هنري كيسنجر يلخص السياسة الخارجية والداخلية لـ«ترامب» .. ويتوقع غزو روسيا لهذه الدولة (حوار)

هنري كيسنجر يلخص السياسة الخارجية والداخلية لـ«ترامب» .. ويتوقع غزو روسيا لهذه الدولة (حوار)

900x450_uploads20161112f3c0543b2e

قال هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، إن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد يسمح بتأسيس توافق بين السياسية الأمريكية الخارجية وحالتها الداخلية، مشيرًا إلى أن الرئيس الجديد ليس مؤيدًا للرئيس الروسي فلادمير بوتني، واصفًا أن ما قاله أثناء دعايته الانتخابية كانت “دعاية محددة”.

وأوضح في لقاء له مع الصحفي جيفري جولدبيرج، كبير محرري صحيفة “أتلانتك”، حول الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والسياسة الدولية وسط الاضطرابات الراهنة حاليا حول العالم، أن إيران ستستنتج، بشكل محق، أن الاتفاقية النووية أكثر هشاشة عما كانت عليها، لكنها ستظهر مزيدا من الإصرار، حتى تحت الضغوط، وهي تدرس ترامب. لا أحد يعرف الكثير عن سياسته الخارجية، ولذلك فإن الجميع سيمر بمرحلة من الدراسة.

نص المقابلة

جولدبيرج: هل أنت متفاجئ؟

كيسنجر: ظننت أن هيلاري ستفوز.

ماذا يعني هذا لدور أمريكا في العالم؟

قد يسمح هذا بتأسيس توافق بين سياساتنا الخارجية وحالتنا الداخلية، فقد كانت هناك فجوة واضحة بين منظور العامة، ومنظور النخب، حول السياسة الأمريكية الخارجية. أظن أن الرئيس الجديد لديه فرصة للإصلاح بينهما، والأمر لديه باستغلالها من عدمه.

هل تحسن شعورك حول كفاءة ترامب، أو جديته؟

علينا أن نكف عن هذا السؤال، فهو الرئيس المنتخب الآن، وعلينا أن نمنحه فرصة ليطور فلسفته.

هل ستساعده؟

لن أتواصل معه، فهذه طريقتي لكل رئيس منذ غادرت الوزارة، ولكن إن طلب رؤيتي فسأراه.

ما هي أكبر مخاوفك حول الاستقرار العالمي بعد الانتخابات؟

بأن دول العالم ستتفاعل مع هذه الحالة بالصدمة، وإن حصل ذلك، فأود أن أبقي الاحتمالية مفتوحة حول إجراء حوارات جديدة. إذا قال ترامب للشعب الأمريكي: “هذه فلسفتي للسياسة الخارجية”، وكانت بعض سياساته غير متوافقة مع السياسات السابقة لكنها مرتبطة بأهدافها الرئيسية، فستستمر هذه الاحتمالية.

هل سترد الصين؟

أنا شبه متأكد أن رد الصين سيكون استعدادها لدراسة خياراتها، وأظن أن هذا هو رد فعل روسيا كذلك.

هل تعتقد أن ترامب مؤيد لبوتين؟

لا، لكنني أظنه أنه وقع في دعاية محددة، لأن بوتين قال بعض الكلمات الجيدة له، ضمنيا، وشعر أن عليه أن يرد.

هل تعتقد أن علاقتهما مطبوخة مسبقا بأي شكل؟

لا.

إذا لا توجد احتمالية على المدى القريب بأن روسيا ستستفيد من هذه الحالة؟

أظن أن بوتين سيرى كيف تتطور الحالة. روسيا والولايات المتحدة يتفاعلان معا في مساحات لا يملكان السيطرة على كل عناصرها، مثل أوكرانيا وروسيا، ومن المحتمل أن بعض المشاركين في هذه الصراعات قد يشعر بحرية أكبر للتحرك، وبالتالي؛ فإن بوتين سينتظر ليرى ما هي الخيارات.

إذا هناك احتمالية بمزيد من الفوضى؟

أريد أن أعلن تصريحا عاما: أظن أن معظم السياسة الخارجية في العالم كانت معلقة لستة إلى تسعة شهور، منتظرة نتائج هذه الانتخابات، فقد كانوا يروننا نمر بثورة داخلية، ويريدون دراستها لبعض الوقت. لكن في مرحلة ما، ستتطلب الأحداث قرارات مرة أخرى، والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة قد يكون التنظيمات غير الحكومية، فهي قد تملك حافزا لتستفز ردا أمريكيا يقوض موقفنا العالمي.

