الرئيس اللبناني «المخلّص» لم يولد بعد

الرئيس اللبناني «المخلّص» لم يولد بعد

871

في عامه الثاني بعد الثمانين، فاز الجنرال ميشال عون برئاسة الجمهورية اللبنانية بأغلبية 83 صوتاً من أصل 127 صوتاً، هو مجموع عدد النواب في البرلمان اللبناني. لم يكن فوزاً كاسحاً لكنه كاف لبلوغ قمة تطلع إلى اعتلائها منذ أن لمع نجمه عام 1988 عندما عينه الرئيس الأسبق أمين الجميل رئيساً للوزراء بالوكالة متجاوزاً العرف الطائفي، لتفادي الفراغ الرئاسي من جهة وكي لا يوفر للدكتور سليم الحص، رئيس الوزراء المستقيل في حينه فرصة للتحكم بالانتخابات الرئاسية.
هذا التجاوز تسبب في حينه بصراعات مفتوحة على غير صعيد، فقد حارب عون باسم الشرعية رفاق الأمس في القوات اللبنانية لتثبيت أركان سلطته واحتكار القرار في المنطقة الشرقية من بيروت، وسميت تلك بحرب الإلغاء. وخاض ما عرف باسم «حرب التحرير» ضد القوات السورية في لبنان وقد خسر هذه الحرب ولجأ إلى السفارة الفرنسية في بيروت ومنها إلى مارسيليا ثم إلى باريس التي بقي فيها 15 عاماً عاد بعدها إلى لبنان ليبدأ مسيرة الوصول إلى قصر بعبدا التي تمت أوائل الشهر الجاري.
ميشال عون رئيساً من أجل الرئاسة فقط أم من أجل عودة لبنان كما كان بحسب أنصاره، وبالتالي استعادة الدور المركزي للموارنة في حكم لبنان؟
أنصاره وتياره وطائفته مقتنعون بقدرته «الخرافية» ويرونه «مخلصاً»، وغالباً ما نشاهدهم على محطات التلفزة يخاطبونه بصفة رسالية ما يعني أنه يريد لصورة «المخلّص» أن تترسخ في مخيلة أنصاره الذين يستند اليهم في تشكيل «محدلة انتخابية» قادرة على تجميع أصوات غالبية المسيحيين في لبنان وبالتالي الحصول على كتلة انتخابية كبيرة كان لها الفضل في حمله إلى سدة الرئاسة.
عون «المخلّص» بعد عون الرئيس وعون الوزير الأول وعون الجنرال قائد الجيش والمقاوم للوصاية الخارجية. فهل «يخلّص» لبنان وهل يجترح معجزات ؟ وإن لم يفعل ما مصير جماهيريته؟ هل ينفرط عقدها؟ هل تصاب بإحباط وتهاجر بعد أن فقدت ثقتها بحزب الكتائب والقوات اللبنانية و14 آذار؟
الجواب ليس سهلاً لكنه ليس صعباً كما يبدو من الوهلة الأولى. فهذا العصر يخلو من المعجزات ويتيح إصلاحات جزئية ومحدودة، قد لا تكون كافية في حال تمت لإطلاق صفة «المخلّص» على الجنرال العجوز.
إن السقف الأعلى الذي يمكن لرئيس الجمهورية بلوغه، هو إعداد قانون انتخاب يسمح للمسيحيين من مختلف الأحزاب بالسيطرة على كل مساحة التمثيل المسيحي، وهذه مهمة في غاية الصعوبة لكنها ممكنة. ويمكنه أيضا استعادة الوظائف والامتيازات التي وفرها اتفاق الطائف للمسيحيين الذين لم يكن بوسعهم في حينه بسبب انقساماتهم الحفاظ عليها. ويمكنه أيضاً القيام ببعض الإصلاحات وإضفاء هالة قدسية عليها، مثال ذلك عودة الكهرباء لمدة 24 على 24 ساعة. أو حل مشكلة النفايات، أو التعرض الرمزي لبعض وجوه الفساد.
أما الاستعصاءات التي يمكن أن تعترضه فلربما يمكن حصرها في الخطوط التالية:
أولاً: الخلاص يمر بالضرورة بإلغاء مراكز القوى المسيحية الصغيرة التي تدافع عن نفسها حتى الآن بنجاح إزاء التسونامي العوني وبالتالي من الصعب تصفيتها وإخضاعها.
ثانياً: المجتمع السياسي في لبنان لا يتحمل شخصية مركزية فما بالك ب«مخلّص»
ثالثاً: دستور الطائف فتت السلطة اللبنانية وجعلها قطعاً متصلة مع بعضها البعض بإطار عريض مرن يسمى «دولة» مجاملة، وهي الأداة التي يريد عون استخدامها لكنها ستخذله بالضرورة.
رابعاً: الدولة اللبنانية هي بالتعريف دولة فساد، وبالتالي لا تتحمل سلطة الكف النظيف. إن النائب الذي يشتري أصوات ناخبيه ليس مؤهلاً للانتساب إلى نظام الملائكة الذي يتخيله بسطاء القاعدة العونية وبالتالي لن يقوى الرئيس على تفكيك دولته التي يتربع على عرشها وإعادة بناء دولة جديدة بأدوات الدولة نفسها.
خامساً: سيكون عليه الجمع بين قوى إقليمية لا تجتمع وبين قوى دولية متناقضة فضلاً عن انخراط بلده في الصراع العربي «الإسرائيلي»، وكل ذلك لا يوفر فرصاً كثيرة للعبور إلى دولة الكف النظيف.
سادساً: سيكون عاجلاً أم أجلاً مضطراً لاختيار حليف بين الحلفاء الكبار الملتفين حوله ولعل هذا الخيار هو الأصعب أمامه لأنه سيجعله رئيساً فئوياً في وقت يتطلع زعماء الواقعية اللبنانية أن يكون رئيساً شهابياً نسبة إلى الرئيس الراحل فؤاد شهاب.
قصارى القول إن عون «المخلّص» لن يتجاوز المئة يوم في القصر الجمهوري ليحل محله الرئيس البرغماتي الذي سيدع الآخرين يحلمون بالسماء فيما هو يتطلع إلى الأرض وما عليها.

فيصل جلول

صحيفة الخليج