جدار برلين.. الرمز الأبرز لانقسام ألمانيا ووحدتها

جدار برلين.. الرمز الأبرز لانقسام ألمانيا ووحدتها

“جدار برلين” سور بنته سلطات ألمانيا الشرقية الشيوعية 1961 لفصل شطرها من مدينة برلين عن الشطر الآخر التابع لألمانيا الغربية، وظل -حتى سقوطه فجأة 1989- حاجزا بين الشطرين مجسدا أجواء الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي والرأسمالي بزعامة أميركا. كما كان رمزا لتمزيق أواصر القربى بين العائلات الألمانية، وأهدرت دماء العشرات ممن حاولوا اجتيازه.

معلومات أساسية
1- تاريخ الإنشاء: بدأ بناء جدار برلين يوم في 13 أغسطس/آب 1961.

2- مكان التشييد: مدينة برلين، وبالتحديد عند الخط الفاصل بين المنطقة التابعة للاتحاد السوفياتي (برلين الشرقية) والمنطقة الخاضعة لدول الحلفاء الغربيين (برلين الشرقية).

3- طول الجدار: يمتد الجدار على مسافة 186 كيلومترا، ويصل ارتفاعه إلى حوالي 12 مترا، وشارك في تشييده أكثر من عشرة آلاف جندي ألماني شرقي (بعض المصادر تقدر عددهم بـ40 ألف جندي وشرطي)، وجرى تحصينه وترميمه عبر السنين.

4- إجراءات الحماية: أنشئت حول الجدار منطقة عسكرية وخصص ممر للدوريات الأمنية، وسُيجت “بوابة براندبورغ” (الواقعة في برلين الشرقية) بجدار سميك طوله ثلاثة أمتار، وأقيمت نقاط للمراقبة الأمنية أشهرها “نقطة مراقبة شارلي”.

كما وُضع شرقي الجدار مسطح ترابي لإظهار آثار الهاربين من الشرق إلى الغرب، ورُكبت مجسات تقنية وأعمدة إنارة لكشفهم، وأعطيت لفرق المراقبة الحارسة أوامر بإطلاق النار على المتسلقين حتى ولو كانوا أطفالا أو نساءً.

5- ضحايا العبور: تفيد تقديرات بأن زهاء خمسة آلاف شخص نجحوا في اجتياز الجدار عبورا من شطر المدينة الشرقي إلى نظيره الغربي، وذلك من أصل 10 آلاف شخص حاولوا اجتيازه. بينما قتل 136 شخصا قرب الجدار أثناء محاولتهم العبور.

6- تاريخ السقوط: أعلنت سلطات ألمانيا الغربية فجأة فتح العبور بين شطريْ برلين للراغبين فيه مساء 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، ولكن عملية هدم الجدار لم تبدأ إلا في 13 يونيو/حزيران 1990 واستغرقت سنتين لإزالة كل التحصينات الحدودية القريبة من برلين.

لسياق والغاية
إثر نهاية الحرب العالمية الثانية على الجبهة الأوروبية في مايو/أيار 1945 بهزيمة ألمانيا بزعامة أدولف هتلر؛ بدأت تظهر التناقضات القائمة بين دول الحلفاء المنتصرة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي)، فاختلفوا بشأن مصير ألمانيا المنهزمة وقرروا تقسيمها إلى بلدين هما جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية).

كان من نتائج ذلك التقسيم أن صارت العاصمة برلين شطرين كل منهما عاصمة لإحدى الدولتين، وأصبحت برلين بؤرة الصراع بين قطبيْ الحرب الباردة (واشنطن زعيمة المعسكر الرأسمالي وموسكو قائدة المعسكر الشيوعي)، وبالتالي أضحت ميدانا للمعارك الاستخباراتية بينهما مما استوجب تبادل الحذر من تسلل الجواسيس عبر الحدود.

وخلال سنوات 1945-1961 تمكن نحو ثلاثة ملايين مواطن بألمانيا الشرقية (خاصة من العمال ذوي المهارات الفنية العالية) من الهرب إلى ألمانيا الغربية عبر نقاط التماس في برلين المقسمة، مما جعل حكومة ألمانيا الشرقية تقيد سفر مواطنيها للحد من هذه الظاهرة المتزايدة -رغم دوريات الحراسة وأنظمة الإنذار الإلكترونية- بسبب عوامل ليس أقلها الوضع المعيشي المتباين المستوى بين الدولتين.

