العراق والزيارة المرتقبة

العراق والزيارة المرتقبة

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%af%d9%8a

منذ أن أصبح حيدر العبادي رئيساً لوزراء العراق في آب/أغسطس عام 2014م، حاول -ويحاول- الانفتاح على الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص نظراً للتقارب الجغرافي والتاريخ والتكوين الاجتماعي. فهو يدرك أهمية العلاقات الطيبة مع دول الخليج العربي. لذلك ومن أجل عودة الدفيء إلى هذه العلاقات أُجريت حوارات سرية مع بعض الدول العربية، وصلت إلى مرحلة من التبلور والنضج السياسي حتى جاء الوقت المناسب للإعلان عنها. فبحسب معلومات حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية سيقوم كل من عادل الجبير وزير خارجية المملكة العربية السعودية وعبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة العراق واللقاء مع المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي. كما يوجد لقاءات سرية ومحدودة جداً بين الأجهزة الأمنية العراقية والأجهزة الأمنية لحكومات الدول العربية يُشرف على هذه اللقاءات شخصياً حيدر العبادي.

وتصب هذه الزيارة المرتقبة من قبل الوزيرين العربيين الخليجين في مصلحة العلاقات العراقية الخليجية، فعلى الجانب الخليجي تهدف الزيارة إلى إعادة العراق إلى حاضنته العربية وأن لا يترك للنفوذ الإيراني وهذا لا يعني إعادة علاقة التحالف العراقية الخليجية كما كانت عليه في أثناء ما أصطلح عليه في حرب الخليج الأولى”الحرب الإيرانية-العراقية 1980م-1988م”، وإنما هي محاولة من دول الخليج العربي كي لا يصطف ولا ينحاز العراق بشكل كلي إلى جانب النظام الإيراني. أما العراق يهدف من هذه الزيارة إلى الحصول على دعم عربي في مواجهة تركيا فهو بهذه الزيارة للوزيرين العربيين الخليجين يوصل رسالة إليها بأن له ظهير عربي خليجي يدعم موقفه في سياق الأزمة المتصاعد بين تركيا والعراق على خلفية الوجود العسكري التركي في معسكر بعيشقة محافظة الموصل. والإصرار التركي على المشاركة في معركة الموصل ضد تنظيم داعش على رغم من معارضة العراق الشديدة لهذه المشاركة. كما تهدف هذه الزيارة على الجانب الأمني في تفعيل التعاون والتنسيق العربي في مواجهة ظاهرة الإرهاب المتمثلة بالتنظيمات المتطرفة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين العراق ودول الخليج العربي.

يعيش العراق بعد احتلاله للكويت في 2 آب/أغسطس عام 1990 حالة من الابتعاد عن محيطه العربي، خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ورغم التغيير الذي حصل عام 2003 وإسقاط  حُكم حزب البعث العربي الإشتراكي الذي حكم البلاد لأكثر من 35 عاماً، فإن العلاقات بالمحيط العربي لم تعد كما كانت سابقا.  قبل ذلك -وعلى الطرف المقابل- وأثناء قيام “الثورة الإسلامية” في إيران عام 1979، بدأ النظام الإيراني بمحاولة نسخ التجربة التي أُسقط على إثرها شاه إيران وتصديرها إلى العراق، لكنها لم تنجح، فنشبت الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت ثمانية أعوام. وعاش العراق تخبطاً كبيراً في علاقاته، التي ابتعد فيها عن المجتمع الدولي وفُرض الحصار عليه بسبب اجتياح الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لدولة الكويت، واتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل، لكن إيران لم تبق مكتوفة الأيدي واستمرت في محاولاتها التغلغل بالعراق.

بعد إزاحة نظام صدام في 9 من نيسان/إبريل عان  2003،دفع النظام الإيراني بالمعارضة العراقية التي كانت تحتضنها، فكان لها الدور الأكبر في العراق منذ ذلك اليوم وحتى الآن، في وقت بقيت علاقات العراق رغم تعدد الحكومات مع الدول العربية “خجولة” لكنها تعيش أحسن حالاتها مع إيران.وبعد ذلك التاريخ عقدت في الرياض ومدن خليجية أخرى، سلسلة من الندوات العلمية التي بحثت في كيفية إعادة إطلاق علاقات دول الخليج بالعراق على أسس جديدة، من شأنها تعزيز ركائز الأمن الإقليمي.

خلاصة ما تم التوصل إليه في النقاشات هو أن العلاقات الخليجية مع العراق لا تستقيم استنادا إلى فلسفة التوازنات التي أسفرت عن حربين مدمرتين في هذه المنطقة. لقد جرى التأكيد من قبل مجموع الباحثين على أن مبدأ التوازنات يُمثل غواية تفرق دول المنطقة بدل أن تجمعها. في المقابل، كانت هناك رؤية مشتركة تؤكد على أن علاقات دول الخليج بالعراق يُمكن أن تنهض استنادا إلى مبدأ التكامل الاقتصادي، والتعاون المدني النشط. وإن هذا المسار، متى قُدر له التحقق من شأنه أن يطوّق القضايا الخلافية، ويمنع تحوّلها إلى أزمات متفجرة. وهذه القضايا بذاتها يمكن تسويتها كنتيجة لمسار تعاوني بعيد المدى.

ويرجع المحللون السياسيون أسباب الابتعاد في العلاقات العراقية العربية والذين يؤكدون على أهمية عودتها، منها سبب طائفي يتمثل بأن الشيعة العرب أصبحوا هم من يُحكم العراق بعد عام 2003م. وهناك من رأى في سبب الابتعاد المتغير الايراني في المشهد العراقي العام العام، إذ تمكن النظام الايراني من احكام نفوذه العراق ومن ثم الغاء أو التصدي لأي دور فيه. في حين هناك رأي ثالث يعزو سبب الابتعاد إلى الانقسام السياسي الذي يشهده العراق منذ عام نيسان/إبريل عام 2003م، منع بلورة سياسة خارجية موحدة تدافع عن المصالح العليا للبلاد، فأصبح لكل من المكونات صديق أو أصدقاء في المحيطين الإقليمي والدولي، تعتمد على دعمه في أوقات معينة ووفق مصالحها قبل مصلحة العراق. وأن غياب رؤية عربية موحدة متوازنة، تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع العراقي، أدى لتقويض الدور العربي في العراق، وبذلك فقدت ورقة كان يمكن أن توازن بها الهيمنة الأميركية ونفوذ الأطراف الإقليمية. وأن انشغال العرب منذ عام 2003 بالحديث عن الاحتلال الأميركي، ووضع أنفسهم في موقف الدفاع عن نظام الرئيس العراقي السابق نظام صدام، أثار حساسية طيف واسع من العراقيين المتضررين من نظام البعث، في وقت كان النظام الإيراني من أوائل الدول الذي اعترف بالنظام العراقي الجديد، ولا يزال يحتفظ بعلاقات طيبة مع معظم الأطراف السياسية والقومية والطائفية.

خلاصة القول يحاول حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي إلى إعادة الاعتبار للعلاقات العراقية العربية والتي يعد مدخلها الرئيسي العلاقات الطيبة مع دول الخليج العربي، فهو يسير على هذا الطريق على الرغم من الضغوطات الداخلية والخارجية الإقليمية التي تمارس عليه كي تجبره الرجوع عنه.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية