العراق يلوم ضحايا “داعش”

العراق يلوم ضحايا “داعش”

630

بينما كانت عملية الموصل تقترب، لم تكن قوات الأمن العراقية مهتمة بمقاتلي “داعش” الذين ستواجههم في ميدان المعركة فحسب، وإنما اهتمت أيضاً بالناس الذين سيحاولون الهرب من قبضة المجموعة الإرهابية. وقامت قيادة عملية نينوى، الهيئة العسكرية التي تقود العملية، بإعلام عمال الإغاثة بأن الخطة تقضي بفحص كل شخص يهرب من المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعة الجهادية لتقرير ما إذا كانوا “متسللين” من “داعش”، والذين يجب احتجازهم. وقبل المعركة، سأل عمال الإغاثة عن ماهية تلك المعايير التي سوف تستعمل في الفرز والغربلة. ولم يكن قدوم الجيش وشيكاً في ذلك الوقت، وأصبحت الأمور أكثر إثارة للقلق فقط منذ أصبحت العملية جارية.
في الأسبوع الماضي، أجريت مقابلات مع 13 رجلاً وامرأة هاربين من المناطق التي يسيطر عليها “داعش”، والذين قالوا كلهم إنهم تعرضوا للتفتيش عند نقاط التفتيش التي يشغلها الجيش العراقي وقوات البشمرغة التابعة لحكومة إقليم كردستان؛ حيث تم أخذ بطاقات هوياتهم وتدقيقها بواسطة حاسوب. وتقدم المقابلات والمحادثات اللاحقة أدلة على أن بعض المواطنين الذين مروا بعمليات المسح هذه تعرضوا للاعتقال بشكل تعسفي، كما تعرضوا لسوء المعاملة ولما هو أسوأ.
تم اعتقال آلاف الرجال والأولاد مسبقاً إلى أجل غير مسمى على يد قوات الأمن العراقية بموجب مزاعم غامضة بالانتماء إلى “داعش”. وقد التقيتُ بعائلات عدد صغير من الرجال المحتجزين؛ ولم تسمع أي من هذه العائلات أي شيء عن أبنائها، وليس لديها في معظم الحالات أي فكرة عن مكان احتجازهم.
كما يبدو أن بعض أولئك الذين احتجزوا عند نقاط التفتيش قد لقوا حتفهم في الحجز. وقد هاتفتني صحفية من الخطوط الأمامية وروت لي محادثة لها مع جندي في نقطة تفتيش للجيش العراقي. وقد أخبرها الجندي بأنه كان يضرب أي شخص يمر عبر نقطة التفتيش، والذي يشتبه بأنه ينتمي إلى “داعش”، من أجل حمله على الاعتراف.
وقال لها بفخر إنه أعدم خلال الأيام القليلة الماضية رجلين على الفور بعد أن استنتج أنهما كانا في الحقيقة مقاتلين من “داعش”. ويرقى ذلك إلى جريمة حرب واضحة.
وقبل بضعة أيام، تحدثتُ مع أناس تمكنوا من العبور بنجاح خلال نقاط تفتيش قوات البشمرغة الكردية. وقال لي السكان الهاربون الذين تحدثت معهم إنه تم بعد فحصهم الأولي عند نقاط التفتيش فصل الرجال والأولاد كافة فوق عمر 15 عاماً عن عائلاتهم وإخضاعهم لجولة ثانية من التحقيقات في مركز للتدقيق تديره قوات الأمن الكردية. وقالت إحدى الأمهات إن ابنها اختفى بعد 18 يوماً في داخل مركز للفرز، وليس لديها أي فكرة عن مكان وجوده.
وقال عمال إغاثة ممن يتمتعون بوصول إلى مراكز التدقيق لكاتبة هذا التقرير إن لدى الجيش وقوات الأمن بين خمس وسبع قوائم لأسماء المشتبه بهم، والتي زودتهم بها المجتمعات العرقية والدينية المختلفة، بمن فيها الأيزيديون، وإن قوات الأمن تقوم بفحص الناس وفرزهم على أساس هذه القوائم.
ويتفق ذلك مع ما قاله لي قادة الأيزيديين، مجتمع الأقلية الذي تعرض لهجوم وحشي من “داعش”. وفي اجتماع لنا قبل شهر على جبل سنجار، موطن المجتمع الأيزيدي في شمال غرب العراق، قال لي أحدهم إن مجتمعهم وضع معاً قائمة بأسماء “كل العرب الذين خانونا وباعونا لداعش”. وكان هؤلاء في كثير من الأحيان من الجيران الذين يعيشون في قرى مشتركة منذ عقود، والذين أخبروا مقاتلي “داعش” عند وصولهم عن أي عائلات هي اليزيدية، كما قال الأيزيديون. ويبدو أن المجتمعات الأخرى قدمت قوائم مشابهة.
