حرب المكاسب والمناصب تسابق حرب داعش في العراق

حرب المكاسب والمناصب تسابق حرب داعش في العراق

تدور بالتوازي مع المعركة العسكرية الجارية في العراق لإنهاء سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، معركة سياسية على صلة بترتيب الأوضاع في مرحلة ما بعد التنظيم أطرافها الأساسيون كبار رموز الأحزاب الشيعية الحاكمة في البلاد، الذين يريدون أن يحصّنوا مكاسبهم السابقة وأن يضمنوا لهم مواقع في تلك المرحلة، خصوصا وأن فترة احتلال تنظيم داعش للمناطق العراقية وما شهده البلد خلال تلك الفترة من احتجاجات اجتماعية، لم تخل من إدخال تغييرات على موازين القوى السياسية في البلاد.

ومن ضمن التغييرات على سبيل المثال بروز رجل الدين مقتدى الصدر كمناهض للفساد وكداعية للإصلاح، جنبا إلى جنب زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم الذي يعرض نفسه كرجل للوفاق وحامل للواء مشروع للمصالحة عابر للطوائف والأعراق، إضافة إلى عدد من قادة الميليشيات المشكلة للحشد الشعبي الذين استفادوا من دور الأخير في مواجهة تنظيم داعش.

ويقابل ذلك تلبّس صورة سلبية بالكثير من رموز وقادة العائلة السياسية الشيعية في العراق على رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي لا تتردّد الغالبية العظمى من العراقيين في تحميله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلد من تدهور شامل لمختلف المجالات، وصولا إلى انتهاء فترة حكمه الثانية بكارثة وقوع ما يزيد عن ثلث مساحة العراق تحت سيطرة تنظيم داعش.

المالكي والصدر مستعدان لقطف ثمار الحرب وما رافقها من تغيرات والحكيم بحاجة إلى المزيد من الوقت لترتيب أوضاعه

وتمثّل انتخابات مجالس المحافظات التي يفترض أن موعدها الأصلي هو شهر أبريل القادم، أحد ميادين معركة تحصين المواقع السياسية وما يتبعها من مكاسب مادية وغيرها في مرحلة ما بعد داعش.

وقالت مصادر عراقية مطّلعة لصحيفة “العرب” إنّ رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، اتفقا على رفض تأجيل انتخابات مجالس المحافظات، ودمجها مع انتخابات البرلمان المقررة لشهر أبريل 2018.

وتسبّب هذا الرفض بانقسام شيعي حاد، قطباه المالكي والعبادي من جهة، وعمار الحكيم وحزب الفضيلة من جهة مقابلة، بينما مقتدى الصدر -بحسب المصادر ذاتها- متردد في إعلان رفضه للتأجيل، كي لا يتطابق مع موقف المالكي، الذي يعتبر عدوّه السياسي الأول.

ويريد الصدر عن طريق رفض تأجيل الانتخابات الإسراع بقطف ثمار صعود شعبيته التي جناها عبر الاستيلاء على الحراك الاحتجاجي ضدّ الفساد وسوء الأوضاع المعيشية، وتقديم نفسه زعيما ومدافعا عن ذلك الحراك.

أعمال انتقام طائفي تشوب معركة الموصل

القيارة (العراق) – أذكت لقطات فيديو تداولها نشطاء على شبكة الإنترنت تظهر مقاتلين بأزياء القوات الحكومية العراقية بصدد تعذيب فتى من سكان محيط مدينة الموصل، المخاوف من تحوّل الحملة الهادفة إلى استعادة المدينة من تنظيم داعش إلى عملية انتقام طائفي من المدنيين بتهمة احتضانهم للتنظيم والتعاون معه.

وتداولت شبكات التواصل الاجتماعي ونشطاء حقوقيون مقطع فيديو يصور مقاتلين بلباس قوات حكومية وهم يعذبون فتى في الخامسة عشرة من عمره ثم يسحلونه ويضعونه تحت سرفة دبابة ويدهسونه بوحشية. وأوضحت المعلومات الواردة من موضع الحادث أن الفتى راعي أغنام ينتمي إلى أسرة فقيرة تقطن قرية الحديديين جنوب الموصل.

وجاء ذلك أياما بعد صدور تقرير عن منظمة العفو الدولية بشأن قيام مقاتلين يرتدون زي القوات العراقية، بتعذيب سكان قرى وإعدامهم ميدانيا عقب وقوعهم في الأسر جنوب مدينة الموصل.

أما نوري المالكي، فلديه أسباب مختلفة. فرغم صورته السيئة لدى الشارع العراقي، فإنّه يريد الإسراع باستغلال ما بيده من سلطة سياسية ومقدّرات مالية إذ ما تزال له امتدادات كثيرة داخل أجهزة الدولة، فضلا عن أن حزبه -حزب الدعوة الإسلامية- هو الحاكم حاليا، وابن الحزب حيدر العبادي هو من يرأس الحكومة وإليه ينسب “إنجاز تحرير المناطق” من تنظيم داعش.

كما يرى المالكي أنّ استغلال ما حقّقه الحشد الشعبي في الحرب ضدّ التنظيم، ما يزال متاحا اليوم، لكنه قد لا يتاح لاحقا بعد أن يفرغ قادة الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد من الحرب ويتفرغون لجني الثمار سياسيا والخروج من جبّة دعم المالكي لهم والشروع في العمل لحسابهم الخاص.

وعلى الطرف المقابل يحتاج عمّار الحكيم إلى المزيد من الوقت لترتيب أوضاعه وللمزيد من تلميع صورته وعرض نفسه كرجل للوفاق.

أما قادة الكتل السنية، فهم مع تأجيل الانتخابات دون تردّد لأنهم يدركون مقدار نقمة أبناء محافظاتهم عليهم لعجزهم عن حمايتهم من تنظيم داعش بداية، وعدم تقديم أي مساعدة ملموسة لهم لاحقا بعد أن تحوّل أغلبهم إلى نازحين ومشرّدين. ويعتمد بعض المتمسّكين بعدم التأجيل على الجانب المادي على أساس أن مفوضية الانتخابات، صرفت منذ أربعة أشهر وحتى الآن نحو أربعة مليارات دينار على عملية تحديث سجلات الناخبين، وأنّ تأجيل الانتخابات يعني ضياع هذه الأموال، بينما يقول دعاة التأجيل إن عملية التحديث تشوبها عيوب كثيرة ومطاعن كبيرة باعتبار وجود أعداد هائلة من العراقيين إمّا في مواطن النزوح، وإما على جبهات القتال، الأمر الذي يفسح المجال لعملية تزوير واسعة النطاق.

وقالت مصادر سياسية إنّ جميع قادة الكتل الذين حضورا الاجتماع الأخير مع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم كانوا مع تأجيل الانتخابات، ما عدا رئيس الوزراء الذي عارض ذلك، وتم بالنتيجة إصدار كتاب بتوقيع مدير مكتب الرئيس متضمنا الإشارة إلى موافقة رؤساء الكتل على التأجيل.

وسيظل البت في التأجيل من عدمه معلّقا، فهناك من يقول إنه من صلاحية البرلمان. وفي هذه الحالة فإنّ ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي يمتلك فرصة فرض عدم التأجيل إذا طرح للتصويت في مجلس النواب.

غير أنّ الخبير القانوني طارق حرب يقول إن قرار الرئاسات الثلاث -الحكومة والنواب والجمهورية- بتأجيل الانتخابات، لا يحتاج إلى موافقة أي جهة سواء البرلمان أو مجلس الوزراء أو مفوضية الانتخابات.