ترامب ضد إيران لكن يؤيد بوتين ويدعم تدخله في سوريا

ترامب ضد إيران لكن يؤيد بوتين ويدعم تدخله في سوريا

_94425_71

خلال خطابه عن برنامجه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، أعلن دونالد ترامب عن بعض الأهداف الأكثر طموحا في الشرق الأوسط لأيّ مرشح رئاسي في التاريخ الحديث؛ ففي حديثه الموجه إلى لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) وعد ترامب بأنه “سيقوم بالتفكيك الكامل لشبكة الإرهاب العالمية لدى إيران” التي قال عنها إنها “زرعت المجموعات الإرهابية في كامل أنحاء العالم وقامت بهجمات إرهابية في 25 بلدا مختلفا في خمس قارات”.

وتحدّث ترامب بعبارات واثقة عشية الانتخابات أن تنظيم الدولة الإسلامية سيختفي بسرعة إن تم انتخابه رئيسا؛ وها أنه أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، فهل سيحقق ترامب وعوده، وهل سيعيد الدفة الأميركية إلى الضفة الحليفة، أم سيعمل على مسك العصا من الوسط، فلا يعود لفترة ما قبل أوباما ولا يتخلى تماما عن بعض سياساته في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط، خصوصا.

صحيح أن القرار الأميركي تصنعه مؤسسات مختلفة، مثل البيت الأبيض، والكونغرس، والبنتاغون، وجماعات الضغط، بأذرعها المختلفة، إلا أن الدستور الأميركي يمنح الرئيس مساحة معقولة للحركة والمناورة، يستطيع من خلالها تنفيذ سياسات تتّسق في النهاية مع متطلبات المصلحة العليا للبلاد، حسب وجهة نظره.

وليس من المستبعد الآن، وقد أتى ترامب إلى البيت الأبيض، أن ترى تلك المؤسسات، أنه آن الأوان، في المرحلة الحالية لتغيير الكثير من سياسات واشنطن، التي يعتقد الكثيرون أنها أصبحت لا تتماشي مع التغيرات الحاصلة في ميزان القوى الإقليمية وتوازنات قوى دولية، تسعى ليكون لها نفوذ عالمي.

لعل ذلك كان أحد الأسباب وراء اختيار رئيس جديد، من خارج المنظومة التقليدية، وغير محسوب على مؤسسات صنع القرار المعروفة، حتى يبدو الأمر في النهاية كما لو كان عملية ديمقراطية ترضي المواطن الأميركي، وتمتص غضبه.

تنتظر ساكن البيت الأبيض الجديد العديد من الملفات، خصوصا تلك التي أصدر ترامب في شأنها تصريحات مثيرة للجدل، خاصة تصريحاته عن الإسلام والمسلمين والمتشددين والعرب، ومواقفه من بعض الملفات والقضايا العربية، خصوصا الخليج، وتحديدا السعودية، التي تربطها علاقة معقدة بواشنطن، ازدادت غموضا عقب صدور قانون (العدالة لمكافحة الإرهاب) المعروف بـ”جاستا”، والذي أغضب دوائر عربية مختلفة.

الملف النووي مع إيران نقطة مهمة من المتوقع أن تقرب بين إدارة ترامب المقبلة ودول الخليج العربي

ويتقاطع ملف الخليج بدوره، مع ملفات أخرى، تلعب فيها الرياض الدور الرئيس، مثل الأزمة في سوريا واليمن والعلاقة مع إيران والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ملف محاربة الإرهاب في المنطقة ومفاهيمه المتباينة، والذي يمثل غطاء غير شرعي للعديد من الأنظمة الإقليمية، التي دخلت على خطه دون أن تدرك تداعيات الوخيمة.

يعتبر الملف الخليجي، الأشد تعقيدا، وتتداخل فيه السياسة بالاقتصاد وبالمصالح الاستراتيجية، ولن يستطيع ترامب، أو أيّ رئيس آخر للولايات المتحدة، إغفال منطقة الخليج من حساباته، في حال أراد لعب دور مهم في المنطقة العربية، فمجلس التعاون الخليجي من خلال بعض أعضائه، يلعب دورا رئيسيا في توجيه مجرى كثير من الأحداث في المنطقة العربية، والسعودية عنصر أساس ووازن في الأزمة السورية، وقطر تلعب دورا يقترب أو يبتعد من سياسة الخليج في فلسطين وليبيا وسوريا، وقبل ذلك لعبت دورا في مصر بدعم الإخوان، ، ودولة الإمارات موجودة وتحكمها سياسة متوازنة وحكيمة في غالبية الملفات.

يتوقع حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حدوث خلاف، وربما صدام بين بعض دول الخليج والرئيس الأميركي الجديد، على خلفية مجموعة من المتغيرات، منها رغبته في تعاون أكثر مع روسيا بشأن سوريا، ما يعني ترجيح كفة الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من موسكو، وهو ما ينعكس على علاقة السعودية “الداعمة للمعارضة”.

لكن ثمة نقطة مهمة، ربما مثلت قاسما مشتركا قد يقرب بين إدارة ترامب والخليج، وهي ملف الاتفاق النووي مع إيران، حيث أعلن أنه لن يعترف بهذا الاتفاق، ويعتبره كأنه لم يكن، ومن ثم يمكن لدول الخليج أن تبني على هذا الموقف، باعتبار أن إيران تمثل أولوية في السياسة الخارجية لدول الخليج.

مواجهة الإخوان

المتابع لتطوّرات المشهد السياسي المصري، قد يعتبر دونالد ترامب أفضل بالنسبة إلى القاهرة، ومردّ ذلك وفق نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية، أن ترامب أكد على أولوية محاربة التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية، والعمل على تقويضها، وهو ما يمثل أهمية قصوى بالنسبة إلى النظام المصري، على خلفية الصراع مع تيارات الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين.

