يستطيع ترامب أن يجعل سياسة إيران الأميركية عظيمة مرة أخرى

يستطيع ترامب أن يجعل سياسة إيران الأميركية عظيمة مرة أخرى

خلال حملته الانتخابية من أجل الرئاسة الأميركية، رفض ترامب في كثير من الأحيان خطة العمل الشاملة المشتركة -الاتفاق النووي الموقع مع إيران. وفي حين كان نقده لها غامضاً، فإنه كان منطقياً أيضاً. فقد أقرت الخطة بالكثير من قدرات التخصيب المتبقية لإيران، وكانت شروطها المتعلقة بنهاية فترة السنوات العشر قصيرة جداً، كما عرضت تخفيفاً كان سخياً جداً للعقوبات. وفوق كل ذلك، انغمس البيت الأبيض في برامجه الخاص للمقايضات، مقايضاً الرهائن بالنقود.
من الصعب رؤية كيف يمكن أن تتعايش سياسة حكيمة تجاه إيران مع خطة العمل الشاملة المشتركة كما هي عليه اليوم. وتحتاج السياسة الأميركية الفعلية تجاه إيران إلى أن تتجاوز مسألة السيطرة على الأسلحة إلى التأكيد على طرق للضغط على النظام الديني في البلد ودحر طموحاته في الشرق الأوسط. وتمتلك إدارة ترامب المستقبلية الآن الفرصة لتطوير مثل هذه السياسة الإيرانية الشاملة.
لأن خطة العمل الشاملة المشتركة ليست معاهدة صادق عليها مجلس الشيوخ، فإنها ليست ملزمة لأي إدارة. ومن المهم ملاحظة أن مجلس النواب رفض الاتفاق بينما سجل 56 من أعضاء مجلس الشيوخ رقما قياسياً بمعارضتهم له. وبذلك تستطيع إدارة ترامب أن تعتبر خطة العمل الشاملة المشتركة لاغية وباطلة بمجرد إعلان أنها كذلك. لكن إلغاء الاتفاق النووي سوف ينطوي أيضاً على ضرورة الاستعداد للتفاوض على اتفاق أكثر قوة.
لذلك، سوف تكون الإدارة الجديدة حكيمة إذا عبرت أولاً عن مبادئها الخاصة للحد من التسلح. وكان فريق أوباما قد تخلى خلال سعيه إلى إبرام الاتفاق المعيب، عن الكثير من معاييره الخاصة، وقد حان الوقت لاستعادة المبادئ الجديرة كأسس لأي اتفاق جديد. ويعني ذلك أنه يجب تعريف نطاق برنامج إيران النووي حسب الاحتياجات الوطنية. وبالنظر إلى أن إيراناً غنية بالنفط لن تحتاج فعلاً إلى الطاقة النووية، فإن هذا سيعني في أحسن الأحوال برنامجاً متواضعاً أو رمزياً. كما تجاوزت إدارة أوباما بشكل أساسي أيضاً عن مخالفات إيران النووية السابقة. ويجب الآن حل هذه المسألة بشكل قاطع، ويجب توقّع أن تكشف إيران عن مشترياتها السابقة غير المعلنة وعملها على أجهزة التفجير. وبما أن الوسيلة الوحيدة المعقولة لضمان الامتثال لأي اتفاق للحد من التسلح هي منح المفتشين وصولاً غير مقيد إلى جميع المواقع والعلماء، فإن نظام التفتيش الخاص بإيران يجب أن يكون قائماً على مبدأ “أي مكان، في أي وقت”، بدلاً من الوصول الذي توفره خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي يعتمد على التعاون الإيراني. وأخيراً، يجب أن تكون الصواريخ البالستية التي تشكل عنصراً مهماً من أي برنامج للأسلحة النووية جزءاً من أي اتفاق.
هذه المبادئ، كما ذُكرت آنفاً، ليست جديدة. وكانت هي سياسة إدارة أوباما في الفترة الرئاسية الأولى والموقف الرسمي لما يدعى مجموعة 5+1 التي تابعت المفاوضات مع إيران. وبذلك، فإن على فريق ترامب أن يطلب من شركائه الدوليين تبني الأفكار الحكيمة التي كانوا قد أقروها بأنفسهم ذات مرة -والتي تخلى عنها أوباما الفترة الرئاسية الثانية، الذي كان حريصاً على تأمين اتفاق وعلى تسجيل شيء لإرثه.
مع ذلك، سوف تتطلب مراجعة خطة العمل الشاملة المشتركة مع اتفاقيات المتابعة إدارةَ تحالف ماهرة بشكل كبير. وربما يستفيد ترامب من حقيقة أن الدول الأوروبية ستكون حريصة على بداية إيجابية مع الإدارة الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفائدة الوحيدة الممكنة من قيام علاقات أكثر دفئاً بين واشنطن وموسكو، والتي يريد ترامب أن يحققها، يمكن أن تكون قيام روسيا بلعب دور أكثر إيجابية في مثل هذه المفاوضات.
