوقت سيحمي الدكتور حيدر العبادي مِن المواجهة مع السياسيين المُفسدين إن كان سبب إمتناعه هو الحذر من مواجهة هذِه الجِهات الُمفسِدة.
هذِهِ المعايِير تعني بِأن تِلك الأموال التي تأتي إلى العِراق مِن هذِهِ المٌنظمات الدٌوليّة سوف تُستثمر ضِمن سياسة وإستراتيجية إقتِصادية مْدروسة وشفافة ومٌعادية للفاسدين. وبألتالي فإن هذا يعني إن ألشعب العراقي سوف يستفاد أكبر مِقدار مِن ألإستِفادة مِن هذِهِ الأموال، وبِهذا يُمكِن اخيراً أن نضع إقتصاد العِراق على المسار الصحيح والسليم، حيث يٌمكِن أن يشهدَ العِراق التقدُّم والتطوًُر والإزدِهار حتى مع إنخفاضِ أسعارِ النفط وحتى مع ضعفِ موازنتِهِ وقِلّةِ دخلِهِ .

يمكن الإطلاع على الكلمة كاملة باللغة ألانكليزية على الموقع على الرابط التالي :
https://mohammedallawi.com/2016/11/02/