“خدعة” دونالد ترامب التي قادته إلى البيت الأبيض

“خدعة” دونالد ترامب التي قادته إلى البيت الأبيض

2514

لوحظ غضب الناخبين من الشعب الأمريكي، من المؤسسة السياسية المتحكمة في مجريات الأمور، ومن النخبة الثرية والمميزة عن بقية الشعب، ومن الجمود والخلل المسيطر على السياسة المُتَبعة في واشنطن، والتوترات السياسية الدولية، والتفكك الاقتصادي، فكثرت الحجج المستخدمة لتبرير الانتصارات في الانتخابات الرئاسية.

الخطأ هنا ليس خطأهم، فقد بدأ ترامب مسيرته الانتخابية بإلقاء البنزين على كل هذه النقاط الساخنة، فنجح في الوصول الى الرئاسة عن طريق جمعه لأكبر عدد من أصوات الناخبين من الرجال البيض، عن طريق هجومه المستمر على شرعية أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية, إضافة إلى استهدافه للمهاجرين غير الشرعيين والمسلمين، منددًا بأفعالهم المسيئة للشعب الأمريكي، وتعليقاته المعادية للمرأة والمُهينة لها.

لكن اكتشفنا بعض العوامل الأخرى التي لعبت دورًا مهمًا في وصول ترامب إلى هذا المنصب، بعد أن نشر كتابًا عن دونالد ترامب وأبيه وجده، مُتتبعًا أساليب وتاريخ عائلة ترامب.

في بداية الأمر، عادة ما ستجد أن ثقافة عائلة ترامب تعتمد على استغلال أي ميزة تجدها، فتمارس ضغوطاتها عليها مرارًا وتكرارًا، وتحريفها الحقائق، والدفع بالقواعد الأخلاقية والقانونية لأبعد الحدود الممكنة. فأدار جد ترامب الألماني، بعد أن هاجر إلى أمريكا، العديد من المطاعم الناجحة في أثناء العصر الذهبي في “سياتل” و”يوكن”، وحرص على تقديم الخمر والطعام والنساء لعمال المناجم.

بينما زاد والد دونالد ترامب من ثروة العائلة عن طريق استغلاله للثغرات القانونية في الاتفاقيات الجديدة، المدعومة من قبل الحكومة الأمريكية، لكي يبني مساكن لأصحاب الدخل المتوسط في “بروكلين” و”كوينز”؛ بينما أهدر دونالد تراب مليارات الدولارات المُقتَرِضَة، وأعلن إفلاس أربعة شركات، لكي يؤسس علامة تجارية عالمية، ويتجنب سداد ضرائب الدخل الشخصي لمدة عقدين من الزمن.

بُنيت ثقافة عائلة ترامب على تمسكها بنظرية “دكتور نورمان فينسينت بيل” الناجحة، ألف كتابًا عرف باسم “قوة التفكير الإيجابي”, ويُعَد أكثر الكتب مبيعًا في العام 1952.. كان “بيل” قسًا في كنيسة “ماربل كوليجيات”, وهي نفس الكنيسة التي كان يحرص والدا ترامب على الذهاب إليها لحضور القداس بها، وهو أيضًا المكان نفسِه الذي أقيم فيه حفلات زفاف ترامب وإخواته، وأقيم فيه جنائز والديه. يؤكد “بيل” في كتابه على أهمية الثقة بالنفس,، وهو مبدأ لم يكتف ترامب بتطبيقه فقط، إنما عكف على استخدامه كسلاح من أجل أن يصل إلى النجاح مهما كان الثمن.

ووفقًا لصحيفة “يو أس أيه توداي”، تذكر الإحصائيات التي أجريت عن تاريخ القضايا الأمريكية حتى منتصف العام 2016، انخرط دونالد ترامب في 3500 قضية، بينما لم تنته العشرات منها، وبالطبع شهد التاريخ، بسببه، على أكثر الحملات الانتخابية السياسية، التي اتسمت بالنقد اللاذع، المليء بالسموم.

لكن على الرغم من كل ذلك، فإن دونالد ترامب ساهم ببعض النجاحات الخاصة به. فمثلا، ستجد أن طريقة تصفيف شعره، التي إستهزأ بها الكثيرون، أصبحت علامة مسجله به ستستمر لعديد من الأعوام، لتعطيه طابع إنساني مغرور, فأصبح ملياردير الشعب عوضًا عن كونه رجل أعمال بعيدًا عنهم. وبذلك، نجح مُصَفف الشعر الخاص به من تحويله إلى مركز الاهتمام، ليصبح كالبهلوان، المُحب لسخرية الناس منه، واستخدمت وسائل الإعلام مقطوعاته للضحك والمتعة.

