العراق ومبادرة”التسوية التاريخية”

العراق ومبادرة”التسوية التاريخية”

%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b3%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9

في خضم معركة الموصل ضد تنظيم داعش، وتصاعد الدعوات لاجراء مصالحة وطنية حقيقية تمنع توفير البيئة المناسبة لتكرار بروزه في البلاد، من خلال إلغاء المحاصصة الطائفية والعرقية، وإنهاء احتكار السلطة من قبل الأحزاب الشيعية، في مقابل تهميش أبناء الطائفة السنية والتدهور الشامل الذي آلت إليه أوضاع البلاد على مختلف المستويات اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا. وبهدف التخفيف من هذه المخاوف والمطالب، طرح زعيم التحالف الوطني العراقي، عمار الحكيم، مبادرة “التسوية التاريخية”، وذلك في إطار ما قال إنه سعي منه للملمة الوضع العراقي، وتحقيق المصالحة التاريخية التي يفترض أن تكون حاضرة في عراق ما بعد تنظيم داعش. وقد أعرب السيد عمار الحكيم في تصريح صحافيّ في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر عن تفاؤله في خصوص التسوية، مصرّحاً: “العلاقة بين السنّة والشيعة في العراق تقترب من مرحلة النضج، وتسير في بدايات الطريق الصحيح، وكلّ الأطراف بدأت تتخلّى عن أوهامها وتحجم مخاوفها، وهذه مرحلة متطوّرة جدّاً وسنبني عليها”.

وقد حصل مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية على نص مبادرة التسوية التاريخية التي أطلقها “التحالف الوطني” الحاكم في العراق، وقد صيغت على النحو الآتي:

مدخل التسوية

1. المبادرة تمثّل رؤية وإرادة قوى التحالف الوطني لتسوية وطنية تنتج مصالحة تاريخية عراقية.

2. الهدف من هذه المبادرة الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة وموحدة وفدرالية وديمقراطية تجمع كافة أبنائها ومكوناتها معا.

3. تلتزم قوى التحالف الوطني ببنود المبادرة بعد الاتفاق والمصادقة عليها.

4. تعتمد المبادرة على مبدأ التسوية التي تعني الالتزامات المتبادلة بين الأطراف العراقية الملتزمة بالعملية السياسية او الراغبة بالانخراط بها، وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب.

5. مسار التسوية الوطنية غير مرتبط بل هو مكمّل لمسارات المصالحات المجتمعية التي تُترجم على شكل أوامر وإجراءات وتشريعات تخدم المجتمع بكل طوائفه وقومياته، وهذا هو فعل الدولة بكل مؤسساتها التي قامت وستقوم به بغض النظر عن مسار التسوية الوطنية، فلا يعني تقديم الرؤى والشروع بالتفاوض للوصول الى تسوية وطنية ايقاف عجلة الدولة، بأن مبادرة التسوية الوطنية مسار ستراتيجي تستمر معه فاعليات ومسؤوليات ومهام وواجبات والتزامات الدولة تحققت التسوية السياسية التاريخية أم لم تتحقق.

6. مسار المبادرة إطار وطني  يشمل جميع المكونات العراقية العرقية والدينية والمجتمعية، ويمكن المضي به على مراحل ضمن إطار التسوية الوطنية الشاملة.

7. لا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي او تكفيري او عنصري وتمثيل المكونات والاطراف العراقية يجب أن يخضع للقبول بالثوابت الواردة بهذه المبادرة.

8. تتعهد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بتقديم مساعيها السياسية الحميدة بما في ذلك تحشيد الدعم لعملية المصالحة الوطنية من خلال التيسير وتقديم النصح والدعم والمساعدة في تعزيز والدفع بهذه المبادرة للامام داخلياً وإقليمياً ودولياً.

التسوية الوطنيّة

أولاً/الأسماء المقترحة للمبادرة: التسوية الوطنية – التسوية التاريخية– المبادرة الوطنية للسلم وبناء الدولة.

