الأكراد في معركة الرقة… أي رهان؟

الأكراد في معركة الرقة… أي رهان؟

349

أعلنت قوات سورية الديمقراطية (قسد) بدء حملة “غضب الفرات” التي ستستهدف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في محافظة الرقة (عاصمة التنظيم)، وأهم معاقله المتبقية. وبهذا الإعلان، سيكون التحالف بين هذه القوات والتحالف الدولي المناهض لداعش بقيادة الولايات المتحدة قد بلغ أعلى درجات التنسيق، ولا سيما أن تركيا كانت تتحفّز للمشاركة في الحملة، باشتراط عدم إقحام القوات الكردية في أثناء عملية التحرير، ما سيستوجب غضباً تركيّاً قد يظهر بأشكال عدّة، وقد يكون شكله الأفصح استهداف القوات الكردية في المناطق الشمالية من سورية، بغية إرباكها، والتقليل من فاعليتها في مواجهات الرقة.
وإذا كانت الرقة البيت الأخير لتنظيم الدولة، فهذا يعني أن المعركة ستكون أشدّ مما جرى ويجري في الموصل، وستكون صعبةً على الثلاثين ألف مقاتل المنضوين تحت لواء “قسد”، فالتنظيم سيكون محكوماً بالقتال مع انعدام فرص الفرار إلى جهاتٍ أخرى، كما حدث في الموصل التي فرّت عناصر مهمة من التنظيم منها.
في إزاء الانزعاج التركي، والتحفظ الكبير الذي أبدته أنقرة في هذا الاتجاه، هناك أصوات سوريّة تكرّر ما قاله أهل الموصل والعرب السنة إزاء التخوّف من عمليات ثأرية، أو نكبة إنسانية تلحق بالمدنيين، بيد أن القوى الدولية الداعمة للحملة لا تعير كبير اهتمام للأصوات تلك، ذلك أن مسألة “تحرير” الرقة تتجاوز كل انتقاداتٍ وتحفظاتٍ تظهر على الملأ.
في السؤال الكبير عن أسباب رغبة القوات الكردية بالتقدّم نحو الرقة، وقتال التنظيم في معركةٍ كبرى، وهي مصيرية لكل الأطراف التي تخوضها، قد نعثر على إجابة هنا أو هناك، هي أن هذه القوات تعمد إلى نيل الحظوة الأميركية، وجعل وشائج التحالف بينهما أكثر صلابةً وديمومة، ولعل الحرب على “داعش” تمثّل خزاناً سياسيّاً مهمّاً تسعى إلى بلوغه “قسد”، ومن خلفها وحدات حماية الشعب، حيث تطمح الأخيرة إلى نيل الاعتراف الدولي بالكيان الكردي، المتولّد من عمق الأزمة السورية، ولعل إبعاد الأتراك عن مسار قتال تنظيم الدولة يشكّل رافداً مهماً للإجابة عن السؤال نفسه. فوق ذلك، ستخلف هذه المجابهة للوحدات الكثير من الأسلحة والعتاد اللازمين للحفاظ على التفوّق العسكري، وتعزيز فرص البقاء مستقبلاً، فضلاً عن السمعة الدولية التي سيحظى بها مقاتلو “قسد”، وهو بلا شك استثمار ذو خلفيّة سياسية في المقام الأول.
في البحث عن السيرة الذاتية لقوات سورية الديمقراطية، وفي أرشيفها، ثمّة انتصاراتٌ حققتها