وفي يوم 13 أغسطس/آب 1961 أصدر رئيس ألمانيا الشرقية الشيوعية فالتر أولبريشت -بتشجيع من موسكو- أمره بالبدء في تنفيذ “عملية روز” لتشييد “جدار للحماية من الفاشية والتجسس وأعمال التخريب القادمة من الغرب”، وذلك عند الخط الفاصل بين شطريْ برلين للحد من الهجرة التي كان معدلها يوميا يصل إلى ألفي شخص.

جاء قرار بناء جدار برلين بعدما غادر أكثر من 2.5 مليون شخص ألمانيا الشرقية -التي كان عدد سكانها آنذاك 19 مليون نسمة- إلى غريمتها الغربية، فأصبح الجدار حاجزا يسمح بالتحكم في انتقال سكان ألمانيا الشيوعية إلى المناطق التي تحتلها القوات الغربية الحليفة، ومنعهم من الفرار عن طريق برلين الغربية التي كانت آنذاك تمثل جيبا رأسماليا.

لكن الألمان الشرقيين واصلوا -طوال ثلاثة عقود- محاولاتهم للانتقال إلى الغرب بكل الوسائل من الاختباء في آليات إلى حفر أنفاق أسفل الجدار الذي كان يفصلهم عن عائلاتهم وأصدقائهم، فنجح الآلاف منهم في الفرار وأخفق آلاف آخرون.

وبدءا من 1 أكتوبر/تشرين الأول 1973 وُضع نظام مراقبة يتيح لفِرق مراقبة الجدار إطلاق النار مباشرة على محاولي اجتيازه مهما كانوا، وقد قـُتل 136 شخصا برصاص حرس الحدود أثناء محاولاتهم اجتياز الجدار، بل إن مؤرخين يقدرون عدد الذين قتلوا خلال هذه المحاولات بما بين ستمائة وسبعمائة شخص.

وخلال الشهور الأولى من عام 1989، شهدت ألمانيا الديمقراطية هروبا شبه جماعي (قـُدر بأكثر من 50 ألفا) إلى النمسا عبر المجر طلبا للجوء السياسي، وهو ما أطلقت عليه “نيوزويك” الأميركية في حينه “الهروب الكبير”، فكان ذلك أحد الأسباب الممهدة لانهيار جدار برلين.

وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1989 خرج عشرات الآلاف في مظاهرات بألمانيا الشرقية ضد نظامها وما لبث عدد المشاركين فيها أن ارتفع إلى مليون، مما اضطر معه المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم إلى الاستقالة.

وفي مساء 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 أعلنت برلين الشرقية فجأة سقوط جدار برلين وفتح الحدود بين الألمانيتين على مصراعيها، فباشر المئات من الألمانيين هدم أجزاء من الجدار بمعاول بدائية منتقمين من الحاجز الذي حبس حريتهم عقودا، وتدفق عشرات الآلاف خلال ساعات إلى ألمانيا الغربية عبر “بوابة براندنبورغ” الشهيرة.

وفي 13 يونيو/حزيران 1990 بدأت رسميا عملية هدم جدار برلين الذي قال عنه ذات يوم رئيس ألمانيا الشرقية السابق أريك هونيكر (حكم من 3 مايو/أيار 1971 إلى 18 أكتوبر/تشرين الأول 1989) إنه “سيبقى مائة عام”. وقد مهد هذا الحدث التاريخي الكبير لإعلان إعادة توحيد شطريْ ألمانيا يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 1990.

يُشار إلى أن أطول قطعة متبقية من “جدار برلين” (طولها 1300 متر) تحولت عام 1990 إلى معرض للرسم مفتوح أمام الجميع باسم “معرض الجانب الشرقي”. ويستأثر المعرض -الذي يضم 105 لوحات رسمها 118 فنانا تشكيليا من 21 دولة- باهتمام المواطنين الألمان والزائرين الأجانب في الاحتفالات التي تشهدها البلاد سنويا لتخليد ذكرى سقوط هذا الجدار الشهير.

الجزيرة