ثانياً/ماذا نعني بالتسوية الوطنية: التسوية التي نستهدفها تعني: تسوية سياسية ومجتمعية وطنية تاريخية ترمي لعراق متعايش خالٍ من العنف والتبعية، وتنجز السلم الأهلي وتوفر البيئة المناسبة لبناء الدولة، وتشارك فيها كافة فئات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمجتمعية بما فيها المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني وتضع جميع الأطراف العراقية أمام التزامات متبادلة وضمانات ضمن سقوف زمنية محددة تلتزم بها الأطراف.

ثالثاً/ ضرورة التسوية: التسوية الوطنية العادلة والشاملة والمقبولة صيغة إنقاذية للعراق، وأنها الخيار الستراتيجي الأفضل لمجتمعنا ودولتنا، ليس فقط إنهاء الخلاف على قضايا الدولة بل تسعى لإعادة بناء الدولة لضمان استمرارها وتقويتها في وجه تحديات الإرهاب والتقسيم واللا أمن واللا عدالة واللا محاسبة واللا استقرار واللا تنمية والجريمة المنظمة والفساد والفوضى.

رابعاً/ التسوية مع مَن؟: تسعى قوى التحالف الوطني للتفاهم مع كل القوى الفاعلة في المجتمع العراقي على تنوعه سواء كانوا داخل أطر الدولة او العملية السياسية أو خارجها بما فيها الوجودات السياسية والدينية والمجتمعية والمعارضة والجماعات المسلحة ضمن سقف الدستور (استثناء حزب البعث وداعش وكل كيان إرهابي وتكفيري وعنصري)، باتجاه اتفاق تاريخي يُعقد مع ممثلي هذه الأطراف التي تمتلك المقبولية والملتزمة بمبادىء المبادرة، ويكون حسم تمثيلها بمشورة ممثلي التحالف الوطني.

خامساً/أسس التسوية: لضمان تسوية حقيقية ممكنة وراسخة ومورد قبول الجميعٍ لابد من الاستناد الى الأسس الآتية:

1- التسوية الشاملة وليس التنازل أحادي الجانب.

2- مبدأ اللاغالب واللامغلوب.

3- تصفير الأزمات بين الأطراف العراقية.

4- رفض استخدام العنف كورقة سياسية بتحقيق التسويات السياسية.

سادساً/المبادئ كثوابت للتسوية:

1. الإيمان والالتزام قولاً وفعلاً بوحدة العراق أرضاً وشعباً والحفاظ على سيادته واستقلال قراره وهويته ونظامه الديمقراطي البرلماني الفيدرالي ورفض تقسيمه تحت أي ظرف.

2. الالتزام بالدستور كمرجعية والعمل به دونما انتقائية والاستعداد لإجراء التعديلات الدستورية على وفق الآليات التي نص عليها الدستور ذاته، والاتفاق على عقد سياسي (تحت سقف الدستور) يوضح ويحسم القضايا الخلافية والمرحّلة والتنظيمية لشؤون الدولة التي يتم الاتفاق على ملفاتها.

3. الاعتراف الرسمي والملزم لجميع الأطراف بالعملية السياسية ومخرجاتها وما يستلزم ذلك من تبعات ومسؤوليات على شتى الصعد السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والدينية، ورفض الابتزاز السياسي مهما كان نوعه. والاعتراف الملزم بنتائج الانتخابات الحرة النزيهة، والامتناع عن ممارسة الازدواجية في المواقف تجاه شرعية النظام السياسي العراقي (قدم بالحكم وقدم بالمعارضة) بما في ذلك وقف التحريض ضد شرعية النظام السياسي القائم داخليا وخارجيا. ، ورفض تجربة الحكم الدكتاتوري والإقصائي والتمييزي كنهج لإدارة الدولة في أي وقت من الأوقات، واحترام وصيانة حقوق الانسان ومجمل الحريات والحقوق السياسية والمدنية.