تهديد تنظيم الدولة أشد خطورة الآن؟

التنظيمات غير الحكومية قد تعتبر أن ترامب سيرد على الهجمات الإرهابية بطريقة تناسب أهدافهم.

كيف سترد إيران؟

إيران ستستنتج، بشكل محق، أن الاتفاقية النووية أكثر هشاشة عما كانت عليها، لكنها ستظهر مزيدا من الإصرار، حتى تحت الضغوط، وهي تدرس ترامب. لا أحد يعرف الكثير عن سياسته الخارجية، ولذلك فإن الجميع سيمر بمرحلة من الدراسة، بل لنكون أكثر دقة: “جنونا من الدراسة”.

لماذا تعتقد أن هذا حصل؟

جزء كبير من “ظاهرة ترامب” هو رد فعل من وسط أمريكا على هجمات الأوساط الفكرية والأكاديمية على قيمهم. هناك أسباب أخرى، لكن هذا سبب كبير.

كيف تنصح ترامب أن يقدم نفسه للعالم؟

أولا، عليه أن يظهر أنه متابع للتحديات المعروفة. ثانيا، أن يظهر أنه مدرك لطبيعة هذا التطور. الرئيس يحمل مسؤولية محتومة بالتوجيه: ما الذي نسعى لتحقيقه؟ لماذا؟ لفعل ذلك، عليه أن يحلل ويعلن.

دروس هنري كيسنجر

الربيع الماضي، بعد أن نشرت مقالتي “عقيدة أوباما” حول سياسة الرئيس الخارجية، سمعت أن هينري كيسنجر، وزير الخارجية السابق وأبرز وأكثر صانع سياسة خارجية أمريكية جدا خلال العقود الماضية (وربما على الإطلاق)، كان يعبر لعدد من المعارف المشتركين أفكاره النقدية حول المقالة، وحول إدارة أوباما لشؤون العالم.

اتصلت بكيسنجر، لأنني كنت متحمسا لأسمع هذه الأفكار، وكان في هذه اللحظة يحضر بشكل نادر في الحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون – والتي انتقدها عليها لاحقا بيرني ساندرز واصفا إياها بـ”الخطيئة” -، وأردت أن أسمع رأيه بهذا الموسم الانتخابي المختلف.

كيسنجر كان لديه بالفعل الكثير من الأفكر، واقترحت أن أسجلهم وأعلنهم. حتى في عامه الـ93، لا زال يملك رغبة جارفة بإقناع الناس بأحقية رأيه، ووافق على المقابلة مباشرة. لكن، لأنه كيسنجر، حدد عددا من المطالب والشروط غير الاعتيادية، والتي ستحدد الشكل العام لإعلان محادثاتنا، وكان طلب مني إن كانت المقالة التي نتجت عن مقابلتنا ستنشر بنفس طول مقالتي الرئيسي حول الرئيس باراك أوباما، فقلت له: “دكتور كيسنجر، هذه مقالة تظهر عدة مقابلات مع رئيس الولايات المتحدة”.

توقف، وقال لي: “اكتب التالي، واطبعه في بداية قصتك كأول ما يراه القارئ: رغم أن كيسنجر كان خارج الحكومة لبضعة عقود، لكنني وجدت أن نرجسيته لم تنقص مع الوقت”.

في نقطة أخرى، عندما أظهرت غضبي من طلباته، قال: “يجب أن أوضح لك بعض أسباب مخاوفي”. أخيرا، وصلنا إلى اتفاق. سأسجل المحادثة، وأفرغها، ثم أريه إياها، وهو، كما وعدني، سيغيرها ليوضح بعض النقاط أو يوسع أفكاره، وقد التزم بوعده.

اقترح أن أزوره في عطلة نهاية أسبوع في أيار/ مايو في منزله في ريف كونيتيكت، وقد كان هذا مناسبا، لأنني سأكون في الولاية على أي حال، لأحضر ابنتي الأكبر من الكلية، فقالي لي: “يجب أن تدعوها للغداء”. عند قيادتي لمنزل كيسنجر، راجعت لي ابنتي إنجازات كيسنجر، قائلا لها: “قام بانفتاح مع الصين، وانفراجة مع الاتحاد السوفييتي، وإيقاف إطلاق النار في الشرق الأوسط، هل نسيت شيئا؟”، فأجابتني: “لقد كان هناك سر قصف كمبوديا، ألم يكن هو؟”.

