ثلاثة أسابيع على معركة الموصل: نجاحات عسكرية وإخفاقات إنسانية

ثلاثة أسابيع على معركة الموصل: نجاحات عسكرية وإخفاقات إنسانية

349

طوت معارك الموصل أسبوعها الثالث محققة نجاحات عسكرية كبيرة، مقابل إخفاقات على المستوى الإنساني مع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين من جراء القصف اليومي الجوي والمدفعي والصاروخي على المدينة، والانتهاكات التي تنفذها مليشيات “الحشد الشعبي” على المحورين الجنوبي والغربي، وتمثّلت بعمليات إعدام وتعذيب وإخفاء قسري للمدنيين طاولت أعداداً كبيرة من أهالي البلدات والقرى التي دخلتها تلك المليشيات. يُضاف إلى ذلك حملات الإعدام التي باتت روتينية لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بحق من يعتبرهم مرتدين أو مشكوكاً بولائهم داخل المدينة.
هذه المعادلة فرضت واقعاً سوداوياً على نحو مليون ونصف المليون مدني محاصرين داخل المدينة بحسب تقديرات لبعثة الأمم المتحدة في بغداد صدرت الشهر الماضي، وهي جعلت من زيارة مقبرتي وادي عكاب والكرامة في مدينة الموصل تقليداً يومياً لمواكب مشيعي الضحايا.
على مستوى الإنجازات العسكرية منذ بدء الهجوم على الموصل في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تمكّنت القوات المشتركة مدعومة بقوات التحالف الدولي براً وجواً، من استعادة نحو 1400 كيلومتر مربع من مدن وبلدات محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، غير أن المدينة التي تُعتبر هدف العملية ما زالت حتى الآن تحت قبضة تنظيم “داعش” وسط عجز واضح عن اختراقها لليوم الرابع على التوالي.

توقع قتال عنيف
مع ختام الأسبوع الثالث من المعارك، تكون القوات العراقية قد استعادت السيطرة على 121 قرية و6 مناطق و4 أقضية و12 حياً و8 مجمّعات سكنية مستقلة ونحو 20 منطقة صناعية، بما مجموعه 1400 كيلومتر مربع تقريباً من الأراضي، تشمل أيضاً مناطق وحقولاً زراعية مختلفة، وفقاً لتقارير عسكرية عراقية صدرت عن وزارة الدفاع في بغداد.

وشهدت معارك، أمس الاثنين، مواجهات حادة وقريبة بين الطرفين في أكثر من محور أبرزها الشرقي والشمالي، فيما نجحت قوات البشمركة في فرض سيطرتها على كامل مدينة بعشيقة (25 كيلومتراً شرقي الموصل) في مهمة قد تكون هي الأخيرة لقوات البشمركة، وفقاً لضابط كردي تحدث إلى “العربي الجديد”. وقال العقيد سركوت آمران حميد، إن “الهجوم على مركز بعشيقة قد يكون من آخر مهام قوات البشمركة في خطة تحرير نينوى وعاصمتها الموصل”، موضحاً أن “قوات البشمركة أكملت تقريباً أغلب مهامها، وستتجه حالياً نحو الإمساك بالأرض وتثبيت استقرارها ورفع مخلّفات التنظيم منها”.
أما في المحور الشرقي الذي يحتل صدارة أسخن المحاور منذ بدء العمليات العسكرية، فتمكّنت قوات جهاز مكافحة الإرهاب من فرض سيطرتها بشكل كامل على حيي كوكجلي والسماح وأجزاء من حي الانتصار، بينما تشير التوقعات إلى احتمال هجوم جديد مع شروق شمس اليوم الثلاثاء، على مناطق أخرى شرقي الموصل بدعم جوي من طيران التحالف الدولي.