4. التزام العمل معاً لجميع الشركاء برفض ومحاربة الإرهاب وحماية البلد وشعبه، وعدم تغطيته سياسياً ودينياً، وضمان عدم توفير حاضنات للإرهاب والعمل على تفتيتها سياسياً ومجتمعياً لضمان عدم تكرار ولادة كيانات إرهابية جديدة. والإشادة بالدور الوطني لأبناء العراق والمرجعية الدينية والقوات الأمنية والمتطوعين من الحشد الشعبي وأبناء العشائر والبيشمركه في الدفاع عن حياض الوطن من إرهاب داعش.

5. الإدانة الصريحة والواضحة لسياسات النظام البعثي الصدامي كجرائم الإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والإعدامات والاغتيالات بحق مراجع وعلماء ورجال الدين والنخب الوطنية، وجرائم استخدام الأسلحة المحرمة دولياً وتجفيف الأهوار وعمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي وقوانين القمع والتجريم ذات الأثر الرجعي بحق الحركة الإسلامية والوطنية. وتحميل حزب البعث جميع التبعات القانونية لما جرى طيلة فترة حكمه من سياسات طائفية وعنصرية وقمعية ضد أبناء الشعب العراقي من الشيعة والكرد والسنة والتركمان وباقي أبناء الأقليات ومعالجة آثار هذه السياسات. وتتولى الأمم المتحدة مشروعا لتنشيط الذاكرة بجرائم النظام السابق والاهتمام بضحاياه.

6. ترسيخ دولة المؤسسات الوطنية واصلاحها من خلال: مؤسسات دستورية فاعلة وراسخة، واعتماد الفصل الحقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع ضمان حيويتها ومهنيتها وسيادة سلطاتها الاختصاصية، وتبني اقتصاد حر ومتعدد، وتمكين مجتمع مدني قوي وناشط، واعتماد نظام تعليم حديث متطور وإعلام حر ومسؤول وحياة ثقافية مدنية نشطة. ومراعاة الضوابط الوطنية والمهنية والنزاهة والكفاءة في اختيار قيادات البلاد المدنية والعسكرية واعتماد مبدأ الشفافية في إدارة ملفات الدولة على تنوعها.

7. رفض جميع أشكال التغيير الديمغرافي التي مارسها النظام البعثي الصدامي، ومعالجة جميع آثار التغيير الديمغرافي سابقاً ولاحقاً، والعمل على عودة النازحين والمهجرين الى ديارهم والسعي لعودة التلاحم المجتمعي المحلي لمختلف مناطق العراق، والعمل على إعادة إعمار المناطق التي تعرضت للدمار بفعل الإرهاب الداعشي والحرب عليها.

8. الالتزام الفعلي بضرورة التوزيع العادل للثروات على أساس النسب السكانية للمحافظات. والالتزام بأنَّ النفط والغاز ملك لجميع العراقيين مع مراعاة المحافظات المنتجة وإنصاف المحافظات التي حرمت باجحاف طوال فترة النظام السابق.، واعتبار المياه والأنهر والبحيرات والسدود والآثار والمواقع الآثارية ثروة وطنية لجميع العراقيين ويمنع أي تصرف يضر بمصلحة الشعب العراقي داخلياً وخارجياً.

9. الالتزام بقيم التعايش والتسامح والتآخي وقبول الآخر والانتماء الوطني ونبذ العنف واللا تسامح والتآمر والعدوان في حل المشكلات المجتمعية والسياسية واعتماد الحوار والآليات الديمقراطية والقانونية لإدارة الخلاف وتحقيق المصالح بعيداً عن الاحتكام الى السلاح.

10.إدانة ورفض نهج التكفير والتخوين بحق أي من مكونات المجتمع العراقي. وتجريم أشكال التحريض الطائفي والتمييز العنصري والتطهير العرقي، وتجريم ومحاربة الارهاب والعنف والفساد الذي يستهدف العراقيين ومؤسسات الدولة وعدم إضفاء الشرعية أو المشروعية من قبل جميع الأطراف على تلك الأعمال وترسيخ ذلك تشريعياً.

11. سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح بوجود كيانات مسلحة أو ميليشيات خارج إطار الدولة، ومواجهة الخارجين على القانون دونما تمييز، ومحاسبة المتهاونين والمقصرين بمن في ذلك منتسبو القوات الأمنية وفقاً للقانون، وإقرار قانون خدمة العلم، وضمان قيام مجتمع مسالم يسوده القانون ويقوم على أساس من العدل والتكافؤ والمساواة واحترام الخصوصيات الدينية والمذهبية والثقافية لجميع مواطني الدولة.

