لا حاجة إلى منطقة حظر للطيران للضغط على روسيا وسورية

لا حاجة إلى منطقة حظر للطيران للضغط على روسيا وسورية

2604554696

انهارت سياسة إدارة أوباما السورية تحت وطأة الاعتداء الوحشي الذي تشنه قوات الأسد وروسيا على مدينة حلب. وفي تجاهل للإدانة العالمية، أرسلت روسيا وحكومة الأسد طائراتهما لمهاجمة المدارس والمستشفيات، مختارة الأهداف المدنية لجعل المدينة غير صالحة للسكن وإجبار المتبقين من سكانها على الفرار.
يدعو جون كيري وغيره من زعماء العالم الآن إلى إجراء تحقيق في ارتكاب روسيا وحكومة الأسد جرائم حرب. لكن كيري تمسك طوال العام الماضي باعتقاد بأن الولايات المتحدة لا تستطيع الضغط على حكومة الأسد وخفض منسوب العنف في سورية ونقل البلد في اتجاه انتقال سياسي، إلا من خلال التعاون مع روسيا. وتكافح الولايات المتحدة الآن للاستجابة لحقيقة أن لدى روسيا القليل من الاهتمام بالتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.
مع الانتخابات الأميركية الجارية الآن، ما تزال إدارة أوباما تحجم عن القيام بأي شيء ربما يكون من شأنه تقييد يديّ الرئيس القادم. وما يزال أوباما نفسه مقاوِماً مثلما كان حاله دائماً لفكرة زيادة التدخل الأميركي في الحرب السورية. لكن مواصلة نهج عدم التدخل الذي اختطه سيخلف تداعيات معوقة تحد من قدرة خلفه على تحقيق تقدم دبلوماسي.
ثمة حاجة إلى اتخاذ خطوتين لتعزيز السياسة الأميركية الخاصة بسورية. الأولى هي تجاوز خوض نقاش مقصور على فكرة إقامة منطقة حظر للطيران في سورية أو زيادة الدعم للمعارضة المسلحة؛ والخطوة الثانية هي إجراء تقييم واضح الرؤية وقائم على الوقائع لمدى الخطورة التي قد ينطوي عليها المزيد من التدخل الأميركي في البلد. وسوف يبقى اتخاذ كل من الخطوتين ممكناً من الآن وحتى تولي الرئيس الأميركي القادم مهام منصبه.
ثمة القليل مما يهم الأسد أو روسيا أكثر من زعم النظام بأنه يمثل  الحكومة السيادية والشرعية لسورية، وهو زعم تستخدمه روسيا وإيران كغطاء قانوني لحملة قاتلة تُشن ضد الأهداف المدنية والسياسيين المعتدلين. ويضع هذا الادعاء لامتلاك الشرعية الأسس التي تدافع بها روسيا وإيران عن وجودهما العسكري في سورية، ورفضهما اعتبار حكومة الأسد مسؤولة عن انتهاكات للقانون الدولي.
خمس سنوات مرت الآن منذ وصف أوباما -محقاً- الرئيس الأسد بأنه غير شرعي. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة والدول الأخرى معاملة الأسد على أنه رئيس سورية، ومعاملة حكومته على أنها ممثل البلد الرسمي في الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة.
لعل أكثر الوسائل الدبلوماسية فعالية حتى تستعيد الولايات المتحدة نفوذها في سورية هي أن تقود واشنطن جهداً دولياً لتقويض ادعاءات حكومة الأسد والاعتراف بحكومة أخرى كممثل شرعي للشعب السوري.
ولعل أفضل مرشح للاعتراف به هو الحكومة السورية المؤقتة غير المعروفة كثيراً. وعلى العكس من العديد من جماعات المعارضة الأخرى الموجودة في تركيا، تتواجد الحكومة السورية المؤقتة في سورية، ولها مكاتب في إدلب ومكاتب أخرى موزعة في مختلف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وكان رئيس وزرائها، طبيب القلب المستقل سياسياً، جواد أبو حطب، قد انتخب في أيار (مايو) بأغلبية كبيرة في الجمعية العامة للائتلاف الوطني السوري للقوى السورية الثورية والمعارِضة، وهو جماعة معارضة مهمة في المنفى.