واعتبرت نورهان، في تصريحات لـ”العرب”، أن مواجهة الإخوان والتنظيمات المتشددة، أهمّ العوامل المشتركة بين النظام الأميركي، الذي سيقوده ترامب رسميا ابتداء من يناير المقبل، والنظام في مصر، وسحبت هذا التصور على الأزمة في سوريا وليبيا أيضا، لأن ما يحدث في ليبيا وسوريا في الأساس، كانت هيلاري كلينتون مشاركة فيه رسميا، إذ عملت في الفترة الأولى من ولاية الرئيس أوباما كوزيرة للخارجية، وكان لها دور كبير في صياغة السياسة الخارجية لبلدها، خصوصا في ليبيا.

بدوره، توقع نافعة، الذي كان أحد رموز الحراك السياسي في مصر عقب ثورة 25 يناير، تقاربا أكثر بين الولايات المتحدة والنظام في مصر، خصوصا بعد أن أبدى ترامب أريحية في التعامل مع النظام المصري، خلال استقباله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في نيويورك مؤخرا، مؤكدا أن ملف محاربة الإرهاب الذي يتحدث عنه ترامب، سيصب في النهاية في صالح النظام المصري، على خلفية صراع النظام مع تيارات الإسلام السياسي.

في المقابل، يؤمن محمد حبيب، نائب المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، بفكرة أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية لا ترتبط بأشخاص، وأيّا كان الشخص أو الحزب، لذلك فإن توجه واشنطن في هذا الملف لن يتغير كثيرا.

وقال حبيب لـ”العرب”، إن الأيام القادمة ستكشف نوايا ترامب، وتؤكد أن هناك مساحة كبيرة بين ما كان يقال فترة الانتخابات وما سيتم عمله بالفعل، مشيرا إلى أن ضمان المصالح العليا للولايات المتحدة هو أهم ما يحرك صانع القرار في البيت الأبيض.

وبالنسبة إلى ملف جماعة الإخوان في مصر، فإن حبيب، رأى أن قوة النظام المصري ومؤسساته، هي التي ستفرض على الولايات المتحدة كيف تتعامل مع الجماعة، وكلما كان النظام في مصر قويا اقتصاديا وسياسيا، فإن هذا سيحتم على واشنطن التواصل مع النظام من هذه الزاوية.

ويتابع المصريون أصداء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية متسائلين كيف سيكون موقفه من المظاهرات المنتظر أن تشهدها مصر يوم الـ11 من نوفمبر الحالي؛ وهو موقف سيقدم لمحة عن السياسة الأميركية القادمة تجاه مصر. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسى، أول رئيس عربي يتقدم بالتهنئة لترامب، متطلعا إلى “تعزيز” علاقات التعاون بين البلدين “على كافة المستويات”، بحسب بيان للرئاسة المصرية.

تعتبر القضية الفلسطينية، من أهم المحاور في إشكالية العلاقات العربية-الغربية، ولا يمكن لأيّ صانع قرار في الولايات المتحدة أن يتجاهل أهمية فلسطين عندما يتعامل مع أيّ نظام عربي. كذلك فإن إسرائيل هي نقطة جوهرية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فهل سينفذ ترامب ما وعد به، وما هي رؤيته لعملية السلام في الشرق الأوسط؟

أكد طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالقاهرة، أن تصريحات ترامب، بشأن نقل السفارة الأميركية للقدس، كانت من قبيل المغازلة السياسية، لكن في حقيقة الأمر لن يستطيع تنفيذ ذلك على أرض الواقع، مشيرا إلى أنه ليست لديه رؤية لعملية السلام في الشرق الأوسط، ولا يزال يستكشف الأمور في المنطقة العربية.

ورجح فهمي أن تعتمد سياسة ترامب في القضية الفلسطينية على “المقايضة”، بمعنى أنه سيحاول التوصل لتفاهم مع العرب حول إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران، مقابل أن يحصل على تسوية شاملة بخصوص عملية السلام مع إسرائيل.

الربيع العربي

في تعليقه على الربيع العربي صرح ترامب بأن “مشاكلنا في الشرق الأوسط بدأت مع الفكرة الخطيرة بأننا يمكن أن نصنع ديمقراطيات على الطراز الغربي في البلدان التي ليس لها أيّ تجربة أو مصلحة في أن تصبح ديمقراطيات غربية”.

ويعتقد ترامب أن الحرب على الإرهاب، مثلها مثل الحرب الباردة، هي صراع أيديولوجي بين الاستبداد والحرية، وأن الطريقة لكسب ذلك الصراع الأيديولوجي هي مساندة الأنظمة في الشرق الأوسط، حتى لو كانت “مستبدّة” كبديل للتطرف الإسلامي.

وأعطى ترامب اسم “اللامبدأ” في السياسة الخارجية التي ينوي تبينها، لكنه صرح قائلا إن ذلك لا يتنافى مع مبدئه، “أميركا أولا”، وقال “أميركا أوّلا، سيكون الموضوع الأهم والطاغي لإدارتي”.

و”أميركا أولا” كانت صيحة لاستنفار الانعزاليين الأميركيين، منذ دعا شارلز ليندبورغ و”لجنة أميركا أولا” ضد التدخل الأميركي في الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي.

لكن صيحة ترامب جاءت بمعنى مختلف وضّحها بقوله في برنامج “فوكس نيوز سانداي”، “نحن ندافع عن ألمانيا، نحن ندافع عن اليابان، وكوريا الجنوبية، نحن ندافع عن السعودية. نحن شرطي العالم”.

صحيفة العرب اللندنية