12. العمل الجاد لتحرير الدولة وكل مؤسساتها من نظام المحاصصة العرقية الطائفية التمييزية إلى نظام الاستحقاق السياسي لضمان قيام دولة المواطنة ولتعزيز سيادة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص والتزام المشاركة والمساءلة اشتراطات جوهرية لاحترام ورسوخ مؤسسة الدولة.

13. العمل على توزيع الصلاحيات وتطبيق اللامركزية التي من شأنها ان تنظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات على وفق النظام الفيدرالي بما يحفظ وحدة العراق ورفض تقسيمه.

14. تعزيز وتيسير الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحكم الرشيد والشفافية مع إيلاء اهتمام خاص لمحاربة الفساد (بما في ذلك المحسوبية السياسية والمحاصصة والمحاباة) والعمل على بناء وتقوية مؤسسات الدولة والحكم على المستويين المركزي والمحلي.

15. اللجوء الى الوسائل السلمية والقانونية للتعبير عن الرأي والتداول السلمي للسلطة والمطالبة بالحقوق المشروعة لجميع أفراد ومكونات الدولة وإدانة ومحاربة أي شكل من أشكال التعبير المسلح والعنفي عن المطالب.

16. صيانة الدم العراقي بغضّ النظر عن دينه وطائفته وقوميته وإثنيته. والالتزام العلني والفعلي باحترام المعتقدات الدينية والمذهبية لجميع العراقيين، وعدم المساس بالمرجعية الدينية والرموز الدينية الأخرى، وحماية العتبات المقدسة وجميع دور العبادة وعموم شعائر العراقيين. والالتزام بإعادة صياغة المناهج التربوية والتعليمية بما يضمن إزالة مناهج التكفير والإقصاء والكراهية بحق الإنسان مطلق الإنسان، والتزام العملية التعليمية بتعرّف العراقيين على رموزهم ومعتقداتهم وتراثهم الديني والثقافي والتاريخي كجزء من خصوصيتهم دونما إلغاء أو وصاية أو تحيّز أو عدوانية أو مصادرة للآخر بما لا يضر بوحدة التعليم الوطني وبما يرسّخ التآخي والتعايش وقبول الآخر وإشاعة القيم المدنية.

17. التزام جميع الأطراف العراقية بالدفاع عن مصالح العراق العليا ووحدته وسيادته إزاء التدخلات الخارجية. وتلتزم الأطراف بإبعاد العراق عن ساحات الصراع الإقليمي والدولي وعدم تدويل ملفاته، وأن تُحدد علاقاته ومصالحه مع دول الجوار والعالم في ضوء تبنيها ودعمها لمشروع التسوية الوطنية .

سابعاً/خطة التسوية:

1- الانتهاء من إعداد أوراق المبادرات لجميع مكونات الدولة التي تمثل رؤيتهم للتسوية السياسية بمساعدة اليونامي وبما يتوافق مع مبادئ هذه المبادرة.

2-تساعد بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق على تحديد وحسم التمثيل الرسمي لممثلي جميع المكونات والاطراف العراقية بما يرضي كافة الاطراف، وتتعامل الامم المتحدة مع الجهات المعرقلة لهذه التسوية على وفق السياقات المعمول بها أمميا.

3-تقوم بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق بمشورة الحكومة العراقية وممثلي التحالف الوطني وباقي الاطراف العراقية بتقديم ستراتيجية تفصيلية للتسوية الوطنية التاريخية في ضوء المبادرات التي تقدّمت بها الأطراف العراقية، بما فيها إعداد خطة تفاوضية ذات سقوف زمنية محددة للدخول بمشغل تفاوضي تفصيلي لجميع المبادرات باشراف الأمم المتحدة.

4-تحدد الخطة المجالات التي سيتم اتخاذها لبناء الثقة بين الاطراف العراقية التي ستشتمل على القضايا الآتية: الضمانات والنازحين والمعتقلين والتشريعات والعدالة الانتقالية والجرائم التاريخية ومشروع/مركز التوثيق وسيادة القانون والتعديلات الدستورية وشكل وهوية الدولة والامن والسلاح وإصلاح القطاع الامني والإعلام والاتصالات بالاضافة الى اي قضية تتفق عليها الاطراف العراقية.

5-تطرح بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق الصيغة النهائية للتسوية الوطنية وتكون ملزمة لجميع الأطراف العراقية ويتم إقرارها في مجلس النواب والحكومة بعد مباركة المرجعيات الدينية ودعم وضمان المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وستعمل بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق على تحشيد الدعم اللازم من الدول الاقليمية المجاورة لإنجاح خطة التسوية الوطنية المتفق عليها.

6- تتعهد الأمم المتحدة بدعم الحكومة والاطراف العراقية المنخرطة في التسوية الوطنية لتنفيذ هذه التسوية وتمارس كافة صلاحياتها لتعزيز وحماية التسوية تجاه أي طرف يفشلها أو يعرقلها أو يهدد تنفيذ بنودها بما في ذلك الأطراف العراقية ودول الجوار الإقليمي.

وترجع خلفيّة الوثيقة إلى بداية تشكيل حكومة حيدر العبادي في آب/أغسطس عام 2014م، التي جاءت وفق اتّفاق بين القوى السياسيّة الشيعيّة والسنيّة والكرديّة، التزم من خلالها العبادي بالمضي في مشروع المصالحة الوطنيّة ضمن حكومة توافقيّة تنتهج مبدأ الفيدراليّة وتوزيع الصلاحيّات والثروات في شكل عادل بين كلّ مكوّنات البلد. وقد أظهر العبادي بالفعل أنّه على خلاف سلفه نوري المالكي، ملتزم بتعهّداته تجاه الشركاء في السلطة، وقد أنجز العبادي أجزاء مهمّة من مشروع المصالحة، منها قانون العفو العام الذي صوّت عليه البرلمان أخيراً في 25 آب/أغسطس. وأيضاً، أنجزت الحكومة مشروع “قانون الهيئة العامّة لمراقبة تخصيص الإيرادات الاتّحاديّة” المتكفّل بالتوزيع العادل للثروات بين مختلف محافظات العراق وإقليم كردستان، وقد تمّ التصويت على القانون في 7 تشرين الثاني/نوفمبر. كما أنّ العبادي نجح نسبيّاً في كبح لجام الميليشيات الشيعيّة المنطوية تحت مظلّة مؤسّسة الحشد الشعبيّ التي أصبحت قانونيّاً جزءاً من الدولة العراقيّة، تحت إمرة رئيس الوزراء. وقد تمكّن العبادي من حلحلة معظم الخلافات مع إقليم كردستان أخيراً بعد زيارة تاريخيّة قام بها رئيس الإقليم مسعود البارزاني إلى بغداد في 29 أيلول/سبتمبر. هذا إضافة إلى نجاحه في لمّ شمل كلّ القوّات العسكريّة العراقيّة من الجيش والبيشمركة والميليشيات والعشائر السنيّة، وغيرها في محاربة “داعش”، خصوصاً في عمليّات تحرير الموصل المستمرّة حاليّاً.

اعتبرت لجنة المصالحة الوطنية في مجلس الوزراء أن “التسوية الوطنية” التي طرحت مؤخرا “تختلف” عن المبادرات السياسية السابقة بأربع ركائز، مشيرا إلى وجود خطة تنفيذية من خمس مراحل لتنفيذ “التسوية”، فيما أكد أنها تتضمن بعدا أمميا بواسطة الشراكة مع الأمم المتحدة. وقال مستشار اللجنة حسين درويش العادلي في لقاء متلفز ، إن “التسوية الوطنية ستكون تاريخية إذا تم توقيعها لأنها تختلف عن كل المبادرات السابقة”، لافتا إلى أن “تلك المبادرات لا يمكن اعتبارها حقيقية لأنها كانت مجرد إطار”. وأضاف العادلي أن “هذه التسوية مختلفة عن سابقاتها بأربع ركائز هي احتواؤها على مبادئ وأسس، وعنصر الضمانات، وخطة تنفيذية من خمس مراحل لتنفيذ التسوية، فضلا عن وجود شراكة تامة مع بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) من أجل إدخالها في البعد الأممي”.

