البارزاني منحنيا أمام الأزمة العاصفة بكردستان العراق: اختاروا رئيسا غيري

البارزاني منحنيا أمام الأزمة العاصفة بكردستان العراق: اختاروا رئيسا غيري

فاجأ رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، الرأي العام في الإقليم بدعوته الأحزاب السياسية إلى الاتفاق على اختيار رئيس جديد يتولى تأمين مرحلة انتقالية قبل إجراء الانتخابات، وهو الأمر الذي فُسّر باعتباره استعدادا من الزعيم الكردي للتنازل عن المنصب الذي لطالما أصر على الاحتفاظ به رغم قول معارضيه إنّ فترته الرئاسية في حكم المنتهية دستوريا منذ أغسطس 2015.

غير أن شخصيات وقوى سياسية تعاملت مع هذه الدعوة بحذر شديد مستبعدة تنازل “آل البارزاني” عن منصب يعتبرونه حقّا مشروعا لهم باعتبارهم “حملة لواء” القضية الكردية على مدى عشريات من الزمن.

وقال البعض إنّ أقصى ما يمكن أن يقدم عليه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني هو إيجاد ترتيبات لفوز أحد أفراد عائلته الممسكين بالمناصب المفصلية في حكومة الإقليم بمنصب الرئيس.

وتكمن المفارقة في أنّ “مبادرة البارزاني” تأتي في أوج صعود نجمه كداعية لاستقلال كردستان وانفصاله عن الدولة العراقية، مستغلاّ الدور الحيوي لقوات الإقليم في التصدي لتمدّد تنظيم داعش، ولاحقا في عملية استعادة المناطق العراقية من سيطرته، بما في ذلك الحملة الكبيرة الجارية حاليا في محافظة نينوى.

غير أنّ التماسك والقوّة اللذين أبداهما كردستان العراق على المستوى العسكري والأمني، لم يقابلا بذات التماسك والقوّة في المجال السياسي والاقتصادي، حيث يعيش الإقليم حالة من الاحتقان الاجتماعي تهدّد باندلاع ثورة شعبية على الأوضاع المعيشية الصعبة وعلى تأخّر دفع الرواتب بفعل الأزمة المالية الخانقة والناجمة عن تراجع أسعار النفط وعدم إيفاء حكومة بغداد بالتزاماتها المالية تجاه حكومة أربيل.

وسياسيا يعيش الإقليم حالة من الشلل المؤسسي الناجم عن خلافات الأحزاب الشريكة في الحكم وتعطيل البرلمان وعدم مزاولة عدد من وزراء الحكومة لمهامهم.

وبرزت القسمة السياسية بشكل حادّ بين أربيل معقل الحزب الديمقراطي بقيادة البارزاني، والسليمانية المعقل التاريخي للاتحاد الوطني بقيادة ورثة جلال الطالباني، وحديثا معقل حركة التغيير الصاعدة كقوة سياسية وازنة وصلبة في مواجهة حزب البارزاني.

وتجلّى عمقُ الشرخ بين هذين القطبين في إثارة قوباد الطالباني نائب رئيس وزراء إقليم كردستان لإمكانية “اللجوء إلى نظام لامركزي في الإقليم إذا لم ترد السليمانية التعايش مع أربيل”، وذلك في معرض دعوة أطلقها لحلّ المشاكل الداخلية لكردستان العراق قبل حلّ مشاكل الأخير مع حكومة بغداد.

وتعني إثارة هذه الإمكانية في الوقت الراهن أن مسعود البارزاني يواجه انقسام “إقليمه” داخليا وعدم قدرته على ضمان وحدته في ذات الوقت الذي يدعو فيه إلى فصله عن العراق.

ولا تخلو مشاكل كردستان الداخلية من أبعاد إقليمية، وتحديدا من آثار الصراع الدائر على أشدّه بين إيران من جهة وتركيا من جهة مقابلة.

وأبدى البارزاني خلال الفترة الماضية تقاربا شديدا مع تركيا وتباعدا مع كبار قادة الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد وخصوصا رئيس الوزراء السابق زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، فيما أبدى ورثة جلال الطالباني توافقا كبيرا مع هؤلاء القادة وبالنتيجة مع إيران، التي لا يستبعد أن تكون قد استخدمتهم في الضغط على زعيم الحزب الديمقراطي الذي اتهمته مؤخّرا بالانحياز إلى خصومها الإقليميين وبالتواطؤ في تهديد أمنها.

ويبدو أنّ مسعود البارزاني اختار الانحناء أمام عاصفة المشاكل التي تكاد تزعزع الوضع الداخلي في الإقليم عبر إطلاقه مبادرة سياسية تتضمّن الكثير من المرونة والتنازل.

وطالب البارزاني بتعيين شخص لرئاسة إقليم كردستان إلى حين موعد الانتخابات القادمة.

وقال في بيان “أنا كأي مواطن كردستاني، أتمنى أن تحل جميع الأزمات والمشاكل بصفة نهائية، ولكن المشاكل الحالية كثيرة، بعضها متصل بالوضع السياسي والاقتصادي والأمني في العراق والمنطقة بشكل عام مثل هجمات داعش، وانخفاض أسعار النفط وقطع رواتب موظفي الإقليم واستضافة مئات الآلاف من النازحين، وبعض المشاكل الأخرى هي داخلية وسببها الصراعات السياسية في إقليم كردستان”.

وأشار في ذات البيان “إذا كان حل المشاكل السياسية الداخلية في إقليم كردستان عندي، كم مرة قمت بدعوة الأحزاب السياسية إلى الاجتماع، إلا أن قادتها لم يحضروا تحت أعذار متنوعة، وطالبت أيضا بأن تجتمع الأحزاب مع بعضها البعض لحل هذه الأزمات، إلا أنهم لم يجتمعوا أيضا”.

ولفت إلى “أن حل هذه الأزمات يكمن في الحوار بين الأحزاب، وأن يتم انتخاب رئيس جديد للبرلمان كي يعود لمزاولة أعماله ثانية، وأن تتفق الأحزاب كافة على تشكيل حكومة جديدة”.

وقال مخاطبا قادة تلك الأحزاب “عينوا شخصا لرئاسة إقليم كردستان إلى حين موعد الانتخابات القادمة”. واختلفت ردود الفرقاء السياسيين الأكراد على مبادرة البارزاني بين من تلقاها بترحاب بالغ، ومن تعامل معها بحذر.

واعتبر عضو الحزب الديمقراطي القيادي في التحالف الكردستاني بالبرلمان العراقي، محمود عثمان، أن رئيس الإقليم جادّ في التخلي عن السلطة معتبرا أنّه أفسح المجال لتقديم أسماء بديلة عنه.

وقال عثمان في تصريح صحافي إن رسالة البارزاني دعت الأحزاب إلى الاجتماع في ما بينها لبحث تعيين رئيس للإقليم، داعيا لعقد الكتل الكردية لاجتماعات لتقرير ما هو مناسب للإقليم.

أما النائب عن كتلة التغيير مسعود حيدر فاعتبر، الاثنين، أن بيان رئيس إقليم كردستان حمل الكثير من الإيجابيات التي يجب تطبيقها فعليا على أرض الواقع.

صحيفة العرب اللندنية