جرائم ضد الإنسانية في حلب

جرائم ضد الإنسانية في حلب

سيبقى باراك أوباما الرئيس الأميركي الأكثر مهارة في الكلام والوعود على الصعيد الدولي والأقل تحركاً لمكافحة جرائم ضد الإنسانية بين سابقيه. وليست إدانة البيت الأبيض للقصف الوحشي على مدينة حلب ومستشفياتها من النظام السوري وروسيا، سوى مجرد رفع عتب من إدارة تخاذلت مع موسكو وتركتها تهيمن بوحشية، مع إيران و «حزب الله»، على سورية ولبنان والعراق.

ألا تستحق حلب الجريحة المتألمة، حيث يعيش ربع مليون شخص تحت حصار ويعانون نقص الأدوية والأطباء، وحيث عناصر الدفاع المدني عاجزون عن تغطية الجثث من قصف متواصل لنظام بشار الأسد وحاميه جيش فلاديمير بوتين، أكثر من إدانة من البيت الأبيض؟

كارثة إنسانية يرتكبها بحق شعبه رئيس ينوي البقاء على رأس بلد دمره، ويعتقد بعض القيادات الغربية أنه ينبغي إعادة فتح الحوار معه، وأحدهم رئيس حكومة فرنسي سابق هو فرانسوا فيون أحد مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الأولية للرئاسة.

إن عدم مبالاة العالم بما يرتكبه النظامان السوري والروسي في سورية مريع. سمعنا سيد البيت الأبيض في العام 2013 يهدد النظام السوري إذا تجاوز «الخط الأحمر» باستخدام الأسلحة الكيماوية، وتبين أنه خط أحمر وهمي. فماذا عن الخط الأحمر للجرائم ضد الإنسانية؟ إن مواقف أوباما كما سكوت العالم العربي عما يجري في حلب وفي سورية عموماً أمر مذرٍ لمستقبل الشعوب العربية. مصر على سبيل المثال تؤيد بقاء الأسد لأنه في اعتقاد القيادة المصرية «يتصدى للإخوان المسلمين»، في حين أن جرائمه ضد الإنسانية ستقوي نشر التشدد والتطرف الإسلامي. فروسيا تركز كل ضرباتها على حلب ومدنييها وأطفالها ومستشفياتها ومدارسها. وليس صحيحاً أن روسيا والنظام السوري يركزان على «داعش»، ففي حلب ثوار أخرجوا «داعش» منها، في حين أن روسيا والنظام والتحالف ضد «داعش» تركوا الرقة معقلاً للتنظيم ولم يتعرضوا لها رغم إعلاناتهم. إن مخاوف بعض الدول العربية التي جعلتها تسكت عن هذه الجرائم هي سوء تقدير معيب، بل عجز سياسي واضح. لم نسمع صوتاً عربياً يحاول وقف جريمة الأسد وبوتين ضد الإنسانية، فكيف نتوقع أكثر من إدانة أميركية؟

دُمّرت مدن سورية وبقيت بضعة أماكن يسيطر عليها النظام. لكن ما هو مستقبل نظام يسيطر على بعض الأماكن في البلد وهجر ملايين من شعبه وما زال بعضهم يدعي أنه الأفضل لحماية مسيحيي الشرق فيه. أي مسيحيين يريدون العيش في هذا الجو من الخراب والدمار والجرح العميق والتعصب والفوضى وانهيار المؤسسات وانقسامها إلى جماعات ومافيات تتقاسم النفوذ والأموال والتهريب؟

إن الوضع السوري مزرٍ، وهيمنة بوتين في المتوسط ستكون إرث رئاسة أوباما. فصحيح أن انتخاب دونالد ترامب مثل صدمة للعالم بسبب مواقفه المتطرفة وشخصيته الشعبوية المثيرة للقلق من مستقبل ديبلوماسيته، لكن شخصية أوباما المثقفة والراقية أساءت إلى الشرق الأوسط. وتبدو صداقة دونالد ترامب مع بوتين غير مقلقة، طالما أنه لا يمكنه أن الرئيس الأميركي المنتخب لن يعطي صديقه في الكرملين أكثر مما سلمه أوباما في سورية والمتوسط.

الخلاصة أن المأساة السورية المستمرة لن تجد حلاً، لا مع بقاء الأسد ولا مع تفاهم روسي – أميركي، لأن سكوت إدارة أوباما هو تنازل عن المصالح الأميركية في المنطقة وتفاهم على ترك روسيا تهيمن عليها. المستقبل قاتم، وستبقى سورية ومدنها الباسلة جريحة ومتألمة حتى إشعار آخر، مع الأمل بيقظة عالمية تخرج الشعب السوري من هذه الكارثة الإنسانية.

رندة تقي الدين

صحيفة الحياة اللندنية