 ومن وجهة نظر بعض المحللون السياسيون تهدف التسوية  إلى تحقيق نصر سياسي عراقي يمثل خارطة طريق لجميع مكونات البلد، وستطرح تلك التسوية بعد انتهاء معركة الموصل واستعادتها بالكامل، وقد شُكلت لجنة لكتابة تلك الوثيقة، وبرعاية أممية، وكذلك بإشراف الدول الإقليمية والأوربية”. وأن الساحة السياسية العراقية اليوم مهيأة لطرح هكذا تسوية ومبادرة، لأن الجميع يبحث في مرحلة ما بعد داعش، وهي مرحلة مهمة، فضلاً عن أن الملفات الشائكة في المنطقة عموماً ذاهبة إلى التسوية، بما في ذلك الملف العراقي”، مستدركين بالقول: نأمل من تلك الوثيقة أن تعيد بناء مؤسسات الدولة العراقية، لأن استقرار البلدان باستقرار مؤسساتها.

 وأصدر رئيس ائتلاف دولة القانون رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي، من جهته، بيانا شديد اللهجة، قال فيه إن “التسوية التاريخية التي تقدم بها التحالف الوطني تضمنت مبادئ وضوابط حددت المستهدفين من التسوية والمستثنين منها، فلا تسوية مع من تسبب في أزمة الاعتصامات وجاء بالإرهاب، ولا تسوية مع من يرفضهم مكونهم (السني)”.وخلص إلى القول “لا نريد باسم التسوية إعادة إنتاج الإرهاب ومشاريع التقسيم”. ويمكن فهم اتهام المالكي للاعتصامات السلمية التي جرت في فترة حكمه في مدن سنية بأنها كانت وراء استقدام التنظيمات الإرهابية، وأن تلك التنظيمات قد نالت الحظوة في تلك المدن لأسباب طائفية. وبدا واضحا أن المالكي يحاول استغلال الموجة المتصاعدة ضد الحكيم، وتقديم نفسه بوصفه محافظا في إطار التوجهات السياسية الشيعية، والإبقاء على المحاصصة الطائفية في النظام السياسي العراقي. والغريب هنا أن من يعارض هذه المبادرة شخص نوري المالكي الذي أدخل العراق خلال مدة حكمه “2006م-2014م” في نفق الخراب المظلم نتيجة سياساته الطائفية ضد المواطنين العراقيين من أبناء الطائفة السُنية.

وبدوره، حذر اياد علاوي، يوم السبت في مؤتمر صحافي، من «ان عدم تحقيق مصالحة حقيقية في البلد عقب الانتهاء من تحرير الموصل قد يوفر الاجواء لاعادة ظهور تنظيم «القاعدة « في العراق، لوجود البيئة الحاضنة التي تشكو من حالة الاقصاء والتهميش». واكد علاوي في،ان الموصل هي فرصة تاريخية للعراق في مرحلة ما بعد تحرير الموصل من تنظيم «الدولة»، وان العراق على مفترق طرق، فاما تكون يخرج من هذه القوقعة ويبني مصالحة حقيقية بين المكونات تنقذ الاوضاع من الانهيار الشامل، واما ينتهي».

وأكدت عضو مجلس النواب العراقي عن الموصل نورة البجاري، «أن مرحلة ما بعد انهيار التنظيم في الموصل تمثّل الاختبار الواقعي لقيادات العراق السياسية بمختلف انتماءاتها ولصناع القرار لبناء الدولة أو لترسيخ اللاّدولة». ودعت في بيان، إلى اعتماد سياسة وطنية تجمع العراقيين ولا تفرّق شملهم بعناوين ثانوية كالطائفة والمذهب او القومية، مطالبة أن تكون معركة تحرير الموصل من التنظيم، نقطة بدء التعافي في إعادة بناء هيكل الدولة وسلطتها، وإلا فستزداد أعداد الناقمين على تراجع الأوضاع وسوء إدارة البلاد وحكم الأحزاب المتنافرة». وتابعت أن “إنهاء ملف التنظيم فرصة ذهبية للأطراف العراقية المختلفة لإعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي على أسس سياسية ودستورية جديدة، إذ لا يمكن تجاوز أخطاء المرحلة السابقة بالاعتماد على السياسة الحالية وآلياتها ومنهجيتها في إعادة التوازن للدولة وتوطيد الأواصر الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي.

ولكن هذا كلّه لا يعني أنّ الطريق ممهّد لإنجاز المصالحة الوطنيّة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار تجربة ما بعد عام 2003 التي تضمّنت تجارب فاشلة عدّة في تحقيق المصالحة الوطنيّة، ممّا أدّى إلى الإحباطات الأخيرة من ظهور “داعش” وغيرها. وهذا ما يؤكّده الأستاذ الأقدم في دراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديز الأميركيّة البروفسور كنعان مكية، وهو من المساهمين الرئيسيّين في تحشيد التحالف العسكريّ الذي أسقط حكم البعث في عام 2003 برئاسة الولايات المتّحدة الأميركيّة. يقول كنعان  إنّه على الرغم من أنّ وجود هذا المشروع وإعطاء دور إلى الأمم المتّحدة يعدّان أمرين إيجابيّين، ولكنّ الأهمّ من كلّ هذا هو ما يحصل على أرض الواقع، فتفاهمات المصالحة الوطنيّة التي صدعت بها رؤوس العراقيّين منذ عام 2003 إلى حدّ الآن، لم تفسّر على أرض الواقع بخطوات عمليّة حقيقيّة.

 يعد الحديث عن المصالحة هو حديث عن الحياة، وعن السعي إلى الحفاظ على القيم والمبادئ. ونحن جميعاً مع هذه المعاني النبيلة. وعليه، لا يمكن لعاقل أن يقف ضد المصالحة الوطنية، أو التسوية التاريخية المصالحة هي خطوة في الاتجاه الصحيح. وعليه، ينبغي أن يُحرم منها كل من تورط في دم العراقيين؛ سواء من الذين هم داخل العملية السياسية أم خارجها، وكذلك يُستثنى منها زُعماء القتل والإرهاب وسراق المال العام. أما أن يُبرئ منْ هم داخل العملية السياسية أنفسهم فهذا تزييف وتزوير للواقع، لأن بعضهم متهم بدعم المليشيات، وبعضهم الآخر متهم بجرائم قتل وابتزاز، وغيرها. وعليه، أظن أن القضية ليست بالسهولة التي يتصورها من يملكون زمام الحكم في العراق اليوم. ولهذا، عليهم أن لا يجلسوا على التل، وأن تكون طروحاتهم منطقية وواقعية. المصالحة خطوة ضرورية ينبغي أن تُبنى على أرضية صلبة وليست هشة. فهل هذه الأرضية الصلبة حاضرة وجاهزة على أرض العراق التي تتقاذفها الحروب والمليشيات والجماعات الإرهابية؟

 يمر العراق حاليا بمرحلة مصيرية ومعركته مع داعش والفساد السياسي والاقتصادي والاقصاء الطائفي والقومي معركة وجود، وأن حالة التشظي والتفكك التي يعيشها سيدفع ثمنها أبناءه جميعاً، فلا بد للشعب العراقي من تسوية تاريخية ومشروع سياسي يؤسسا لعقد اجتماعي جديد جامع ومطمئن للعراقيين جميعاً وبدون استثناء وتعميق التعايش بين المكونات العراقية، فمن غير المعقول هذا العراق الذي يزخر بالموارد البشرية والطبيعية والذي قامت على أرضه العديد من الحضارات الإنسانية أن ينتهي أمره بالانقسام على أساس طائفي وقومي أو أن يستمر على هيئة دولة فاشلة.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية