من الحرب إلى الاحتلال.. سلسلة انتهاكات ضد العراقيين دون إدانة

من الحرب إلى الاحتلال.. سلسلة انتهاكات ضد العراقيين دون إدانة

1-54

كنا قد نقلنا الاثنين عن رئيسة الوزراء تريزا ماي، تعهدها بتضييق الخناق على “المحامين اليساريين الناشطين في حقوق الإنسان”؛ لمنعهم من “مضايقة” الجنود البريطانيين، وكنا قد تحدثنا يوم الثلاثاء، عن قصة أحمد جبار كريم علي الذي غرق بعدما أجبره الجنود على النزول إلى النهر، وهي قضية من بين مئات القضايا التي أظهرتها التحقيقات في السلوك البريطاني في العراق، كما تأملنا أمس في غياب التحقيق الجاد في هذه المزاعم من تقرير تشيلكوت والبرلمان، واليوم نلقي نظرة على بعض أصول هذه القضية.

بعد غزو العراق في مارس عام ٢٠٠٣، والانهيار السريع للمعارضة المسلحة التي قامت بها قوات صدام حسين، قرر التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة سريعًا أن هناك حاجة إلى اعتقال آلاف العراقيين الذين يمثلون تهديدًا للقوات الأمريكية والبريطانية، وقام التحالف بإلقاء القبض على الأشخاص الذين قد يكون لديهم معلومات مفيدة وأعضاء النظام السابق وقوات العدو.

برامج استجواب منظمة

وعندما تحول الغزو إلى احتلال، توسعت أغراض السجن أو الاعتقال؛ فقد أرادت قوات التحالف الكشف عن أسلحة الدمار الشامل والبحث عن المسؤولين العراقيين الذين قد يكونوا متورطين في جرائم حزب البعث ضد الشعب العراقي، وللحصول على معلومات عن مقاومة احتلال التحالف، أو ما يسمى “المتمردون”.

وكانت قوات التحالف – التي كانت تضم قوات أمريكية وبريطانية وأسترالية وبولندية – لسجن أعداد كبيرة من الناس وإخضاع الكثيرين لبرامج تحقيق منظمة، فقد استولت القوات الأمريكية على سجن صدام الحسين ببغداد المسمى أبو غريب، واستخدمته لسجن سبعة آلاف عراقي.

وقد تم بناء معسكرات اعتقال أخرى من قبل الأمريكيين والبريطانيين في جميع أنحاء العراق، وقد كان معسكر بوكا – وهو عبارة عن مجمع ضخم من الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة وخيام الجيش – هو معتقل التحالف في جنوب العراق؛ حيث كانت تعمل القوات البريطانية.

وبالرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، إلا أن أخبارًا عن الحياة داخل هذه المعسكرات قد تم تسريبها، فقد تحدثت منظمة العفو الدولية عن حالات تعذيب على يد القوات الأمريكية في أبي غريب، على يد أفراد من القوات الأمريكية في عام ٢٠٠٣، وفي ربيع عام ٢٠٠٤، نشرت وول ستريت جورنال محتويات تقرير سري للجنة الدولية للصليب الأحمر ينتقد طرق الاعتقال والتحقيق، ويصفها “بالانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي”، وقد حمل التقرير القوات الأمريكية والبريطانية المسؤولية.

تغطية الرأس والوجه والضرب والحرمان من النوم

وقد ذكر التقرير حالة بعينها، فقد تم اعتقال بهاء موسى ومدنيين آخرين على يد الكتيبة ١ من فوج لانكشاير الملكي في ١٤ سبتمبر ٢٠٠٣، وخلال ٤٨ ساعة لقي بهاء موسى حتفه، فقد تم تغطية رأسه ووجه بأكياس الرمل هو وآخرين وأجبروا على اتخاذ أوضاع مؤلمة وحرموا من النوم والطعام والماء، كما تعرضوا للضرب بشكل متكرر، وخلال اعتداء أخير عليه من قبل القوات البريطانية التي تحتجزه، مات موسى مختنقًا نتيجة تقييد يديه خلف ظهره، بعد إجباره على النوم على بطنه وشد رأسه للخلف حتى فقد القدرة على التنفس.

وفي مارس عام ٢٠٠٤، أعلن فيل شاينر، مدير شركة بابليك انترست، أنه قد تم توكيله من قبل والد بهاء موسى، وأنه قد تقدم بطلب للمحكمة العليا لإجراء مراجعة قضائية للتحقيق في مقتل بهاء موسى، وقال إن المملكة المتحدة قد فشلت في واجبها تجاه حقوق الإنسان وإجراء تحقيق مستقل فوري في حالة القتل تحت الاعتقال هذه، كما ظهرت خمس حالات أخرى (تشمل مزاعم بقتل عراقيين؛ إما في في شوارع البصرة أو في منازلهم) في نفس الوقت فيما عرف بقضية السكيني، والتي سميت تيمنًا بالمدعي الأول حازم السكيني، الذي أرداه الجيش البريطاني قتيلاً في أغسطس ٢٠٠٣.