القوات في مواجهاتٍ مهمّة في تل أبيض ومنبج ومناطق متفرقة في الشمال السوري، ودائماً بمعية طيران التحالف الملاصق للقوات الكردية التي باتت توصم بأنها الذراع البري لقوات التحالف، عبر مسيرة ملاحقة التنظيم داخل الجغرافية السوريّة، وبالتالي، يمكننا الحديث عن فاعليةٍ وكفاءةٍ أبدتها “قسد” في مواجهاتها الدامية.
الغالب على الظن أن المعركة الكبرى هذه ستترك أثاراً جانبية، كما كل حروب المدن، ولعل أكثرها إثارةً للقلق هي مسائل مصير المدنيين في أثناء عمليات القصف الجوّي، ومصير النازحين الذين قد يبلغوا عشرات الآلاف، في ظل ظروف جويّة صعبة مقبلة، بالإضافة إلى عدم مشاركة قوة أخرى، تزيد من اطمئنان المدنيين/ الرقاويين المشحونين بهواجس جمة، كحال هواجس أهل الموصل.
في تفهّم بنية “قسد” قبيل التحرك والإعلان عن عملية غضب الفرات، يمكن الانتباه إلى مراكمة العناصر العربية داخل “قسد”، وجلّها عناصر ذات بنية عشائرية، في إشارةٍ واضحةٍ إلى ضرورة تمكين تلك العناصر من لعب دور فاعل في المناطق التي تخرج من إسار “داعش”، فقد سبق للأميركيين أن لفتوا عناية الوحدات الكردية إلى هذا الأمر، تخفيفاً للضغوط التركية المتوجسة من سيطرةٍ كردية على الشمال السوري، وتطميناً للعرب السنة الذين يخشون حكماً كردياً محضاً، ولعل تجربة إدارة المدن في تل أبيض ومنبج وتسنّم “عرب المكان” حكم مدنهم إدارياً خفف من المخاوف لدى قاطني تلك المدن.
يبقى السؤال بشأن شكل اليوم التالي لانتهاء المعارك، في حال نجحت “قسد”، ومن ورائها التحالف الدولي في كسب المعركة والإجهاز على تنظيم الدولة داخل المحافظة هو السؤال الأهم في التحليل والمتابعة. لكن، يمكن في مطلق الأحوال تخمين ما يلي:
– تبدو المناطق التي تخرج من سيطرة “داعش” مرهقةً على نحو كبير، وتفضِّل استبدال الأسوأ بأي حكمٍ، وإن كان القادم سيئاً، وأن حكم محكومين تحوّلوا عبر سلسلة من عمليات الاضطهاد المتتابعة إلى مجرد مؤتمرين يخشون القوى المسلحة، مهما كان تباينها عن النسيج المحلي.
– لا يمكن للقوات الكردية حكم المحافظة، وإن كان اضطلاعهم بإنجاز المهمة “التحرير”

رئيسياً، ذلك أن الأخطاء والانتهاكات المتوقعة قد تلصق بالأكراد، الأمر الذي سيفتح الباب أمام حربٍ أهلية (كردية – عربية) مخيفة ومرعبة. وبالتالي، سيتم الاعتماد على العنصر العربي، وتحديداً من أهل المحافظة ذات البنية العشائرية في حكم مناطقهم.
– عدم وجود قوى ثانية وطنية، أو إقليمية برية، مؤازرة لقوات سورية الديمقراطية، قد يؤدي إلى مضاعفة الخسائر في الأرواح لدى تلك القوات، وتحملها المسؤوليات كاملةً، وأنه في حال استمرت المعارك إلى أمدٍ طويل قد نجد نوعاً من التململ في الجانب الكردي، وربما اعتراضات قد تتعالى داخل المجتمع الكردي بالضد من الاستمرار في المعركة.
صفوة القول، ثمّة مصائر لقوى عسكرية في الداخل السوري معقودةٌ على معركة الرقة، وأن الذي سيمتلك مفاتيح المدينة سيتمكّن من مسح غريمه إلى أبعد من الرقة، وإذا كانت هذه المعركة مغامرةً، فلا سبيل أمام القوات الكردية إلا الخوض في معتركها، مهما كانت التكاليف. شيء أخير قد تظهره المعارك المقبلة أن معركة الرقة ستبدأ كلما بدت أنها انتهت، أو شارفت على الانتهاء.

شورش درويش

صحيفة العربي الجديد