الشركات السورية تحصي تكاليف الحرب

الشركات السورية تحصي تكاليف الحرب

44acd3e9f2b809501b469ec3375e82ee_w570_h0

في مكتبه الصغير، المدسوس خلف أكوام من الصابون المصنوع من زيت الزيتون وأكياس الفستق الحلبي المُخزّن في ساحة في السوق الرئيسية في دمشق، أبو عبدالله يندب صعوبات ممارسة الأعمال في سورية التي مزقتها الحرب.

تاجر الجملة للمواد الغذائية الذي يبيع السمن المستجلب من المناطق الشرقية التي تُربي الأغنام من المناطق التي يسيطر عليها “داعش”، يقول إنه يواجه “ضغوطا من جميع الاتجاهات”.

ويضيف “من الدولة، ومن الجماعات المسلحة، ومن “داعش”، ومن المجرمين. كان الأمر يتطلب ست ساعات لجلب البضائع من دير الزور في الشرق، الآن الأمر يتطلب أسبوعين، وتكلفة النقل تضاعفت 200 مرة – ناهيك عن كل رسوم المرور التي يجب دفعها إلى المسلحين على طول الطريق”.

بعد أكثر من خمسة أعوام من الحرب الأهلية التي تسببت في وفاة نحو ربع مليون شخص، وأرسلت خمسة ملايين شخص إلى المنفى، وأجبرت سبعة ملايين آخرين على النزوح من ديارهم، جعلت الاقتصاد في حالة يُرثى لها.

نظام الرئيس بشار الأسد، المكروه في الغرب بسبب أساليبه الوحشية ضد المدنيين، فقد السيطرة على نصف سورية تقريباً لمصلحة جماعات مسلحة مختلفة، بما في ذلك “داعش”.

المصانع في المناطق التي يُسيطر عليها النظام والتي لم يتم تدميرها أو نهبها تُعاني انقطاعا يوميا في إمدادات الكهرباء، كما تعاني انعدام الأمن على الطرقات. الجماعات المسلحة وقوات النظام تبتز الرشا في نقاط التفتيش من سائقي الشاحنات في مختلف أنحاء البلاد. صادرات النفط، التي كانت فيما مضى الدعامة الأساسية للاقتصاد، خسرها النظام بعد اجتياح “داعش” المنطقة الشرقية في عام 2014.

العقوبات الدولية تسببت أيضاً في أضرار، والعملة الوطنية تراجعت من 50 ليرة للدولار قبل الحرب إلى 500 ليرة الآن، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وسقوط أعداد ضخمة من الناس في براثن الفقر.

يقول إياد بتنجانة، رجل أعمال في دمشق يترأس تكتلا عائليا يُصدّر ويستورد المنتجات الغذائية “هناك مشكلة كبيرة مع كل شيء، مثل الحصول على الوقود، والمواد الخام، ووسائل النقل، والتضخم”.

ويتابع “خفّض الناس الاستهلاك لأن القوة الشرائية تتناقص. نحن لسنا قادرين على استيراد أي من علاماتنا التجارية، جزئياً بسبب العقوبات”.

ويضيف أن “شركته اضطرت إلى تخفيض قوتها العاملة من 700 إلى 450، وكانت غير قادرة على الوصول إلى مصانع تعبئة وتغليف المواد الغذائية في المناطق الريفية حول دمشق التي استولى عليها الثوار”.

سامر الدبس، رئيس غرفة صناعة دمشق المؤيد للنظام، يُقدّر أن الناتج في بعض القطاعات تقلّص بنسبة 50 ـ 60 في المائة. ويشتكي من أن العقوبات الأمريكية والأوروبية تعمل على زيادة تكلفة الواردات لأن المصارف ترفض التعامل مع المؤسسات السورية.

ويقول “هناك مشكلة مع الدولارات، وإذا تمكنت من الحصول عليها فإنك لا تستطيع استخدامها للدفع مقابل الواردات بسبب العقوبات. نحن نحاول استخدام عملات أخرى والتعامل مع بلدان صديقة مثل روسيا وإيران وبلدان في شرق آسيا”.

المواد الغذائية والأدوية مُعفاة من العقوبات، لكن رجال أعمال ومسؤولين في النظام يقولون إنه لا تزال هناك صعوبات في استيرادها، لأن المصارف الدولية تتّخذ احتياطات إضافية لتضمن أنها لا توافق على معاملات مرتبطة بالحكومة أو الأفراد المفروض عليهم عقوبات.

يقول همام الجزائري، وزير الاقتصاد السابق “المصارف الدولية أوجدت منطقة عازلة للامتثال خاصة بها. البضائع التي يتم تصديرها إلى سورية محرومة من التسهيلات الائتمانية وحتى تحويل الدفعات الدولية، لذلك لا تستطيع الدفع حتى إن كنت تملك المال”.

ويُضيف أن “المستوردين يلجأون إلى الشبكات غير الرسمية، الأمر الذي أدى إلى زيادة التكاليف بشكل عجيب”.

تقول ربى ميزرا، وهي صيدلانية، “إن الصعوبات تظهر في ندرة بعض أنواع الأدوية”، مُضيفةً أن “الصيدلانيين يعتمدون على الأدوية والواردات المهربة من إيران والهند”.

الظروف أكثر صعوبة في الأجزاء التي يُسيطر عليها الثوار في سورية. أجزاء كبيرة من حلب التي كانت فيما مضى مركزا اقتصاديا، تم تدميرها في الصراع وهناك ربع مليون شخص عالقون بسبب حصار حكومي للجزء الشرقي من المدينة.

في سوق دمشق، الشكوى العامة هي حول الأسعار وتزايد الفقر. على طول شارع مُخصص لملابس الزفاف وديكورات الزفاف، يقول زبائن وتجار “إن احتفالات الزواج الفخمة في الماضي أصبحت في معظمها ذكرى”. في أحد المتاجر، بسمة وابنتها لميا، التي تشتري تجهيزات لحفل زفافها، تختاران القماش من أجل ثوب الزفاف.

تقول بسمة “الملابس، والحفلة، والمجوهرات الذهبية، كانت لتكون مختلفة في الماضي. نحن الآن نقلل من كل شيء؛ ملابس أقل، وتحضيرات أقل، وبدون حفل زفاف عام”.

ويُقدّر الجزائري أن معدل التضخم ارتفع 400 في المائة منذ عام 2011. وتشير دراسة أجراها صندوق النقد الدولي هذا العام إلى أن ثُلثي جميع السوريين في جميع أنحاء البلاد يعيشون في فقر مُدقع، مقارنة بنحو 12 في المائة قبل الحرب.

سهى قدور، وهي أم لثلاثة أطفال، تتسوّق في قسم العطارة في السوق، تقول “إن زوجها يكسب دخلا معقولا من متجره الذي يبيع فيه منتجات الألبان، لكن العائلة بالكاد تستطيع تغطية نفقاتها.

إذا اشتريت احتياجات أحد الأبناء هذا الشهر، فلا بد أن أنتظر حتى الشهر المُقبل لشراء احتياجات ابن آخر. لم تعُد لدينا طبقة متوسطة هنا؛ توجد فقط طبقة فقيرة أو غنية”.

صحيفة الفاينانشال تايمز

هبة صالح

نقلا عن الاقتصادية السعودية