وتشير خارطة المعارك الحالية إلى أن القوات العراقية المشتركة باتت فعلياً داخل حدود بلدية مدينة الموصل من الاتجاه الشرقي، إلا أن عملية وصولها إلى داخل الأحياء المأهولة لم تتحقق بعد، إذ يُعتبر حيَا الانتصار والسماح الثانية من الأحياء الجديدة المستحدثة لبلدية الموصل وملاصقة لأولى الأحياء السكنية. فيما ترابط القوات المهاجمة على بُعد سبعة كيلومترات من مطار الموصل الدولي جنوب المدينة، في الوقت الذي تتعثر فيه مهمات القوات الموجودة على المحور الشمالي بسبب صعوبة التحرك في تضاريس صعبة المراس خبرها التنظيم وأعد لها سلسلة حقول ألغام كثيرة، بحسب ضباط في الجيش العراقي تحدثوا لـ”العربي الجديد”.

وقال العقيد فاضل العبادي من قيادة عمليات نينوى، لـ”العربي الجديد”، إن “القوات العراقية باتت فعلياً داخل الموصل”، مضيفاً أن “المعارك لم تتحوّل بعد إلى حرب شوارع حقيقية، لأن تلك الأحياء الأولى عبارة عن منازل متناثرة ومبانٍ غير مكتملة، لكن القتال الأصعب سيكون بعد اجتياز شقق حي الأندلس، ونعتقد أن المعارك لن تكون سهلة”، متوقعاً أن يتم “تحقيق انتصارات جديدة خلال الأيام الثلاثة المقبلة”.

نزيف بشري
في غضون ذلك، حصلت “العربي الجديد” على تقرير طبي من مستشفى الموصل العام، التي أكد طبيب داخلها أنها باتت عبارة عن غرفة تضميد لا أكثر بسبب نفاد الأدوية والعلاجات اللازمة للأهالي. ووفق التقرير، ارتفعت حصيلة الضحايا المدنيين إلى 511 مدنياً بين قتيل وجريح بواقع 131 قتيلاً، منهم 47 طفلاً و22 امرأة، و380 جريحاً جميعهم من سكان الموصل وضواحيها سقط أغلبهم بسبب القصف الجوي والمدفعي والصاروخي.

وقال طبيب في مستشفى الموصل تواصلت “العربي الجديد” معه، وهو من أصل ستة أطباء فقط موجودين في مستشفى المدينة العام، إن “وتيرة القصف ترتفع، ويزداد معها عدد الواصلين إلى المستشفى كل يوم”، مضيفاً أن “التنظيم يدفن قتلاه في مقبرة خاصة به ويداوي جرحاه في مكان جهزه مسبقا، وهو أكثر تطوراً وتصله أدوية ومستلزمات من سورية بشكل مستمر”. وتابع: “لا يأتي سوى الضحايا المدنيين إلى المستشفى، والمكان تحوّل إلى غرفة تضميد نقوم فيها بقطب الجروح أو لفّها وإخراج الضحايا”، لافتاً إلى أن “أكثر الجرحى يصلون فاقدي أطرافاً معينة من أجسادهم”.
في هذه الأثناء، وصل عدد من نفذ تنظيم “داعش” عمليات إعدام بحقهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية إلى أكثر من 200 مدني داخل الموصل، غالبيتهم من أفراد الجيش والشرطة والمنتمين للحزب الإسلامي العراقي أو ممن يقول عنهم إنهم جواسيس، وفقاً لمصادر محلية داخل الموصل.
فيما أكد ضابط رفيع في الجيش العراقي لـ”العربي الجديد” أن مليشيات “الحشد الشعبي” أقدمت يومي الأحد والإثنين على إعدام عشرات الرجال في قرية العدية غرب الموصل، غالبيتهم من المزارعين، بعد فصلهم عن النساء والأطفال، فضلاً عن جرائم مماثلة في ناحية الشورة جنوب الموصل. وأضاف أن المليشيات قامت باقتحام المنازل وإطلاق الرصاص على من فيها من الرجال وتنفيذ عمليات نهب واسعة في المدينة المعروفة بثراء سكانها. وأضاف الضابط طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن “الانتهاكات تزداد في محاور المليشيات، وهناك جرائم وحشية بدوافع طائفية لكن التكتم كبير ولا يسمح لأي صحافي بالدخول إلا إذا كان مؤدلجاً لصالحهم”، وفق قوله.