وخلال العامين أو الثلاثة التالية، ظهرت قصص أخرى عن انتهاكات أو عمليات قتل على يد القوات البريطانية؛ ففي يوليو عام ٢٠٠٤ اعترفت وزارة الدفاع بأن الشرطة العسكرية الملكية كانت تجري تحقيقات في مقتل ٣٧ مدنيًا عراقيًا؛ فقد قُتل أحمد علي – ١٥ عامًا – غريقًا في قناة شط العرب بعدما أجبره جنود الحرس الأيرلندي على النزول إلى المياه، وقُتل ناظم عبدالله بعدما تم إيقاف سيارة كان يستقلها من قبل وحدة المظلات، حيث تم جره خارج السيارة وضربه على رأسه وتركه ليموت على الأرض، كما وُجد سعيد شبرم غارقًا في نفس القناة، ثم تفجرت فضيحة معسكر بريدباسكت.

أدلة مصورة

أطلق اسم معسكر بريد باسكت على مجمع كبير أنشأته القوات البريطانية على أطراف مدينة البصرة، وكان مخصصًا لتخزين المؤن من أجل التوزيع محليًا، وقد كان اللصوص يستغلون عدم وجود حراسة مشددة ويتسللون من حين لآخر لسرقة ما يستطيعون؛ فقرر الضابط المسؤول تلقينهم درسًا، وفي ١٤ مايو ٢٠٠٣، أمر رجاله بإلقاء القبض على أي لص يجدونه ويجبرونه على العمل في تنظيف المعسكر، وقد تم إلقاء القبض على حوالي ٢٠ شخصًا في صباح ذلك اليوم، لكن الجنود قد قرروا معاقبتهم بطريقتهم الخاصة؛ فقاموا بتجريد بعض العراقيين من ملابسهم وأجبروهم على محاكاة الأفعال الجنسية أمامهم، وتم ربط أحدهم في الشوكة الخاصة بإحدى الرافعات الشوكية ليتم رفعه إلى الأعلى، وآخر قاموا بتغطيته بشبكة وإلقائه على الأرض وقام أحد الجنود بالقفز فوقه.

كانت هذه الانتهاكات لتُنسى أو يتم إنكارها إذا لم يقم أحد الجنود بالتقاط صور لها، وعندما حاول معالجة الصور لدى عودته إلى بريطانيا، قام المتجر بالاتصال بالشرطة، وقد أثارت صور معسكر بريد باسكت غضب الكثيرين؛ فلا أحد يستطيع إنكار قسوة المشهد، ومع ذلك فقد بدا أن الجنود مستمتعون بإهانة وانتهاك ضحاياهم، لكن مقتل بهاء موسى والانتهاكات التي حدثت لكثير من العراقيين في قاعدة باتل جروب ماين، هو ما تسبب في إزعاج أكبر؛ فقد تم نشر صورة جثة موسى المضرجة بالدماء بعد تعرضه للضرب، وكشف تقرير الوفاة عن أنه قد تعرض لثلاثة وتسعين جرحًا قبل وفاته، ثم ظهر بعدها مقطع مصور على هاتف أحد الجنود، وقد أظهر المقطع المصور جزءًا من المعاملة التي يتعرض لها المدنيون العراقيون في بداية اعتقالهم.

وقالت وزارة الدفاع على الفور، إن جميع الجرائم التي يقال إن القوات البريطانية قد ارتكبتها سوف يتم التحقيق فيها ومقاضاة المذنبين، لكن الأمر قد أوكل إلى الجيش، وقد استغرق وصول قضية معسكر بريد باسكت إلى المحكمة العسكرية عامين، حيث تمت إدانة جنديين صغيرين بتهم صغيرة نسبيًا، بالرغم من أحدهم ثبتت إدانته في ارتكاب “سلوك مشين من نوع قاسي”، وقد اتهم الجنود، خلال دفاعهم، الجيش بتحويلهم إلى كبش فداء؛ حيث قالوا إنهم قد حصلوا على أوامر غير قانونية “بمعاملة العراقيين بقسوة”، لكن الضباط قد تهربوا من المحاكمة.

وحدوا أقوالهم

وعندما تم تقديم سبعة جنود للمحاكمة أخيرًا في أواخر عام ٢٠٠٦ بتهمة سوء المعاملة المستمرة والجماعية لموسى والمعتقلين الآخرين، تم تبرئة ستة منهم من جميع التهم، وتم اتهام واحد فقد منهم، وهو العريف دونالد باين، الذي اتهم بالمعاملة اللاإنسانية، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة عام واحد والطرد من الجيش، ولم يتم إدانة أحد بالقتل؛ فقد قال معاون القاضي إن الجنود قد “وحدوا أقوالهم”، وادعوا أنهم لا يمكنهم تذكر الكثير مما حدث، ولم يتم حتى الآن إجراء أي تحقيق مستقل في الحادث.

أوبن ديموقراسي – التقرير