لم ألتق شخصا بعمر كيسنجر لا يزال حريصا على إثارة الغرباء، بما فيهم فتاة في عمر التاسعة عشرة. خلال الغداء، كان حريصا في محاولته لكسب ابنتي على فهم العالم، ودوره في ذلك. هذه الميزة تجعله مستفزا ومثيرا، وتدفعه ليطلق تحليلاته الخاصة. لا توجد قضية – بما فيها قصف كمبوديا، أو نشاطاته في تشيلي أو الأرجنتين، أو دوره في الحرب الأهلية الباكستانية، التي ولدت بنجلادش وتسببت بموت جماعي – لم يكن حريصا على الدفاع عنها. ومع ذلك، كان لنا وقت كافٍ للحديث مطولا عن عقيدة أوباما، وحول نقد كيسنجر لإدارة أمريكا لعلاقتها مع الصين؛ أهم العلاقات الثنائية المهمة الآن، بحسب رأيه، في الساحة الدولية. الصين هيمنت على كيسنجر لخمسة عقود، “لا لأنها أصبحت قوة دولية على صحوة الحرب العالمية الثانية، تنافس الولايات المتحدة بنفس الأهمية الجيوسياسية، وحسب، بل لأنها لم تنظر إطلاقا في تاريخها الطويل لأي دولة أجنبية على أنها أكثر من مكتسب لها، للمملكة المركزية”.

وجود ابنتي وحفيدتي منحه جمهورا لخطابته حول ما يعتبره مشكلة جوهري في الأكاديميا الأمريكية اليوم: طريقة التعليم للتاريخ الأمريكي. يدعي كيسنجر أن التاريخ لا يعلم بشكل متتابع، وأن الأحداث التاريخية تقتص من سياقاتها بدون إدراك. كانت فكرته قهرية، ولا بد منها: رفضه الجوهري، عندما يرتبط الأمر بالجدالات الأكبر حول مسيرته المهنية، هي أن الدعم الأمريكي بعد الحرب للحلفاء المضادين للشيوعية، لا يمكن فهمه أو منطقته بدون كل من السياق التاريخي، وتعاطف أساسي لسردية داعمة للغرب. الجامعات، كما قال، “تحب أن تعلم التاريخ كسلسلة من المشاكل المجردة. وفوق هذا هم لا يريدون أن يعلموا التاريخ الغربي. يعتقدون أن الغرب ارتكب العديد من الجرائم التي لا يريدون الإشارة لها. هذه فكرة لا تخطر ببال الصيني. استعادة التعددية الأصيلة للجامعات – لتحليل أفكار يرفضها المنطق السليم – أصبح تحديا قوميا كبيرا”.

تحدثنا في ذلك اليوم – وخلال محادثات متتالية، في مكتبه في نيويورك وهاتفه – حول مخاوفه بخصوص الخروج الأمريكي من العالم، فقال لي إن أمريكا في لحظة مفصلية في التاريخ، ستقرر بها إن كانت ستستمر بالدور الذي لعبته منذ 1945. “الآن، لا يوجد جدل حقيقي حول السياسة الخارجية. الناس يرمون بشعاراتهم، وأظن أن استعادة أمريكا لوجهة نظر إستراتيجية عالمية هي عنصر أساسي جدا لسياساتنا الخارجية”.

نقد كيسنجر لأوباما كان محدودا، لكنني كنت أستطيع استشعار انزعاجه من أن الرئيس لم يعتبره ملائما للاستشارة، كما كان الرؤساء السابقون. استطعت أن أستشعر كذلك أنه اعتبر بعض ملاحظات أوباما حول قرارات السياسة الخارجية للرؤساء السابقين، نقدا شخصيا له. لم يكن مخطئا. في لحظات محددة خلال مقابلتي مع الرئيس، استطعت أن أشعر بشبح كيسنجر في الغرفة، خصوصا عندما تحدث أوباما باستخفاف لقيمة “المصداقية” عند السعي لأهداف الأمن القومي، وعندما تحدث بانفتاح غير مسبوق ومتحسر، وأحيانا على التراب الأمريكي، حول الأخطاء المرتكبة خلال الحرب الباردة. ما أزعج كيسنجر كان الطريقة التي تحدث بها أوباما حول زعماء العالم، قائلا: “هناك أمر مشكل بأوباما هو كيف يمكن لشخص بهذا الذكاء أن يعامل أقرانه بالطريقة التي تحدث بها في مقالتك، وشخص كهذا سيقدم حسا من الإهانة”.

سألته كذلك عن دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. هو قريب من كلينتون، وليس من ترامب، ولم يكن من الصعب إدراك أنه مرتعب من تصرفات ترامب، ومتعاطف بشدة مع كلينتون. دعم كيسنجر لكلينتون كان محل متابعة كبيرا خلال الحملة. تأمل البعض في حملة كلينتون أن يدعمها كيسنجر، لكن الآخرين، بحسب ما أخبرت، قلقوا أن دعمه سيعزز جدال ساندرز أن كلينتون كانت قريبة جدا من شخصيات بغيضة مختلفة. كيسنجر نفسه كان واعيا لهذا النقاش، وعندما أشرت إلى أن كلينتون أقرب أيديولوجيا ونفسيا إليه من قربها من أوباما، قال كيسنجر: “إن قلت هذا، فلن تكون لطيفا معها”.

قلت له إنه ليس من عملي أن أكون لطيفا أو لا، فأجابني: “لكنك ستحرر الجناح الراديكالي – جناح ساندرز – ضدها”. لقد قام بملاحظة ذات بصيرة عن الطريقة التي ستمارس بها هيلاري كلينتون السياسة الخارجية: “الشك بكلينتون هو حول إن كان جناح ساندرز في الحزب الديمقراطي سيسمح لها بتنفيذ ما تعتقد به”.

وفيما يلي نص المحادثات:

جيفري جولدبيرج: كيف تعرف عقيدة السياسة الخارجية للرئيس أوباما؟

هنري كيسنجر: “عقيدة أوباما” التي وصفتها في مقالتك تشير إلى أن أمريكا تحركت ضد قيمها الأساسية بعدد من الأمكان حول العالم، وبالتالي وضعت نفسها في موقع صعب. لذلك، بحسب الفكرة، ساهمت أمريكا بتبرير قيمها بانسحابها من مناطق كانت ستجعل الأمور بها أسوأ. يجب أن نخشى أن تصبح “عقيدة أوباما” سياسة خارجية غيابية وقائمة على رد الفعل في جوهرها.

الفكرة لديك هي أن “عقيدة أوباما” حول حماية العالم من أمريكا؟

برأيي، يبدو أن أوباما لا يعتبر نفسه جزءا من عملية سياسية، ولكن كظاهرة فريدة بقدرة فريدة. ومسؤوليته، كما يعرفها، هي إبعاد العناصر غير الحساسة من أمريكا عن نشر الفوضى في العالم. إنه أكثر قلقا على تحول التبعات قصيرة الأمد إلى عوائق دائمة. رؤية أخرى من مؤهلات رجل الدولة قد تركز على مدى أكبر من تشكيل التاريخ، بدل تجنب الوقوف في طريقه.

كرئيس، سيتم لومك على خطايا السهو أقل بكثير من خطايا الارتكاب.

صحيح، فمن الصعب إثباتها. لكنك ستلام على الكوارث، بغض النظر عمن تسبب بها.

كممارس للدبلوماسية، كم سيكون مفيدا الذهاب إلى بلدان أخرى والاعتراف بالخطيئة عن التصرفات الأمريكية السابقة؟ أنت براجماتي، وبالتأكيد سيحصل لك هذا شيئا.

البلدان الأجنبية لا تحاكمنا على ميل رئيسنا على التهجم على بلدنا على أرضهم. فهم يقيمون هذه الزيارات على أساس تحقق التوقعات، أكثر من تقييم الماضي. برأيي، إعادة استحضار التاريخ من الرئيس، إن كان سيحصل، يجب أن يقدم للجمهور الأمريكي.

لكن ماذا عن الجدل العملي؟

يجب أن تقاس مقابل تأثيرها على الإجراءات والأشخاص الحكوميين. هل يجب على كل موظف أمريكي أن يقلق حول نظرة الحكومات الأجنبية لآراءه بعد أربعين عاما؟ هل يجب أن تقدم كل حكومة أجنبية ملفا تقره الحكومة الأمريكية بعد عقود من حدث ما؟

ماذا تنصح الرئيس الخامس والأربعين؟

يجب أن يسأل الرئيس: “ماذا سنحقق، حتى لو سعينا له وحدنا؟”، و”ماذا يجب أن نتجنب، حتى لو كان علينا أن نحاربه وحدنا؟”. الأجوبة لهذه الأسئلة جوانب لا يمكن تجنبها في سياستنا الخارجية، والتي يجب أن تشكل أساس قراراتنا الإستراتيجية.

العالم في فوضى. هناك اضطرابات جوهرية تحصل في أعداد كبيرة من العالم بالتتابع، وكثير منها محكومة بمبادئ متفاوتة. ولذلك نحن أمام مشكلتين: أولا، يجب أن نقلل الفوضى العالمية، والثانية، يجب أن نخلق نظاما عالميا متماسكا مبنيا على مبادئ متوافق عليها وضرورية للنظام ككل.

الأزمات تحصل قبل أن يجد الرؤساء وقتا لخلق نظام عالمي متماسك، أليس كذلك؟

عمليا، كل الفاعلين في الشرق الأوسط، والصين، وروسيا، وإلى درجة ما أوروبا، تواجه قرارات إستراتيجية كبيرة.

ما الذي ينتظرونه؟

تحديد بعض القرارات الجوهرية لسياساتهم. الصين، حول طبيعة مكانها في العالم. روسيا، حول أهداف مواجهتها. أوروبا، حول مقصدها، بسلسلة من الانتخابات. أمريكا، حول منح معنى للفوضى الحاصلة بعد الانتخابات.

ما هي مصالح أمريكا الدائمة الداخلية؟

سأبدأ بالقول إن علينا الإيمان بأنفسنا. هذا متطلب مطلق. نحن لا يمكن أن نختزل السياسة لسلسلة من القرارات التكتيكية فقط، أو الاتهامات الذاتية. السؤال الإستراتيجي الجوهري هو: ما هو الذي لن نسمح به، مهما حصل، ومهما بدا شرعيا؟

أنت تعني، على سبيل المثال، احتلال فلاديمير بوتين لدولة لاتفيا في 2017؟

نعم. وسؤال ثان: ما الذي نحاول تحقيقه؟ نحن لا نريد أن تقع آسيا أو أوروبا تحت هيمنة دولة معادية واحدة. أو الشرق الأوسط. لكن إن كنا نتجنب هدفنا، فعلينا أن نعرف العدائية. بحسب تفكيري حول أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، فليس من مصلحتنا أن يقع أي منهم تحت الهيمنة.

هذا المنظور مرتبط جدا بما بعد الحرب العالمية الثانية، أي التفكير بفرض نظام عالمي بقيادة أمريكا. قد لا تكون هذه فكرة أوباما، لكن من الملاحظ بشدة أنه من بين المرشحين الرئاسيين الأربعة الباقين – تيد كروز، دونالد ترامب، بيرني ساندرز، وهيلاري كلينتون – كان هناك مرشح واحد تقليدي بالسياسة الخارجية.

كلينتون هي الوحيدة التي تلائم النموذج، التقليدي، الدولي المتطلع للخارج.

ما الذي يعنيه ذلك؟

هذا يعني أنه للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تتم تسوية مستقبل أمريكا بالعالم تماما.

هيلاري كلينتون أكثر تقليدية من أوباما بالأسئلة المرتبطة بالمسؤوليات الأمريكية الدولية، وضروريتها للنظام العالمي، وغير ذلك. لكن هل تغير الأمريكيون كثيرا بفهم الأولويات الأمريكية، لدرجة يمكن أن يكون بها رئيس مثل هيلاري كلينتون محدودا بما يمكنه أن يفعل؟

للعديد من الزعماء حول العالم، لا زال أوباما لغزا بعد ثمانية سنوات في الرئاسة. إنهم لا يعرفون ما الذي يجب القيام به نحوه أو نحو الانحراف الأمريكي الحالي. إذا فازت هيلاري، فستملك ميزة أن العالم سيرحب بشخصية تقليدية معتادة. في مقابلتك معه، أوباما تفاخر بالأشياء التي منع حدوثها.

لقد كنت تتابع السياسات القومية الأمريكية منذ عام 1948، أو قبل ذلك بقليل..

كمشارك بطريقة، أو بأخرى، منذ عام 1955.

لقد كان هناك إجماع، بطريقة ما، بين الأحزاب، في هذه الفترة، حول أهمية المشاركة الأمريكية في العالم.

هذه هي المرة الأولى التي يساءل بها هذا الإجماع إلى هذه الدرجة. أظن أنه يمكن استعادته إلى حد ما. يبدو أن العالم الغربي، بعد الحرب العالمية الثانية، انقسم على رؤية نظام سلمي. لم يكن هناك سؤال حول أهمية التضحية. لقد أرسلنا جيشا كبيرا إلى أوروبا. أنفقنا الكثير من المال. وعلينا أن نعيد اكتشاف الروح وتكييفها مع الوقائع التي حصلت منذ ذلك الحين.

لماذا تتغير هذه الدينامية الآن؟

لقد كنا متساهلين جدا بتحدي ما كان يبدو اعتقادات قومية جوهرية. أظن أننا نستطيع مراجعة هذه الفكرة، لكن هذا سيتطلب جهدا كبيرا وأساسيا ومتجاوزا للأحزاب.

أوباما شخص يعتقد النقاد أنه يسائل بعض الافتراضات الجوهرية حول دور أمريكا في العالم. بواحدة من محادثاتي معه، بدا أنه يرفض ذلك. عندما كان يعطيني منطقه حول عدم فرض الخط الأحمر الذي رسمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد لاستخدام الكيماوي، بدا أنه يفكر: “بعكس كيسنجر، لن أقصف شخصا لأظهر أنني أريد قصف شخص”. عندما قام بتصريحات مثل هذه، أعتقد أنه كان يفكر بكمبوديا .

كان على كمبوديا أن تلعب دورا رمزيا لأنها الدولة الوحيدة في الصين الهندية التي لم يبدأ بها الليبراليون الحرب. التزامنا العسكري لفيتنام بدأ مع كينيدي، وازداد مع جونسون. كمبوديا، مع ذلك، كانت قرار نيكسون، بالمصطلحات الراديكالية. هنا، بحسب ميثولوجيا الليبراليين، كانت دولة صغيرة مسالمة هاجمها نيكسون. الحقيقة أنه كان هناك أربعة فرق فيتنامية شمالية خلال مساحة 30 ميل في سايجون، عبر الحدود لقتل الأمريكيين – قتلوا 500 خلال أسبوع من حكم نيكسون – يتم تجاهلها في نقاش كمبوديا من المتظاهرين الذين يؤكدون على الحيادية العملية لكمبوديا ويتجاهلون أن حاكمها طلب تدخلنا. إدارة أوباما قامت بهجمات مشابهة منهجيا لأسباب شبيهة، ولكن باستخدام الطائرات بدون طيار، في باكستان والصومال واليمن. دعمت هذه الهجمات. لكن إن كنا سنملك سياسة خارجية مبدعة، فعلينا أن لا نفتتن بشعارات الجيل الماضي، ونحاول مواجهة تحدياتنا الحالية.

ما عنيته بقولي إن أوباما يفكر بكمبوديا، هي أنه يعتقد أن نيكسون وكيسنجر وصلوا للسلطة وشعروا أن عليهم تأسيس مصداقية مع هانوي، ولذلك أشعلوا الحرب. هذه تحليله لدخول الولايات المتحدة لنفسها في الحرب.

هذا ليس صحيحا. لقد واجهنا، بعد شهر من وصولنا للرئاسة، من أكثر من 2000 ضحية، معظمهم في كمبوديا. كان يجب تقليل هذا. لقد كنا قلقين حول السيطرة وإنهاء الحرب.

لكن هذا تشكيل معتاد للأحداث.

أعلم. عندما وصلنا للسلطة، بدأ الفيتناميون الشماليون هجوما خلال أسبوعين، وكان لنا خمسمئة ضحية خلال أسبوع، وكان قصف كمبوديًا طريقة لتجنب عودة قصف الشمال. هكذا اعتقدنا. لم يكن الأمر حول بدء حرب أخرى، فقد كانت الحرب في كمبوديا أساسا. ما هي خياراتنا الإستراتيجية الحقيقية حينها؟ ستقول: “الانسحاب”. لكنك لن تجد ورقة واحدة من إدارة جونسون دعت لأي شيء يشبه الانسحاب المباشر.

قرار أوباما بالخط الأحمر، بحسب ما أخبرني، كانت عندما كسر ما أسماه “كتاب واشنطن” التقليدي. لم يعتقد أنه سيشتري مصداقية الولايات المتحدة باستخدام القوة. ما هي نظرتك لجدل الخط الأحمر؟

أظن أن الخط الأحمر، بعد كل شيء، كان قضية رمزية. لقد كان قرارا غير حكيم من حيث الازدواجية، لكنه كان عَرَضا لمشكلة أكبر. يجب أن تستخدم القوة العسكرية، إن كانت ستستخدم، بالقدر الذي يجعلها تنجح. لا يجب أن تكون ورقة بين قوى محلية متنافسة.

صف نظرتك للعلاقة بين الدبلوماسية والسلطة. كما تعلم، جون كيري قضى العام الأخير وهو يضغط على أوباما لشن غارات ضد الأسد لدفعه لحل دبلوماسي. هذا مذهل، لأن كيري كان الرجل الذي بدأ عمله برفض الحرب الفيتنامية، وهو الذي يجادل الآن بشن غارات جوية تعزز المصداقية.

أحترم جون كيري لشجاعته ومصداقيته. في سوريا، إنه يسعى لحكومة ائتلافية مكونة من تنظيمات مشاركة في حرب إبادة لبعضها البعض. حتى لو استطعت تشكيل حكومة كهذه، ما لم تحدد فاعلا مهيمنا، عليك إجابة هذا السؤال: من سيحل الخلافات التي ستحصل حتميا؟ موجود حكومة كهذه لا يضمن أنها ستعتبر شرعية أو أن قراراتها ستطاع.

كيري وصل لفهم أن هناك ضغوطات أخرى لتحقيق الهدف المطلوب، وهو تغيير من موقفه في حرب فيتنام. استخدام القوة هو العقوبة الحتمية للدبلوماسية. الدبلوماسية والقوة ليست نشاطات متباعدة. إنها مترابطة، وإن لم تكن بشكل أنه في كل مرة تفشل بها المفاوضات، ستلجأ للقوة. هذا يعني ببساطة أن الطرف المعارض في المفاوضات يجب أن يعلم أنه في نقطة محددة، ستفرض رغبتك. بدون ذلك، ستصل لنهاية مسدودة، أو هزيمة دبلوماسية. هذه النقطة معتمدة على ثلاثة عناصر: امتلاك قوة كافية، الرغبة الضمنية باستخدامها، والعقيدة الإستراتيجية التي تضبط سلطة المجتمع مع قيمه.

هل تنكسر فكرة الاستثنائية الأمريكية؟

كلا، إنها لا زالت موجودة، لكن بطريقة “المدينة المضيئة على التلة”. إنها تضعف.

لكن أليس هذا أوباما، الذي يملك فهم “المدينة المضيئة على التلة” للاستثنائية الأمريكية؟

ليس بطريقة أن علينا أن نحاول تنفيذ قينما. الدستورية واحقوق الإنسان هي من أكبر مفاخر الإنجازات الأمريكية. لتتأكد، لقد شطحنا بالاعتقاد أننا يمكن نحقق الديمقراطية في فيتنام أو العراق بهزيمة خصومنا عسكريا وتنشيط ممارسة النوايا الحسنة. لقد شطحنا لأننا لم نربط نشاطنا العسكري بما قد يدعمه شعبنا، أو بإستراتيجية للمنطقة. لكن الجهد الأساسي كان تعبيرا للاستثنائية الأمريكية. لقد ذهبت استثنائية أمريكا في الحرب الباردة. التكييف المناسب مهمة أساسية للإدارة الجديدة. أعتقد بشدة أن الجمهور الأمريكي يجب أن يتم إقناعه، لكنه سيحتاج تفسيرا مختلفا عن ذلك الذي كان فعالا في الخمسينيات.

