ما الذي ستغيره رئاسة ترامب في الشرق الأوسط؟

ما الذي ستغيره رئاسة ترامب في الشرق الأوسط؟

تعد علاقات الولايات المتحدة مع أفغانستان وإيران وتركيا، بعضاً من العلاقات الأكثر تحدياً في المنطقة، ويبدو من المرجح أن يعمل انتخاب ترامب على توتيرها.
*   *   *
إسطنبول – يتردد صدى رئاسة ترامب في عموم أنحاء الشرق الأوسط، جالباً حالة من عدم يقين واحتمال حدوث تغيير حقيقي.
كان دونالد ترامب قد عرض القليل من التفاصيل عن السياسة الخارجية، باستثناء اعتناق الثورة على المعتقدات والمؤسسات التقليدية. ويدور الأمر حول “كسب” حروب أميركا وتدمير ما يدعى الدولة الإسلامية “داعش”، وتحميل الحلفاء التقليديين -مثل أولئك في الخليج والناتو- تكلفة اعتمادهم الأمني على القوة العسكرية الأميركية.
ويثير إطراء السيد ترامب على الرؤساء الأقوياء، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، أسئلة عن المدى الذي قد يتبنى معه وجهة نظرهم العالمية.
وكانت ثمانية أعوام من عهد رئاسة الرئيس باراك أوباما قد حولت العلاقات الأميركية مع تركيا وإيران وأفغانستان -وكلها دول حساسة، لكن لديها مشاكل تشكل قضايا سياسة خارجية معقدة بالنسبة للولايات المتحدة.
ولكن، هل ستسود الانعزالية أم التدخلية في السياسة الأميركية الخارجية؟ وما هي النقاط المحورية الرئيسية في السياسة الأميركية التي تستطيع ميول ترامب إحداث تحول فيها مرة أخرى؟
سؤال: هل يستطيع ترامب تصحيح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا؟
كان السيد أردوغان واحداً من أوائل القادة الذين بادروا إلى تهنئة ترامب، ودعا الرئيس الأميركي المنتخب إلى الاجتماع معه “في أقرب وقت ممكن”.
ومتحدثاً إلى قادة رجال أعمال في اسطنبول بعد ساعات وحسب من انتصار ترامب -حيث يحمل برج عالٍ اسم ترامب المكتوب بأحرف لامعة- قال أردوغان إن الانتخاب “يؤشر على بداية حقبة جديدة”، وإنه كان “علامة إيجابية”.
وكانت تركيا قد شهدت علاقاتها مع الولايات المتحدة وهي تتدهور بشكل ملحوظ خلال ولاية أوباما -بسبب اتهام البيت الأبيض لأردوغان بأنه يتحول بازدياد إلى رئيس مستبد، وبسبب الدعم الأميركي للمتشددين السوريين الأكراد في الحرب السورية، والذين تعتبرهم تركيا “إرهابيين”، وبسبب حرب تركيا الكثيفة ضد المتشددين الأكراد لديها.
يقول بهلول أوزكان، المحلل في جامعة مرمرة في اسطنبول: “ثمة منظور إيجابي ومنظور سلبي واحد من وجهة نظر أردوغان”.
ويضيف السيد أوزكان، مشيراً إلى حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان: “لن يزعج ترامب أردوغان بملفات حقوق الإنسان والصحفيين والأكاديميين المسجونين. ومن شأن ذلك أن يشكل غوثاً لحزب العدالة والتنمية. ومع ذلك، فإن وكلاء أردوغان في سورية، بمن فيهم المجموعات المسلحة المتشددة، سيواجهون موقفاً صعباً في الحصول على مساعدات أميركية”.
أحد أوجه التشابه هو اعتقاد أردوغان بأن الرجلين يتحدثان اللغة نفسها. ويقول السيد أوزكان: “إنه يفكر بالضبط مثل ذلك. كلاهما قادة من أقصى اليمين بالنسة لي. وكلاهما يحبان الإنشاءات. أردوغان مهووس أيضاً بالعقارات والمطارات والجسور”.
سؤال: ما الذي تريده تركيا من ترامب أكثر ما يكون؟
تفاقمت التوترات الأميركية-التركية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أسفرت عن عملية تطهير لنحو 110.000 تركي من الدوائر الحكومية، وإعلان حالة الطوارئ، وصعود في النزعة المعادية لأميركا.
ويقول مسؤولون إن الأولوية ستعطى لمسألة تسليم رجل الدين التركي المنفي، فتح الله غولن، الذي يعيش في بنسلفانيا والمتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية -وهو اتهام ينفيه السيد غولن.
قد يكون ذلك الحلم أقرب إلى الواقع مع ترامب، الذي أدلى أعلى مستشار عسكري لديه برأي في مقالة نشرت في “هيل في يوم الانتخابات”، واصفاً تركيا بأنها “أقوى حليف لنا ضد الدولة الإسلامية”. وكان الجنرال مايكل فلين (متقاعد)، قد دعا إلى تسليم غولن وإلى الحاجة إلى “تعديل سياستنا الخارجية بحيث تعترف بتركيا كأولوية”.
وكتب السيد فلين، وهو مدير سابق لوكالة استخبارات الدفاع، قائلاً: “بالنسبة للمحترفين في مجموعة المخابرات، فإن ختم الإرهاب موجود كله على تصريحات الملا غولن. ومن وجهة نظر تركيا، فإن واشنطن تؤوي أسامة بن لادن التركي”.
