ترامب ومشروع الشرق الأوسط الجديد

ترامب ومشروع الشرق الأوسط الجديد

%d8%af%d9%88%d9%86%d8%a7%d9%84%d8%af-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8

يمثل مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة الممتدة من موريتانيا والمغرب غربا إلى باكستان شرقا، ومن تركيا شمالا إلى السودان والصومال وإرتريا جنوبا. العنوان البريء المعلن للمشروع هو الإصلاح السياسي في هذه الدول بالاستناد إلى تقرير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة، والذي وضعه عدد من الخبراء كأساس لتحليل أوضاع المنطقة، وكمنطلق للإصلاح السياسي فيها عبر تشجيع الديمقراطية والحكم الرشيد، وبناء مجتمع معرفي، وتوسيع الفرص الاقتصادية. لكن، تتلخص أهداف المشروع الحقيقية في ضمان أمن إسرائيل وتفوقها النوعي في الإقليم، التحكم في موقع المنطقة الاستراتيجي خاصة وأنها تتاخم روسيا والصين وتحوي طرقا رئيسة لنقل مصادر الطاقة إلى الغرب، السيطرة على ثروات المنطقة القديمة والمكتشفة حديثا، ربط المنطقة بالسياسات الاقتصادية الأمريكية، وباتفاقات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، توطيدا لعلاقات التبعية، ومحاولة لخلق السوق الشرق أوسطية، تكون اليد العليا فيها لإسرائيل، ومن خلالها تكتسب إسرائيل واقعا شرعيا وتتطبع علاقاتها مع الدول العربية.
الآلية الرئيسية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، هي دفع المنطقة تجاه ما سمي بالفوضى الخلاقة، حتى تتم إعادة تقسيمها إلى دويلات دينية ومذهبية ضعيفة ومتصارعة، بما يجعل من تنفيذ المشروع ممكنا وأمرا واقعا. ولعل انقسام السودان إلى دولتين، جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان، بدعم فعال من الولايات المتحدة الأمريكية، هو حلقة من حلقات تنفيذ هذا المشروع. كما أن واقع الحرب الأهلية الطاحن في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، يهدد بانقسامات جديدة، مثلما هو الحال في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. وأعتقد أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، بتبنيه للصيغة الدينية الإسلامية للحكم والدولة في المنطقة، إنما يسعى لإعطاء المبرر والمسوغ السياسي والفكري لقيام وبقاء الدولة الدينية اليهودية في فلسطين المحتلة.
بعد أحداث 11 أيلول /سبتمبر 2001، وتحت دعاوى الحرب على الإرهاب وتجفيف منابع الحركات الإسلامية الجهادية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الحرب ضد العراق بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، ابتدرت إدارة الرئيس بوش تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد. وفي العام 2004 بدأ الحماس الجدي لتعاون الإدارة الأمريكية مع تيار الإسلام السياسي في المنطقة لرسم خريطة «الشرق الأوسط الجديد»، واستمر الحماس تحت إدارة الرئيس أوباما. وبقراءة خطاب وتوعدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي سيتحمس بشدة لتنفيذ المشروع، لذا بدلا من الصراخ والاستسلام لحالة الدهشة حول كيف ولماذا فاز ترامب، لابد من الاستعداد لمقاومة هذا الحماس وهذا المخطط المتوقع.
في هذا السياق، شكلت انتفاضات الشعوب العربية فتحا مستحقا للقوى الجماهيرية في نضالها من أجل العيش والحرية والكرامة والعدالة، كما صدحت به شعارات الانتفاضة في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، ولكنها من جهة ثانية، أتاحت فرصة للتدخل الإمبريالي، العسكري والسياسي، لترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد. وأعتقد من المهم جدا عدم الحكم على الربيع العربي من جهة استقواء قوى الإسلام السياسي للوصول إلى الحكم برضا ودعم المركز الإمبريالي، وإنما باستقراء ما دشنته الجماهير من عصر جديد بالتشديد على مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة الوطنية الحداثية، وبالعمل على خلق أوسع جبهة لمقاومة مشروع الشرق الأوسط الجديد. ومشروع المقاومة يتطلب خطابا جديدا وآليات عمل جديدة، مستمدة من خلاصات تجاربنا، وتتنوع حسب الواقع المحلي في كل بلد، لكن جوهرها واحد وثابت يبدأ بالديمقراطية وينتهي بها، وما بين البداية والنهاية تنطلق دعواتنا لانتظام الحركات الاجتماعية ضد العولمة الرأسمالية من أجل وقف سياسات التقويم الهيكلي وتدخل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للتحكم في سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل إلغاء المديونية، ومن أجل وقف اتفاقيات التبادل الحر، ومن أجل خفض الميزانيات العسكرية وتمويل التنمية الاجتماعية.
وبلغة أخرى، من أجل الحرية والديمقراطية ذات البعد الاجتماعي المرتبطة بغذاء وكساء وصحة وتعليم المواطن. وهذا البديل الديمقراطي، ذو البعد الاجتماعي، لا يمكنه أن يتحقق إلا عبر أوسع اصطفاف سياسي واجتماعي لوضع خريطة صحيحة لمرحلة جديدة، من أهم أولوياتها قضايا العدالة الاجتماعية والإجراءات العاجلة لتحسين أوضاع الطبقات الشعبية من العمال والفلاحين والفقراء والمهمشين والعاطلين، وكذلك إبراز القضايا الوطنية لمواجهة سياسات التفريط والخضوع للإمبريالية العالمية والصهيونية ولمؤسساتهم الاقتصادية وأحلافهم العسكرية.
إن أزمة السياسة في كل بلد من بلدان المنطقة، تصطدم بمشروع الشرق الأوسط الجديد، مثلما هي تصطدم ببؤرة الصراع العربي الإسرائيلي والذي يرمي بثقله على كل تفاصيل برنامج التغيير الاجتماعي في هذه البلدان. وهي أيضا تتصادم مع أكثر من بؤرة في متغيرات الوضع الدولي والإقليمي، المواجهة بين الديمقراطية السياسية والأصولية الإسلامية في المنطقة، نزوع العالم نحو التعددية وحكم حقوق الإنسان، الاتجاهات نحو التكامل الإقليمي….الخ.
إضافة إلى التحديات الخارجية الكثيرة التي تواجهنا مثل العولمة والديون الخارجية وتدويل رأس المال وسيطرة وتنافس الاحتكارات المتعددة الجنسيات على السوق العالمي، صراعات القرن الأفريقي وفي منطقة البحيرات في أفريقيا، والمطامع الدولية في البحر الأحمر والخليج العربي والجزيرة العربية ومنابع البترول الجديدة للبترول…الخ.
وفي تقديري هذه المتغيرات والتحديات تشكل في مجموعها وتفاعلها ملامح النظام العالمي الجديد. ومن الممكن أن تساهم المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط في صياغة هذا « النظام العالمي الجديد « بعد انهيار أسس النظام القديم، وبعد أن تخطى تاريخ البشرية الكيانات ذات المحور الواحد. ولعل المدخل الوحيد هنا هو استجابة بلدان المنطقة لمتطلبات التغيير الاجتماعي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وفق رؤية شعوب هذه البلدان.

د.الشفيع خضر سعيد

صحيفة القدس العربي