العراق: مبادرة مصالحة وطنية يعارضها نوري المالكي

العراق: مبادرة مصالحة وطنية يعارضها نوري المالكي

مع التقدّم الذي تحرزه القوات العراقية في معركة تحرير الموصل، وحديث القيادات العسكرية عن احتمال حسم المعركة مع نهاية العام الحالي، يجري “التحالف الوطني” الحاكم في العراق اتصالات بقيادات سياسية مشاركة في العملية السياسية، وأخرى معارضة، ضمن إطار مبادرة “التسوية التاريخية”، التي طرحها رئيس التحالف عمار الحكيم أخيراً، بهدف ترتيب ما وصفه بمرحلة ما بعد الخلاص من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وأكد الحكيم أن مشروع التسوية المطروح سيتزامن مع تحرير الموصل، موضحاً في بيان له أن “التحالف الوطني” بوصفه الكتلة الأكبر قدّم وثيقة التسوية المهمة التي تمثّل مشروعاً جامعاً للعراقيين. ودعا إلى “بناء عراق متعايش خالٍ من العنف والتبعية”، مشدداً على ضرورة تصفير الأزمات، ورفض التقسيم تحت أي ظرف، والتأكيد على ضرورة الالتزام بالدستور.
قبول كبير للتسوية
المبادرة المطروحة جاءت هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، بحسب مصدر مقرب من قيادة “التحالف الوطني”، أكد لـ”العربي الجديد”، أنها ستشمل سياسيين سنّة معارضين للعملية السياسية، موضحاً أن التسوية ستفتح أبواب الصلح للجميع باستثناء عناصر حزب “البعث” العراقي المنحل، والمنتمين لتنظيم “داعش”.

وأشار المصدر إلى أن زيارة المعارض العراقي، رئيس “المشروع العربي”، خميس الخنجر، إلى أطراف مدينة الموصل، برفقة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، تُمثّل أولى خطوات المبادرة، لافتاً إلى أن الخنجر تلقى ثلاث دعوات، اثنتان منها من أحزاب من داخل “التحالف الوطني”، وواحدة من تحالف “القوى العراقية”، لزيارة بغداد من أجل التباحث في وضع ما بعد تحرير الموصل، وطرد تنظيم “داعش” منها. وأضاف أن “التسوية ستشمل مطلوبين للقضاء مثل وزير المالية السابق، رافع العيساوي، ومحافظ الموصل السابق، أثيل النجيفي، وقادة آخرين، شرط مثولهم أمام القضاء العراقي، وتبرئتهم من التهم الموجهة إليهم”، موضحاً أن المبادرة تحاول تصفير الأزمات ضمن سياسة “لا غالب ولا مغلوب”.
وكشف المصدر عن موافقة أغلب الشخصيات والقوى السياسية السنّية على المبادرة من حيث المبدأ، لافتاً إلى أنها طلبت من “التحالف الوطني” القيام بخطوات فعلية حقيقية قبل الدخول بالتسوية، كتأجيل إقرار قانون مليشيات “الحشد الشعبي”، وإنهاء المظاهر المسلحة في الشارع العراقي وحصر السلاح بيد الدولة، فيما أكدت مصادر سياسية في أربيل، لـ”العربي الجديد”، أن “أغلب الأطراف المعارضة للعملية السياسية في عراق ما بعد الاحتلال موافقة على التسوية من حيث المبدأ، لكنها رفضت أن تكون هناك ورقة تُملى عليها من قِبل التحالف الوطني الحاكم أو الحكومة”.

وقال مصدر رفيع المستوى في إحدى كتل المعارضة العراقية، إنها “تريد تسوية حقيقية” وفقاً لوصفه، “من بينها فتح ملفات الجرائم التي ارتُكبت بعد الاحتلال وما رافقها، وفتح ملف التغيير الديموغرافي في البلاد، وإعادة النظر بالدستور المكتوب في زمن الاحتلال، وأمور أخرى، واشترطت أن يكون الضامن هو مجلس الأمن الدولي في أي اتفاق تسوية وليست الأمم المتحدة”. ووفق المصدر فقد “وافقت بعض القوى المعارضة على محاسبة المتورطين بجرائم قبل الاحتلال، على أن تتم محاسبة المتورطين بجرائم بعد الاحتلال، وتكون هناك هيئة قضائية دولية تشرف على ذلك من خلال إنشاء محكمة دولية تأخذ على عاتقها إنصاف الجميع”، مؤكداً أن “هناك حراكاً يجري في دول عربية وغربية لتوحيد خطاب الكتل السنّية وغير السنّية المعارضة للعملية السياسية الحالية، واتفاقها على موقف واحد من المبادرة”.

رعاية أممية
في السياق نفسه، أكد النائب عن “التحالف الوطني” عباس البياتي، أن مبادرة التسوية ستكون تحت رعاية الأمم المتحدة، موضحاً أن دور المنظمة الدولية سيركز على الوساطة والتسويق الإقليمي ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية. وأضاف في بيان أن “وجود اللاعب الدولي في المبادرة ليس شرطاً أساسياً، فالقرار سيكون داخلياً وبقناعة كاملة ليُكتب له النجاح”، موضحاً أن الاستعانة بأي طرف يرغب بالمساعدة سيكون جيداً، وسيتم الاتفاق عليه ما دام ضمن الحدود التي لا تمس السيادة.
من جهته، كشف عضو البرلمان العراقي عن “التحالف الوطني”، محمد اللكاش، أن بدء تطبيق التسوية السياسية التي أعلن عنها الحكيم سينطلق مع موعد إعلان تحرير الموصل.
وتعليقاً على هذا الموضوع، توقّع سياسيون سنّة أن يتطلب البدء بتطبيق المبادرة أكثر من هذا الوقت، بسبب عدم وجود إجماع لغاية الآن على التسوية التي طرحها الحكيم. وقال عضو “تحالف القوى العراقية”، محمد المشهداني، إن مشروع التسوية لا يمكن أن ينجح إذا لم يكن مطروحاً ومقبولاً من جميع الأطراف، مؤكداً في حديث مع “العربي الجديد” أن “المبادرة الحالية طُرحت من التحالف الشيعي الحاكم، من دون التشاور مع الشريكين السنّي والكردي”. وأضاف: “توجد في المبادرة نقاط إيجابية، كتصفير المشاكل، ورفع شعار لا غالب ولا مغلوب، وفتح باب الحوار أمام المعارضين”، منتقداً في الوقت ذاته الإصرار على تجريم “البعث” وعناصره، على الرغم من انتماء أغلب العراقيين للحزب قبل عام 2003.
وأشار إلى طلب القيادات السياسية السنّية التقدّم بورقة مقابلة لورقة التسوية المطروحة، لتتم الاستفادة من النقاط الإيجابية في الورقتين، لافتاً إلى رفض هذه القيادات أن تكون التسوية برعاية الأمم المتحدة، مطالبة بأن تجري تحت إشراف مجلس الأمن الذي لديه قوة أكبر وقدرة على إرغام جميع الأطراف على تطبيق التسويات والاتفاقيات التي تتم تحت مظلته.
وكشف المشهداني عن وجود حراك سياسي يقوم به رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، للوساطة بين قيادات المعارضة في عمان وإسطنبول والحكومة العراقية، وقيادات “التحالف الوطني” الحاكم، مشيراً إلى أن التسوية ينبغي أن تحظى بموافقة وتأييد دول عربية وغربية، لضمان عدم انهيارها كسابقاتها من مشاريع المصالحة.

وكان البرزاني قد أجرى خلال الأيام الماضية سلسلة لقاءات مع قيادات سنّية، كنائب الرئيس أسامة النجيفي، ووزير المالية السابق رافع العيساوي، ومحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، ورئيس “المشروع العربي” خميس الخنجر. وأعلن الخنجر أن زيارته إلى إقليم كردستان العراق كانت ناجحة، موضحاً في بيان أنه عقد سلسلة اجتماعات ناجحة مع شخصيات سياسية مهمة خلال زيارته الإقليم.
وفي سياق متصل، قال عضو كتلة “المواطن” البرلمانية، المنضوية ضمن “التحالف الوطني”، عامر الفايز، إن مشروع التسوية يمهد لإجراء حوارات فاعلة مع الأطراف المعارضة للعملية السياسية الحالية، موضحاً في حديث مع “العربي الجديد” أن “التسوية تتضمن إمكانية التباحث مع رئيس المشروع العربي، خميس الخنجر، والأمين العام لهيئة علماء المسلمين جمال الضاري”. وأشار إلى أن “نجاح الحوار يتوقف على مدى التزامهما بشروط التسوية، كإدانة حزب (البعث) المنحل، والكف عن الإساءة إلى النظام السياسي الحالي، ووقف دعم الجماعات المسلحة”.

وتعليقاً على هذا الموضوع، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، أن “التحالف الوطني” يحاول أن يطرح تسوية عابرة للطوائف والأديان والقوميات تمهيداً لمرحلة ما بعد تحرير الموصل، معتبراً في حديث مع “العربي الجديد” أن “التحالف المرتبط بإيران يخشى من ظهور السنّة والأكراد بشكل أقوى بعد معركة الموصل، بسبب ما يتلقونه من دعم إقليمي ودولي”. وأضاف: “يخشى حكام العراق الضبابية التي تشوب سياسة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، تجاه العراق، وعدم رضاه عن سياسة سلفه باراك أوباما التي سلّمت العراق للمليشيات”، مرجحاً أن “تقدّم القوى السياسية الشيعية المزيد من التنازلات خلال المرحلة المقبلة، خشية نجاح خصومها في الحصول على إجماع دولي يساعد على إعادة هيكلة السلطة في العراق، ومحاسبة مرتكبي الجرائم بعد 2003، ولا سيما المليشيات العراقية التي تأسست في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي”.

وفي جبهة مناوئة لكل هذا الحراك، يتخذ رئيس “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، وأعضاء ائتلافه، موقفاً رافضا للتسوية المطروحة. وقال رئيس “دولة القانون”، إنه لن يقبل بأية تسوية تشمل أشخاصاً تسببوا بأزمة الاعتصامات التي اندلعت عام 2013، في المحافظات الغربية (السنّية)، رافضاً التسوية مع من وصفهم بـ”المتلطخة أيديهم بالدماء”. وأضاف في بيان: “لا تسوية مع من تسبب بأزمة الاعتصامات وجاء بالإرهاب، ولا تسوية مع من يرفضهم مكونهم، ولا تسوية مع من تلطخت أيديهم بالدماء، وعقولهم بالفتنة الطائفية”، موضحاً أنه ضد “إعادة إنتاج الإرهاب باسم التسوية”.
من جهتها، حذرت عضو البرلمان العراقي عن “ائتلاف دولة القانون”، عالية نصيف، كل من يرعى التسوية، سواء كان الأمم المتحدة أو غيرها، “من شمول القتلة والمتآمرين على الشعب العراقي بهذه التسوية”، مشددة على ضرورة انتباه “التحالف” الوطني إلى الحرص على عدم شمول المتلطخة أيديهم بدماء العراقيين بالتسوية.

معارك كر وفر
ميدانياً، تستمر معركة الموصل بعمليات كر وفر في الأحياء الشرقية للمدينة، وسط صعوبة واضحة تواجه الطرفين بسبب سوء الأحوال الجوية في محافظة نينوى وأجزاء من شمال العراق. ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية تحدثت مع “العربي الجديد”، فإن القوات العراقية نجحت أمس الجمعة في تثبيت مواقعها التي كانت قد حررتها يوم الخميس داخل أحياء المثنى والخضراء وعدن. كما سيطرت على مبنى البنك الإسلامي وسط حي السماح، شرقي الموصل، وتحاول الاستيلاء على مناطق جديدة، وسط قصف مكثف من طيران التحالف الذي يشارك بقوة لليوم الثاني على التوالي، لتعويض نقص الزخم الناري لقوات الجيش بسبب سوء الأحوال الجوية. وأكدت المصادر مقتل وإصابة نحو 40 من عناصر “داعش” خلال اشتباكات أمس الجمعة بينهم انتحاريون حاولوا تفجير أنفسهم في قوات جهاز مكافحة الإرهاب، فيما شهد المحور الجنوبي توقفاً تاماً للمعارك بعد سيطرة القوات العراقية يوم الخميس على منطقة البو يوسف ومشروع الماء الجديد ومزارع الذرة. وقال المقدّم فلاح السوداني من قيادة الفرقة السادسة عشرة في الجيش لـ”العربي الجديد”، إن مجمل العمليات أمس الجمعة تركزت على القصف المكثف لمواقع التنظيم في مطار الموصل تمهيداً للبدء باقتحامه.
وفي المحور الغربي، تواصل مليشيات “الحشد الشعبي” مدعومة بوحدات من الحرس الثوري الإيراني عمليات قصف مكثفة على مطار تلعفر وعدد من القرى القريبة بجانبه، بعد عمليات انتحارية طاولتها ليلة الخميس وفجر الجمعة أسقطت نحو 30 قتيلاً وجريحاً من مليشيا “العصائب” و”حزب الله” العراقي، استهدفتهم في قرية العبد المجاورة لمطار تلعفر، حيث تحاول المليشيات فرض سيطرتها عليه بالكامل.

في غضون ذلك، قال قائد عمليات “تحرير نينوى” اللواء الركن نجم الجبوري، لـ”العربي الجديد”، إن “مجمل سير المعارك يؤكد أن خطوط المواجهات في المحاور الأخرى ستلتحق بالمحور الشرقي، بمعنى انتقال الحرب إلى داخل أحياء الموصل”. وأضاف الجبوري: “لدينا خطط وحتى الآن تطبق بشكل ممتاز ونحاول الاستمرار بعملية إخلاء المدنيين من مناطق الاشتباكات بأية طريقة”،
فيما ذكر عضو مجلس محافظة نينوى، محمد الحمداني، لـ”العربي الجديد”، أن “المعارك بشكل عام اتسمت أمس الجمعة بالفتور بسبب الطقس والعدد الكبير من المدنيين داخل الأحياء السكنية”، مضيفاً أن “وتيرة المعارك تتفاوت من محور إلى آخر، لكن الأهم أنها دخلت في مرحلة استنزاف فعلية لتنظيم داعش”.
إلى ذلك، كشفت مصادر طبية عراقية من داخل الموصل عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين خلال اليومين الماضيين بسبب المعارك والقصف الجوي. وقال طبيب في مستشفى الموصل تواصلت معه “العربي الجديد”، إن 29 مدنياً قُتلوا بينهم أستاذ في جامعة الموصل، يدعى صفوان عماد، بقصف للتحالف على حي البكر شرقي المدينة، كما وصل إلى المستشفى 51 مدنياً جرحى خلال ليل الخميس وحتى ظهر الجمعة، مضيفا أن هناك ضحايا بالتأكيد تحت الأنقاض وآخرين في مناطق المعارك لا يمكن إخلاؤهم.

براء الشمري

صحيفة العربي الجديد