ماذا لو لا تأتي التحديات الكبيرة للقيادة العالمية للولايات المتحدة من الناخبين الأمريكيين؟

ماذا لو لا تأتي التحديات الكبيرة للقيادة العالمية للولايات المتحدة من الناخبين الأمريكيين؟

airforceonefogobama-639x405

خلال مراحل مختلفة في السنوات الأخيرة، وبالتأكيد خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية، بدا كما لو أن الولايات المتحدة قد تحولت إلى الاهتمام بالداخل. فقد تم إعفاء العديد من محللي السياسة الخارجية في أعقاب نتائج المسح الأخيرة التي أجراها “مجلس شيكاغو للشؤون العالمية” عن الرأي العام الأمريكي، والتي وجدت، على عكس هذه الرواية عن سياسة الإنعزال السياسي الزاحف، أن غالبية كبيرة تعتقد أن الولايات المتحدة ما زالت أقوى دولة في العالم، وينبغي أن تمارس القيادة العالمية.

بيد، أن تلك النتيجة قد تكون مضللة. فـ استطلاع “مركز بيو للأبحاث” الذي أجري في نيسان/أبريل عكس أصداء النتائج العامة لـ “مجلس شيكاغو” لكنه وجد أيضاً أن الأمريكيين يعتقدون أن الأهمية العالمية للولايات المتحدة آخذة في التناقص (إن كانت لا تزال هائلة). إن المشاعر ليست مسألة تختلف عليها الأحزاب: فعدد الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين الذين يشعرون بأن هيبة الولايات المتحدة آخذة في الإزدياد هو أقل مما كان عليه قبل سبع سنوات.

ويضاف ذلك إلى وجهة النظر، التي انتشرت على ما يبدو خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، بأن الولايات المتحدة تبقى قوية وينبغي عليها أن تظل كذلك، ولكنها تسير في الاتجاه الخاطئ. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن فهم هذا القلق؟

يشير الكثير من الحديث عن الزعامة العالمية للولايات المتحدة إلى ما يُطلِق عليه خبراء السياسة الخارجية بـ “التفوق الأمريكي.” والتفوق لا يعني الهيمنة، كما لا يعني ضمناً أن بإمكان الولايات المتحدة أن تفعل كل ما يحلو لها عالمياً. انه ينبع من دور الولايات المتحدة في الشؤون العالمية كونها أكبر نوعياً من ذلك الذي تتمتع بها القوى العالمية الأخرى.

وببساطة، ينشأ التفوق الأمريكي من أربعة عوامل ذات صلة: قوة الولايات المتحدة، وقوة دول أخرى، والنظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، واستعداد الولايات المتحدة للقيادة. وفي أي من هذه التدابير، تأثر التفوق الأمريكي في السنوات الأخيرة.

إن قوة الدول في العلاقات الدولية تعتمد بشكل كبير على حجم اقتصادها وقوة جيشها. وهناك أسباب تدعو الأمريكيين إلى القلق في كلتا الحالتين. فقد تعافى الاقتصاد الأمريكي ببطء من الركود الأخير، مع نمو “الناتج المحلي الإجمالي” بمعدل أدنى بكثير من المعايير السابقة. وقد جادل العديد من المحللين العسكريين بأن الاستعداد العسكري للولايات المتحدة ما زال متخلفاً نتيجة للإحْتِبَاس (أو تخفيض النفقات) والأخطاء الأخرى (على الرغم من أن البعض يعتقد أن هذا القلق مبالغاً فيه).

وفي الوقت نفسه، فإن قوة الدول الأخرى والتهديد الذي تشكله آخذة في الازدياد. وفي حين غالباً ما يتم المبالغة في تقدير المكانة الاقتصادية للصين، إلا أن اقتصادها ينافس الآن اقتصاد الولايات المتحدة. فيتم تحديث الجيش الصيني، وفي بعض النواحي يمكن مقارنته بالجيش الأمريكي. واقتصاد روسيا لم يعد يتهاوى من العقوبات وانخفاض أسعار النفط؛ بيد، طوّرت موسكو أيضاً قواتها العسكرية. ويعني ذلك أنه في حين أن القوة الأمريكية غير آخذة في الإنخفاض، إلا أن الميزة النسبية للولايات المتحدة على الآخرين آخذة في التقلص. كما أن رغبة الدول من أوروبا إلى آسيا في تحدي الوضع الراهن آخذة في الارتفاع.

وينبثق التفوق الأمريكي أيضاً من كوْن الولايات المتحدة الدولة الرائدة في النظام الديموقراطي الذي يعتمد اقتصاديات السوق الحر في عالم تسيطر عليه هذه الدول. إن الدولة التي كان نظامها السياسي أو الاقتصادي يختلف اختلافاً جوهرياً، حتى لو كانت قوية، تجد أن طريقها إلى التفوق يواجه [بعض] التحديات. ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة يتعرض للضغط. ويواجه انتشار الديمقراطية حالة من الركود منذ عام 2006، كما أن الاتفاقات التجارية قد تعثرت، والتجارة نفسها قد توقفت عن الارتفاع.

وحيث تعثر النظام الدولي الليبرالي، ازدادت التحديات: من الضم الروسي لشبه جزيرة القرم، إلى قيام الصين ببناء جزيرة وتحديها لمحكمة لاهاي فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي. ولم تساعد الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغالب، بتمجيدها معايير كتلك التي تعارض استخدام الأسلحة الكيميائية ولكن تهمل تطبيقها، أو بتحديث المؤسسات الرئيسية وتعزيزها مثل “صندوق النقد الدولي” والأمم المتحدة، ناهيك عن النظام الليبرالي على نحو واسع.

إذا كان هناك ما يمكن استمداده بصورة حازمة من تقرير “مجلس شيكاغو”، فهو أن العامل الرابع – أي استعداد الولايات المتحدة للقيادة – لا يزال سليماً. فحوالي 64٪ من المشاركين – من بينهم أغلبية ضئيلة من أنصار الرئيس المنتخب من الحزب الجمهوري دونالد ترامب – رأوا أن الولايات المتحدة يجب أن تقوم بدور نشط في الشؤون العالمية. إن الاستعداد للقيادة يسير على قدم وساق. وقد كشف استطلاع “بيو” أن 43٪ من الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن “تهتم بشؤونها الخاصة على الصعيد الدولي” – وهو انخفاض من أعلى مستوى تاريخي وصل إليه وهو 52٪ في عام 2013.

ويشير ذلك إلى أن السؤال الصحيح هو ليس ما إذا زال الأمريكيون يؤمنون بالقيادة العالمية للولايات المتحدة بل ما إذا كان صناع السياسة يؤمنون بذلك، نظراً لردودهم الصامتة إزاء التحديات التي تواجه التفوق الأمريكي – وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يخططون لاستعادتها.

 مايكل سينغ

معهد واشنطن