تحرير ثلث شرقي الموصل… ومشاورات أميركية-عراقية لما بعد “داعش”

تحرير ثلث شرقي الموصل… ومشاورات أميركية-عراقية لما بعد “داعش”

349-2
داخل المقر الرئيس لجهاز الاستخبارات العراقي، في مبنى “العمارة الصفرا” وسط المنطقة الخضراء في بغداد، يجتمع عدد من القادة والجنرالات الأميركيين مع نظرائهم العراقيين للتوصل إلى رؤية تمكّنهم من التعامل مع هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) المستقبلية بعد الانتهاء من معركة الموصل. وتشير كل التوقعات إلى أن هذه المعركة دخلت مرحلة الحسم وإن طالت، مع احتدام القتال داخل أحياء الموصل الشرقية، وتضييق الخناق من الجنوب بعد وصول اللواء المدرع الأول الذي خضع لتدريب مركّز من قبل الأميركيين طيلة الفترة الماضية قبيل زجه بالمعركة. في المقابل، لم تستفق الفلوجة بعد من صدمة تفجير سيارتين مفخختين يقودهما انتحاريان، ما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 50 مدنياً وعنصر أمن، وكشف “داعش” في بيان له عن هوية الانتحاريين ليتبيّن من عائلتيهما (الجميلي والشجري) أنهما من سكان الفلوجة.
في موازاة ذلك، تبدو الخارطة مربكة في أعالي الفرات، غربي الأنبار، مقابل صورة غير واضحة عن حقيقة عمليات الاعتقال العشوائية التي تنفّذها مليشيات “الحشد الشعبي” في حزام بغداد ومدن ديالى وصلاح الدين، والتي باتت ظاهرة متكررة بشكل يومي. وعادة ما يتم العثور على جثث بعض هؤلاء المعتقلين في مكبات النفايات أو المزارع والساحات العامة، وسط صمت أو إحجام حكومي عن التعليق وكأن لسان حالها يقول “كل شيء دون معركة الموصل غير مهم”، كما رأى الخبير السياسي طالب الجبوري، مضيفاً أنها “تنذر بمزيد من شلالات الدم وأن لا راحة أكيدة بعد زوال داعش”.

معارك طاحنة

شهدت الساعات الأخيرة ليوم أمس الثلاثاء تطورات كبيرة على مستوى القتال في الموصل، كان أبرزها عودة طيران التحالف إلى عمليات القصف الجوي بعد توقفه لأيام داخل أحياء الموصل الشرقية بسبب المدنيين، فضلاً عن اتساع رقعة القتال إلى أحياء جديدة نجحت القوات العراقية في إحراز تقدّم فيها. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن، في مؤتمر صحافي بقاعدة القيارة العسكرية، مركز العمليات الرئيسي، إن القوات العراقية أخرجت التنظيم “من ثُلُث الجانب الشرقي من مدينة الموصل”. ووفق مصادر عسكرية عراقية تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن القوات العراقية تمكّنت من السيطرة بشكل كامل على حي السلام، والاندفاع بعد ظهر أمس إلى أحياء شهرزاد والقادسية الثانية، بالتزامن مع معارك عنيفة في أحياء يونس والمفتي والسماح وعدن، شرق وجنوب شرق الموصل. وشهدت المواجهات اقتراباً واضحاً لكلا الطرفين من بعضهما، وتم خلالها استخدام الأسلحة الخفيفة بين المنازل المأهولة بالسكان، مع تبادل للقصف بالمدافع وقذائف الهاون في أحياء ومناطق أخرى.
فيما أفاد مراسل “العربي الجديد” في المنطقة، عن خروج موجات بشرية هائلة من العوائل، من منازلها في حي شهرزاد باتجاه الجانب الذي تتواجد فيه القوات العراقية المشتركة، وهو ما تسبب بمقتل وإصابة ما لا يقل عن 30 منهم بسبب القصف وإطلاق النار المتبادل. وتختصر معارك أمس داخل الموصل (المحور الشرقي) حالة مأساوية يعيشها السكان، إذ بدأت بقعة الموت تتوسع مع كل يوم وتقترب من منازلهم وسط مصير مجهول ينتظر باقي سكان الأحياء.

أما في المحور الجنوبي الذي شهد هدوءاً غير معهود لليوم الثاني على التوالي، فقال مسؤول عسكري عراقي إن “الاستعدادات الحالية هي للهجوم على المطار، فيما توقفت المعارك لإعادة النظر بالخطة ورصد مواقع العدو”. وفي المحور الشمالي الذي يسيطر عليه الأكراد، فقد شهد معارك متقطعة باتجاه مدينة تلكيف وضواحيها التي ما زال “داعش” موجوداً فيها. وإلى الغرب حيث محور المليشيات، تستمر المعارك والاشتباكات بين مليشيات “الحشد” وتنظيم “داعش” من دون أي تقدّم أكيد لأي من الطرفين. فعلى الرغم من بيانات لفصائل مختلفة من تلك المليشيات تعلن فيها سيطرتها على قرية هنا ومنطقة هناك، أكدت مصادر لـ”العربي الجديد” عدم دقتها وأنها تندرج ضمن حرب إعلامية لـ”الحشد”. فيما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية العميد سعد معن، في مؤتمر صحافي، أن القوات العراقية باتت تسيطر حالياً على أكثر من ثلث الساحل الأيسر لمدينة الموصل، مبيناً أن “قوات تحرير الموصل تقوم بجهود مضاعفة لتطهير المناطق المحررة من الانتحاريين التابعين لداعش والمتفجرات”.

مفخخات الفلوجة
وفي أول حادث من نوعه منذ استعادة القوات العراقية السيطرة على مدينة الفلوجة، كبرى مدن الأنبار والواقعة على بُعد 55 كيلومتراً إلى الغرب من بغداد، أدى تفجيران انتحاريان مساء الإثنين إلى مقتل وإصابة نحو 50 عراقياً غالبيتهم مدنيون، ليعلن تنظيم “داعش” بعد ساعة من الهجمات مسؤوليته عنها، قائلاً إنها استهدفت “مرتدّين”، في حين أكدت مصادر طبية في المدينة أن أغلب الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن. التفجيران اللذان وقعا بشكل متزامن أثارا علامات استفهام عن كيفية دخول المفخخات إلى المدينة التي تم تخصيص بوابتين فقط للدخول والخروج منها مع سور أمني يحيطها من كل اتجاه، وسط اتهامات وشكوك بفساد داخل أجهزة الأمن سمحت لـ”داعش” بتمرير مفخخاته، وتوقعّات بوجود أنفاق حفرها التنظيم ويستخدمها حالياً، وأخرى تشير إلى أن المفخخات أُعدت داخل المدينة وهناك مخازن سلاح ومتفجرات تحت الأرض تركها “داعش” خلفه للمستقبل.

وعلّق وزير عراقي بارز في اتصال مع “العربي الجديد” على تفجير الفلوجة بالقول: “يتم الآن بحث كيفية ضبط أمن المدن المحررة، وهناك فريق عسكري وأمني أميركي يعمل مع ضباط الاستخبارات العراقية على وضع صيغة أو رؤيا للتعامل مع سيناريوهات ما بعد داعش”، مضيفاً: “من غير المؤكد أن المدينة التي يهرب منها داعش لن يعود إليها، وهو تحدٍ كبير”، معتبراً “الحديث بشكل قاطع الآن عن مرحلة آمنة أو ربيع أمني بعد داعش في المدن المحررة غير واقعي، وتفجير الفلوجة دليل حي على ذلك”.

وفي أعالي الفرات تستمر هجمات التنظيم بشكل وصفه العقيد الركن في قيادة “عمليات الجزيرة” التابعة للجيش العراقي حسام الجنابي بـ”الخبيث”، مشيراً إلى أن “داعش” يهاجم بشكل متكرر ليلاً مدناً حُررت للتو، مثل جبة والبغدادي وجزيرة هيت وجزيرة الرمادي والرطبة والكيلو 160، ثم ينسحب بعد أن يوقع خسائر بشرية في صفوف الجيش والشرطة. وأضاف الجنابي في حديث لـ”العربي الجديد” أن “التنظيم يقيم في مناطق غير بعيدة عنا ويهاجم ثم يختفي، ومواجهة هذا الأمر تحتاج إلى جهد أكبر وعمل استخباري أعمق”، واصفاً المناطق المحررة أعالي الفرات بأنها “غير مستقرة”. في غضون ذلك، تزيد مليشيات “الحشد” عمليات الاعتقال العشوائية التي تنفذها في بغداد وصلاح الدين وديالى، وتم العثور أمس على جثث سبعة مدنيين بينهم محامٍ وطالب بكلية طب الأسنان بعد ساعات من اختطافهما من قِبل تلك المليشيات خلال حملات دهم في مناطق عدة. وبحسب مصادر أمنية تواصلت معها “العربي الجديد”، فإن “المليشيات تقف وراء تلك العمليات وهي تزيد الاحتقان الطائفي أكثر بتلك المناطق، وسط موقف متفرج من قبل الحكومة”.

أحمد الجميلي

صحيفة العربي الجديد