هل العلاقات الأمريكية الصينية أكثر أهمية للأمن القومي الأمريكي من الإرهاب الإسلامي؟

الإرهاب الإسلامي مهم لتحقيق النظام الدولي على المدى القصير. علاقاتنا مع الصين ستشكل النظام العالمي على المدى الطويل. الولايات المتحدة والصين سيكونان أهم الدول في العالم. اقتصاديا، هذا هو الحال، إلا أن كلا الدولتين يمران بتحولات داخلية غير مسبوقة. كأول خطوة للأمام، يجب أن نحاول تطوير فهم لإمكانية تحقيق استقرار للعالم من خلال تحرك صيني أمريكي مشترك. على الأقل، يجب أن نوافق على حد خلافاتنا، وعلى الأكثر، يجب أن نضع مشاريع نستطيع خوضها معا.

كيف يجب على الرئيس الخامس والأربعين أن يضع سياسة صينية؟

بعد سنواتها المبكرة، أمريكا كانت محظوظة بما يكفي بأن لا تتلقى تهديدا بالغزو مع نموها، لأنها محاطة بمحيطين عظيمين. كتبعة لذلك، تخيلت أمريكا سياسة خارجية كسلسلة من التحديات المنفصلة التي يجب علاجها وهم يصعدون على أقرانهم، بدل جزء من عملية كلية.

حتى بعد الحرب العالمية الثانية، بدأنا بالتفكير بالسياسة الخارجية كعملية مستمرة، حتى فيما يبدو ظروفا مطمئنة. على مدى عشرين سنة على الأقل، شكلنا تحالفات كطريقة لتقليل الخلافات، بقدر تصميم إستراتيجية. من الآن فصاعدا، يجب أن نبتكر إستراتيجية قابلة للضبط بحسب المتغيرات. يجب أن ندرس تواريخ وثقافات الفاعلين الدوليين الأساسيين. يجب أن نشارك بشكل دائم في الشؤون الدولية.

مشاركة ثابتة مع الصين؟

الصين تمثل لذلك. لمعظم تاريخها، لاقت الصين عزلة. الاستثناء الوحيد هو المئة عام الذي هيمنت بها المجتمعات الغربية عليها. لم يكن عليها المشاركة بشكل مستمر مع بقية العالم، خصوصا خارج آسيا. لكنها كانت محاطة بدول أصغر نسبيا غير قادرة على إخلال السلام. حتى ثورة شينهاي في عام 1911، كانت علاقات الصين مع الدول الأخرى تدار بوزارة الشعائر، التي كانت تصنف كل دولة أجنبية على أنها تابعة نسبيا للصين. لم يكن للصين علاقات دبلوماسية بالمفهوم الويستفالي، كما لم تعتبر الدول الأجنبية كيانات متساوية.

كيف تقيم إدارة الرئيس أوباما للملف الصيني؟

سأقول ب-.

هذه علامة جيدة إلى حد ما.

هذه العلامة للحاضر، لكنها أقل لمستقبل علاقات الصينية الأمريكية. لقد حسن الأمور على المدى القصير، لكنه لم يساهم بأي شكل للثورة على المدى الطويل.

لنكون أكثر وضوحا، استقرار العالم معتمد على فهم أقوى دولتين به لبعضهما البعض.

وهذا يتطلب شفافية تجاه بعضهما البعض، وهذا يبدو غريبا للدبلوماسيين التقليديين.

كيف تفهم إستراتيجية الصين الآن؟

هناك تأويلان اثنان الآن. الأول: التفكير الصيني هو أن العالم يتحرك باتجاههم، وسيرثونه بطريقة أو بأخرى، والثاني مهمتهم الإستراتيجية بجعلنا هادئين من حين لآخر.

بذلك، هل تخشى من أن يبدأ ترامب حربا تجارية مع الصين؟

أكثر من كل شي، فالعالم المتزن المسالم يعتمد على علاقة أمريكية صينية مستقرة. وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ الترابط الاقتصادي بأنه “المروحة والمحور” لعلاقاتنا الثنائية، وستضر الحرب التجارية كلينا.

أنت تتحدث للصينين على الدوام، ما هو رد فعلهم على تهديد الحرب التجارية؟

كان رد فعلهم الأول هو الصدمة، لا بسبب شخصيته؛ ولكن لحقيقة أن أمريكا قد تنتج نقاشًا سياسيًا مثل هذا حول طبيعتها الخاصة. “هل يعني هذا أننا سنضطر للمواجهة في النهاية؟”. هذا كان رد فعلهم الأول.

ترجمة: عربي21