سؤال: هل سينتهج ترامب الواقعية أم المثالية فيما يتعلق بإيران؟
شهد القليل من العلاقات في ظل أوباما تغييراً بالقدر نفسه الذي شهدته العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. وبينما ما يزال المتشددون في كلا الجانبين يشنون قصفاً خطابياً رهيباً، لعب الرئيس أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني دور الريادة في التوصل إلى صفقة نووية مهمة في تموز (يوليو) 2015.
والسؤال أمام إيران اليوم: أي دونالد ترامب هو الذي سيتخذ القرارات؟ هل سيكون ذلك الثري منفتح الفكر الذي اشتكى قبل عامين من أن “لا أحد يتحدث مع إيران”، والمرشح الذي أشار بإيجابية إلى أن “إيران تقتل داعش”؟ أم أنه سيكون ذلك المرشح المتشدد الذي قال إنه يجب إعادة التفاوض على الصفقة النووية “الكارثية”، ووعد بأنه لن “يسمح” بأن يؤسر البحارة الأميركيون أو يُذلوا مرة أخرى على يد إيران؟ أو، هل سيمثل ترامب رجل الأعمال البراغماتي، الذي سيتغلب ميله إلى إبرام صفقة تلك الأيديولوجية المعادية لإيران؟
يحافظ المسؤولون في إيران على عقل مفتوح. فبعد يومين وحسب من انتصار ترامب، “تبادلت إيران الإشارات” مع الفريق المقبل، وبينوا أن الصفقة النووية “ليست الموضوع الفوري بالنسبة إليهم”، كما يقول عباس قيدراي، المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية، المؤسسة الفكرية الملحقة بالرئاسة في إيران. ويقول إنه تحدث بصفته الشخصية، لا بصفته الرسمية نيابة عن منظمته.
ويقول السيد قيداري: “ليست تشكيلة حكومة ترامب واضحة بعد. وعليه، ربما تكون نشاطات إيران أكثر حذراً إلى حين الحصول على تقييم دقيق لسياسات ترامب الخارجية والدفاعية. وبعبارات أخرى، لن تختبر إيران ترامب من خلال إجاء بعض النشاطات الاستفزازية”.
لكن انتصار ترامب غير المتوقع قد يكون أيضاً “نقطة بداية لوضع حد لآمال اللاعبين السياسيين والاقتصاديين الإيرانيين ذوي التوجهات الغربية”، كما يقول مجتبى موسوي، وهو مؤسس موقع إلكتروني إيراني محافظ.
ويقول السيد موسوي: “كانوا متأكدين تقريباً أن كلينتون ستكون الرئيس التالي، وأنهم يستطيعون التعامل معها”. ومن جهة أخرى، سوف يرفع خطاب ترامب من شأن فكرة المرشد الديني الأعلى والمحافظين في إيران بأن التعاون مع الولايات المتحدة مستحيل”.
سؤال: هل يستطيع ترامب إنهاء الحرب في أفغانستان؟
استهدف أوباما إنهاء أطول حرب تخوضها أميركا، والمستمرة منذ العام 2001. لكن استمرار العنف ضد القوات الأمنية الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة والناتو، عنى أن يوقف أوباما خفض عدد القوات، وأن يحتفظ الآن بأكثر من 8000 جندي أميركي على الأرض. وفي الأثناء، تستمر الخسائر في الحدوث، بما في ذلك أربعة أميركيين قتلوا داخل القاعدة الجوية “باغرام” في الأسبوع الماضي على يد انتحاري أفغاني.
يقول أليكسي يوسوبوف، المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريخ أبيرت في كابول: “بالكاد كانت أفغانستان تُذكر في الحملة والمناظرات الانخابية، لأنها لم تكن هناك مقاربة أخرى أكثر من عملية واسعة النطاق سياسياً وعسكرياً لوقف التدهور”.
بعد 15 عاماً من الحرب التي ابتلعت أصلاً مليارات الدولارات في تمرين ارتجالي لبناء أمة، وكلفت عشرات الآلاف من الأرواح، وتركت طالبان تصعد مرة أخرى، فإن الخطوات الأميركية المستقبلية تتطلب تعاملاً حاذقاً. وكان عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان نحو 40.000 عندما تسلم أوباما الرئاسة.
ويقول السيد يوسوبوف: “لم تجلب الزيادة ولا الخفض أي نجاح مستدام. وعليه، فإن الطريق نحو السلام في أفغانستان ما تزال تبدو طويلة ومعقدة”.
بينما تعززت صفوف طالبان منذ العام 2014، نجد أنها يحظر عليها السيطرة على بعض العواصم المناطقية بفضل المساعدة الدولية تحت القيادة الأميركية. وتعد الهجمات الجريئة في قلب العاصمة تذكرة ثابتة بتواجد طالبان.
ويقول يوسوبوف إن تحديد مواعيد معينة للانسحابات، كما سبق وأن فعلت إدارة أوباما “سيكون أمراً كارثيا”. ويضيف: “إن أفغانستان راهناً جيدة، لكن أي إطالة في الإهمال يمكن أن تفضي إلى انهيار”.

سكوت بترسون

صحيفة الغد