كما ستستفيد دبلوماسية الرئيس المنتخب ترامب أيضاً من تهديد موثوق باستخدام القوة ضد إيران. فبالنظر إلى تنازلات أوباما والاحترام الذي قدمه للملالي، لم يأخذ أحد في طهران على محمل الجد زعمه بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة. وكانت الإدارة متلهفة للتوصل إلى اتفاق، وكانت تتجنب اتخاذ أي تدابير قسرية، بحيث كان حُكام إيران يعرفون أنهم حصينون من أي عواقب عسكرية. فهل يستطيعون الاحتفاظ بالرهان نفسه على إدارة ترامب؟ ربما يكون تركيز الرئيس المنتخب على تجديد القوة الأميركية وسلوكه غير المتوقع في كثير من الأحيان قد أقلق فعلاً رجال الدين الحاكمين في إيران.
إن السجل التاريخي واضح بخصوص الآثار المحتملة. ففي العام 2003، قامت إيران بتعليق كافة نشاطاتها النووية لأنها خشيت من احتمال أن تقوم إدارة بوش المنتشية من غزو الصدمة والرعب في العراق باستهداف إيران تالياً. والملالي حساسون للقوة، وليس للتملق، ويرجح أن يفكروا مرتين قبل اختيار المواجهة مع إدارة أميركية صقرية.
سوف يكون ترامب ومستشاروه حكيمين إذا لم يقصُروا أنفسهم على معاهدات الأسلحة، وإنما ركزوا أيضاً على إيجاد طرق للضغط على إيران في الوطن وفي الشرق الأوسط. وبالتوازي مع المفاوضات النووية المتجددة، يجب أن يتعاون البيت الأبيض الجمهوري والكونغرس على فرض نظام عقوبات صارم، والذي يقوم مرة أخرى بعزل إيران عن الاقتصاد العالمي. وقد أثبتت التجربة السابقة قوة الولايات المتحدة في استبعاد إيران من الأسواق المالية الدولية والشبكة المصرفية العالمية. وإذا أصبحت إيران غير قادرة مرة أخرى على تمويل تجارتها وبيع نفطها بفعالية، فإنها ستكون محرومة من الأموال اللازمة للإنفاق على حاجاتها المحلية ومغامراتها الإمبريالية، على حد سواء.
كما يجب على الولايات المتحدة أن لا تتوانى عن دعم حركات المعارضة والضغط من أجل إحداث تغيير ديمقراطي في إيران. وقد استخدمت إيران منذ انتفاضات صيف العام 2009 القمع والوعود باقتصاد أفضل لتهدئة السكان الغاضبين والمحرومين. وتشبه إيران كثيراً الاتحاد السوفياتي في السبعينيات: دولة بيروقراطية متضخمة تبرر قوتها بأيديولوجية لا تقنع أحداً. ويستدعي النظام نفسه عدم الاستقرار؛ حيث يعكس الفساد، والمؤامرات الداخلية، وعمليات التطهير المستمرة، حكومة لا تستطيع الحفاظ على استدامة كوادرها الخاصة أو استمالة مواطنيها. وربما تكون أجهزة إيران الأمنية المثقلة بالأعباء قادرة على التعامل مع احتجاجات متقطعة، لكنها لا تستطيع أن توقف موجة مستمرة من الاحتجاجات.
إن مهمة الولايات المتحدة هي إضعاف اقتصاد إيران بشكل مستمر، وعزلها عالمياً، وشق طرق للوصول إلى قوى المعارضة الوليدة فيها. وكلما ضعف النظام الإيراني أكثر، تحسنت فرص قوى المعارضة في البلد. وبالنظر إلى قوة خطابها، فإن على إدارة ترامب الجديدة أن تخصص جهداً كبيراً لنزع الشرعية عن الجمهورية الإسلامية عن طريق تسليط الضوء على قمعها وفساد نخبتها، والأموال الهائلة التي تنفقها على دعم الحكام المستبدين مثل الأسد، والمنظمات المتطرفة مثل حزب الله. لا يريد الجمهور الإيراني بالتأكيد موت جنوده في سورية، ولا أن يرى نقوده وهي تُنفق على المتطرفين العرب. وبالضغط بلا هوادة على إيران على الجبهات كافة، وليس الجبهة النووية فقط، فإن إدارة ترامب المستقبلية ربما تتمكن أيضاً من دفع الدولة إلى إجراء إصلاحات في الوطن وإلى الاعتدال في الخارج. وستكون هذه سياسة إيرانية جديرة بحمل اسمها.

راي تقيه

الغد