ويعمل أبو حطب وحكومته إلى جانب السوريين العاديين ويتعرضون معهم إلى المخاطر نفسها. وقد انخرطت الحكومة السورية المؤقتة في المهمات الروتينية للحكم المحلي، مثل المصادقة على الاختبارات المدرسية للخريجين السوريين. صحيح أن الحكومة السورية المؤقتة ما تزال ضعيفة وما تزال تكافح في سبيل تقديم الخدمات الأساسية، كما أنها تكافح مثل العديد من جماعات المعارضة لتأمين شرعيتها بين السوريين العاديين. لكن أبو حطب ومصادر سورية أخرى يقولون إن مصداقية الحكومة السورية المؤقتة قد تحسنت منذ انتقالها إلى داخل سورية.
سوف يؤدي الاعتراف بالحكومة السورية المؤقتة كحكومة انتقالية مشروعة لسورية أيضاً إلى تزويد التحالف الدولي الذي يحارب “داعش” بشريك موثوق للحكم المحلي في المناطق التي يتم تحريبها في الأشهر المقبلة، بما في ذلك الرقة، معقل “داعش” الرئيسي في سورية.
إلى جانب اتخاذ مثل هذا الخطوات السياسية، يجب على الإدارة أيضاً أن تعيد التفكير بكيفية استخدامها للقوة الجوية لتحقيق الأهداف الدبلوماسية. ولعل إحدى الطرق للقيام بذلك هي حماية جهود الإغاثة الإنسانية التي تتمتع بتفويض من الأمم المتحدة، والحيلولة دون شن المزيد من الهجمات على قوافلها، مثل الهجوم الذي شُن في أيلول (سبتمبر) والذي قتل عمال إغاثة ودمر الإمدادات التي كانت ستطعم نحو 80.000 شخص في أمس الحاجة إلى العون. وينطوي هذا الاستخدام المعدل للقوة الجوية لتحقيق أهداف مؤقتة محددة على مخاطر أقل بكثير من خيار إقامة منطقة دائمة لحظر الطيران.
ولكن، يبدو أن البيت الأبيض ومؤيديه يعتقدون بأن هذا النوع من العمل سوف يستثير هجمات مضادة من روسيا أو الحكومة السورية، وهو ما قد يدفع بالصراع إلى التصاعد. لكن هناك أدلة واضحة مُسبقاً على أن هذا لن يكون واقع الحال بالضرورة: ففي آب (أغسطس)، حذرت وزارة الدفاع الأميركية نظام الأسد من شن ضربات جوية على القوات الكردية في المناطق التي تعمل فيها القوات الأميركية. وبدلاً من التصعيد إلى الحرب، امتثل النظام، وكذلك فعلت روسيا.
تظهر هذه الحادثة أن الاستخدام الحذِر والمدروس للقوة الجوية لن يقتصر على الدفاع بفعالية عن القوات الأميركية فحسب، وإنما يمكن أن يحمي المدنيين السوريين أيضاً وأن يساعد في تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة.
بطبيعة الحال، ليست هذه هي الخيارات الوحيدة المتاحة أمام إدارة أوباما. ففي وقت سابق من هذا العام، قدمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مشروع قانون من الحزبين، والذي سُمي قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين للعام 2016، بهدف فرض عقوبات على نظام الأسد ومؤيديه، بمن فيهم روسيا. ويجب على الإدارة أن تلقي بثقلها وراء إقرار مشروع القانون وأن تساعد في تحويله إلى قانون قبل نهاية العام، وهو ما سيثبت لروسيا أن هناك كلفاً حقيقية يترتب دفعها على دعم النظام السوري المارق.
معاً، سوف تشكل هذه الخطوات مجرد بداية. لكن على البيت الأبيض أن يقلق بخصوص تسليم الرئيس القادم أزمة سورية تم فيها إغلاق الاحتمالات الدبلوماسية كافة. وتشكل الخطوات المذكورة طرقاً عملية وملموسة يمكن للبيت الأبيض اتخاذها  لتزويد الإدارة القادمة بالأدوات اللازمة لاستعادة النفوذ الأميركي، وتنشيط الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الدموية في سورية.

ستيفن هايدمان

صحيفة الغد