تعد هذه الأساليب بالنسبه للبهلوان، سواء من ضرب الناس بمضرب الكرة، أو رش المياه في وجوههم، مجالًا للضحك والسخرية. أما بالنسبة لترامب، عادة ما نرى تصرفاته كحلقة مفرغة من السخرية، تصحبها مبالغة سخيفة من طرفه، حتى عندما اقترح التعامل مع المتظاهرين بأسلوب أكثر عنفًا، تَقّبل الناس هذا الاقتراح، معتبرين إياه أسلوبًا إستعراضيًا أو نكتة ما، أو كما يفضل ترامب أن يقول “مبالغه صادقة”، مع أنهم كانوا ليعتبروا مثل هذه التعليقات أمرًا غير مسموح به بالمرة، إذا ما عرضت في وقت آخر.

بالرغم من محاولات ترامب المستمرة في خلق لنفسه صورة أقوى شخصية في العالم، فلا يحتوي خطابه على نموذج الشخص المتوحش.. وهو أمرٌ حرصت صحيفة “نيويورك تايمز” على توضيحه في أثناء فترة الانتخابات التمهيدية, فعبّر اللغويون عن أن أسلوب هيلاري كلينتون الخطابي، يُعد أكثر قوة وأقل أنثوية عن خطاب دونالد ترامب، وليس ذلك فقط، إنما اعتبر ترامب أكثر أنثوية، ما يتجلى أمامك إذا ما درست لغة الجسد الخاصة به؛ من إشارات وتعبيرات وجهه، وتصريحاته الممثلة في هيئة أسئلة.

من المحتمل أن يكون السبب الرئيسي لوصول ترامب للرئاسة الأمريكية، هو ما يبدوا عليه أمام الناس، فعلى الرغم من أنه أثبت قدرته الكبيرة على الصراخ بنمط كلاسيكي يثير الجماهير، فإن ما يخرج من فمه عادة، ليس كأي حديث لرجل تقليدي معاصر، فعادة ما يكون خطاب ترامب عالي النبرة، ليس مُأنثًا للدرجة التي يدعيها البعض.

لكن بالرغم من كل ذلك، فإن خطابه يُعد ذا تأثير عظيم على ناخبيه، فهو يتطرق إلى صورة نمطية جديدة، ممثلة في رجل قوي يعمل على إلقاء تعليقاته الأكثر فتكًا بمعارضيه، مصطحبًا لنبرة سخرية حاقدة. إضافة إلى افتقار خطاب ترامب للتعقيد، فتجد خطابه مكونًا من مفردات بسيطة للغاية، لدرجة أنك قد تعتقد أنها نفس أسلوب حديث الأطفال، فيستخدم جملًا ناقصة وأفكارًا غير مكتملة.

وبسبب هذا المزيج، من تلميحه لوجود خطر ما تحت السطح الظاهر لنا، مع ما يبدو للعالم من كلام ترامب النابع من قلبه، دون خداع وبتلقائية، يعتقد ملايين الناس أنه دليل على صحة ما يقوله، وعلى عفويته.. فأسلوب دونالد ترامب يذكّرهم بالصوت الموجود داخلهم، والمكون من مزيج مظلم غني بقصاصات الأحاديث والذكريات، ومن جمل عشوائية، وأنصاف أفكار، لذلك يبدو خطاب ترامب كأنهم يستمعون إلى الحديث الدائر في أذهانهم.

بدا للكثير من الشعب الأمريكي والعالم، أن أسلوب ترامب في الحديث، ما هو إلا دليل على افتقاره للجدية والتركيز والالتزام، خصوصًا إذا ما قورن باهتمام هيلاري كلينتون بالتفاصيل وتوضيحها لكل جزء من برنامجها الانتخابي، لكن بالنسبة لناخبيه، يرى الكثير أنه دليل على واقعية شخصيته، فهو لا يتخفى وراء قناع، أو يسير وفق حسابات محددة قائمة على الخداع.

عادة ما يخفي الناس صوتهم الداخلي القبيح، لكن في الحقيقة، ستجد أن بعض السياسيين يحقدون على قدرة ترامب في التعبير عن نفسه بصراحة تامة، ما يعبّر بالتالي عما يشعرون به ويفكرون فيه، لكن لا يجرئون على الكشف عنه للعالم.

ومن هنا أطلق ترامب حملته الانتخابية في توقيت مناسب للغاية، عندما وفرت له التكنولوجيا بوقًا متناسبًا مع أسلوبه في الحديث، ألا وهو “تويتر”. فالحد الذي يطبقه “تويتر” من ال 140 حرفًا، يوحي بالأهمية والذكاء, كأنك تلقي نظرة داخل عقله كما هو دون تغيير، وسترى مشاعر وأحاسيس غير مصقلة أو مجملة، فهي تبدو كأنها عاجلة وحميمية، فيضرب الصوت الداخلي الوتر الصحيح باستقامته السياسية.

لكن في الواقع، لا يوجد أي شيء أصلي أو تلقائي فيما يقوله ترامب، فكل هذه التمثيلية ما هي إلا إستراتيجية مدروسة بدقة، وهي دليل على تصنّعه لكل شيء، بدءًا من تصفيفة شعره، التي تبدو غير طبيعية بالمرة، مرورًا “للبنتهاوس” المكون من 53 غرفة، الذي يعيش فيه.

الغاريان – التقرير