بينما أستطيع أن أتفهم تماماً الرغبة في جلب مقاتلي “داعش” إلى العدالة، فإن هذا النظام يبقى خطيراً بشكل كبير. فهو يمكن أن يسمح لنظام انتقام بالتفاقم، والذي لا يقوم على توفر الأدلة الحقيقية ضد الأشخاص الذين يرتكبون جريمة. وليس من الغريب أن يلجأ جيران لم يكونوا على وفاق لسنوات، أو الذين يضع أحدهم عينه على أرض جاره، أن يستخدم هذه القائمة لتسوية الحسابات القديمة. وفي حين تكون تكون شهادة جار كافية لإثارة تحقيق في حالة أحد ما، فإن هذا الواقع يصبح أكثر خطورة في السياق الراهن: حيث يمكن أن يعني وجود اسم أحد على القائمة اختفاءه أو إعدامه على الفور، قبل إجراء أي تحقيقات.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم تذكر أن تجنيد “داعش” استفاد من سنوات الاعتقال التعسفي وعمليات الاختفاء القسرية التي عانى منها السكان من العرب السنة على يد القوات المؤيدة للحكومة. وسوف يؤدي توسيع هذه السياسات إلى تغذية نفس الجماعة الإرهابية التي تحاول القوات العراقية الآن محاربتها.
على القوات العراقية إعطاء الأولوية لحكم القانون كجزء من حربها ضد “داعش”. ويقدم سجلها الآن الكثير من الأسباب التي تدعو إلى القلق. وكانت مقاضاة أعضاء “داعش” المزعومين المتهمين بالمشاركة في ذبح مئات من مجندي الجيش بالقرب من تكريت في العام 2014 قد انتهت إلى إعدام 36 رجلاً بعد محاكمات معيبة بشدة.
في الأثناء، أثناء عملية استعادة الفلوجة التي جرت في أيار (مايو) الماضي، قام أعضاء من قوات الحشد الشعبي، التحالف شبه العسكري الموالي للحكومة العراقية، بضرب الرجال الذين تم احتجازهم، وتعذيبهم، وإعدامهم بلا محاكمة، بالإضافة إلى حوادث اختفاء قسري لأكثر من 600 مدني، والتمثيل بجثث الموتى. وفي حالة واحدة على الأقل، شاركت قوات الشرطة الاتحادية العراقية في هذه الجرائم. كما قاموا أيضاً بفصل الرجال عن عائلاتهم بذريعة إجراء عمليات الفحص الأمني -فيما حدث ذلك على ما يبدو لمجرد أنهم كانوا جميعاً أعضاء في قبيلة واحدة- ثم اقتادوهم بعيداً. ولم تظهر أي أنباء عن مصيرهم بعد ذلك.
يجب أن يكون المهتمون بالقضاء على “داعش” معنيين أيضاً بوضع حد للانتهاكات التي غذت جهود تجنيد المجموعة الإرهابية. ويجب أن يطلبوا من حكومة كردستان الإقليمية ومن السلطات العراقية الإعلان الفوري عن عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم عند نقاط التفيش ومراكز الفحص، والأسس القانونية لاعتقالهم، وعدد الناس الذين يجري اتهامهم وإدانتهم لاحقاً.
حتى بعد تحرير الموصل من “داعش”، سوف يواجه العراق المهمة الصعبة المتمثلة في بناء نظام سياسي جديد يكون من شأنه أن يمنع المجموعة المتطرفة من النهوض من الرماد. ويجب أن تبدأ هذه العملية الآن -بضمان أن لا تتم إساءة معاملة أو تعذيب المشتبه بضلوعهم بالإرهاب أو إعدامهم بلا محاكمة، وأن يتم عرض المعتقلين كافة بسرعة على قاض لتقييم الأسس القانونية والواقعية لاعتقالهم. وسوف تقطع هذه الخطوة الصغيرة شوطاً طويلاً نحو ضمان أن لا يصبح تحرير الموصل مجرد مثال آخر على الانتهاكات الواسعة التي يستطيع أنصار “داعش” استخدامها لحشد الدعم.

بلقيس ويلي

صحيفة الغد